رمضان: شهر التناقضات الإعلانية.. تبرعات لفك الكروب والبعض يشتري القصور

آخر تحديث: الأربعاء 20 يونيو 2018 - 7:57 م بتوقيت القاهرة

كتبت- نسمة فارس

-الإعلانات حملت رسائل متناقضة تعكس واقعا مزيف

-مطلوب من المجلس الأعلى للإعلام تقنين دقائق الإعلانات

-المبالغة في إظهار الفقر والغنى جاء بنتائج عكسية

-الإعلانات قد تبيع الوهم ولا تنقل الواقع
جمعت الحملات الإعلانية في شهر رمضان بين المتناقضات، بعد أن وضعت الدعوة للتبرع لعلاج المرضى وفك كرب الغارمات مع الدعوة لشراء قصور وشقق في سلة واحدة وزاد من مساحة التناقض عدم وجود فاصل زمنى بين الدعوتين وهو الأمر الذى أثار التساؤل والحيرة وصل إلى حد اتهام الواقفين وراء الدعوتين بعدم الخبرة وقراءة الواقع وعدم معرفة المستهدف من الدعوة.

«صورة غير واقعية»

أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم، يرى أن المعلنين قدموا صورة غير واقعية تماما في إعلاناتهم رغبة في استعطاف المشاهد وقام المعلن بتقديم صورة للمجتمع غير واقعية ومبالغ فيه، مؤكدا أن ذلك أدى لتعرض المشاهد لرسالتين متضادتين الأولى المبالغة في الرفاهية والثانية المبالغة في الفقر الشديد.

أما الدكتور سامى عبد العزيز أستاذ العلاقات العامة بجامعة القاهرة ينقلنا في كلامه لصورة أكتر اتساعا قائلا أن المعلن لم يدرك بعد اتجاهات الإعلان في العالم من حيث طبيعة الوسائل بمعنى أن الكثافة الإعلانية في الوسيلة الواحدة وتحديدا التليفزيون نتائجها محدودة، بينما التعدد فى الوسائل يسمح بالقدرة على المخاطبة المباشرة لكل شريحة مستهدفة.

و شدد على أن إعلانات القصور والتجمعات السكنية «الكومباوندز» ليس مكانها التليفزيون الأرضي الجماهيري فبهذه الوسيلة لا يصل الى الجمهور المستهدف من أصحاب الطبقات العليا وتعرض الجمهور وطبقاته التي تصارع الأزمات المالية يأتي بنتائج عكسية ويخلق الشعور بالطبقية مضيفا "طالما لازلنا نفكر بنفس الطريقة فالكل خاسر المنتج الدرامي والوسيلة والمعلن.

«العزف على الاوتار»

الدكتورة أمانى ألبرت وكيل كلية الاعلام جامعة بنى سويف تحلل الظاهرة قائلة: عرضت إعلانات الكمبوندات واقع مختلف مغلف بالأحلام والترف والراحة والأمان بعيد عن الزحام والضوضاء وحياة خالية من الهموم يتوافر بها كل شيء تهيمن عليها وجوه مشرقة مبتسمة، وخاطبت تلك الإعلانات احتياجات الانسان النفسية التي شرحها العالم إبراهام ماسلو (Abraham Maslow) وهى الاحتياجات الجسدية كالطعام والشراب والنوم فسعت الإعلانات لإبراز أشهى الأطعمة وأكثر الوسائل راحة ثم الاحتياج للأمان.

وتضيف: الكمبوند آمن وبه حراسة كما أن البقاء داخله يضمن للفرد أمن موارده ثم تأتي الاحتياجات الاجتماعية فتبرز الإعلانات علاقات الصداقة والعلاقات الأسرية والألفة من خلال تجمعات العائلة أو الأصدقاء ثم الحاجة للتقدير فالحياة داخل الكمبوند تضمن للشخص احترام الأخرين وأخيرًا تأتي الحاجة لتحقيق الذات والقدرة على العمل وهو ما تبرزه الاعلانات فمن يسكن هذه الكمبوندات يتمتع باستقرار وظيفي وقدرة على الإنتاج.

«من الصورة للرسالة»

الكلام السابق كان أشبه بتمهيد للانتقال من الكلام عن الصورة التى حاولت الحملات الإعلانية إرسالها إلى أثر هذه الرسالة الاعلامية وما أثمرت عنه، الأمر الذى دعى الدكتور سامي عبدالعزيز إلى وصف ماحدث في رمضان بـ«المحرقة الإعلانية التليفزيونية» مضيفا «التشابه إلى حد التماثل في الرسائل الإعلانية إلا فيما ندر وأضاف: لا أتصور أنه لم يحقق أثرها المرجو بالإضافة إلى وجود علاقة ارتباطية بين اتجاه الناس نحو الإعلان واتجاهاتهم نحو المنتج المعلن عنه.
محذرا: «إذا حدثت حالة من التشبع إلى حد الزهق من الإعلان حتى وإن كان مبدعا ينعكس هذا بالسلب نحو الاعلان وبالتالي نحو المنتج»

«افتقاد الوعى»

تكشف الدكتورة أمانى ألبرت لنا عن التأثير الخفى على الجمهور فتقول: هناك نسبة كبيرة من قرارات الشراء تتم دون وعي وهو ما يسمى التأثير العاطفي الذي يحدث نتيجة التعرض المتكرر لرسالة الإعلان، لذا كثفت الشركات والمؤسسات إعلاناتها لتحقق غاياتها ووجدنا كجمهور أننا أمام زخم إعلاني كبير فأينما نسير هناك إعلانات الطرق وبينما نقود سياراتنا تحدثنا الإعلانات عبر الراديو وحينما نشاهد التليفزيون تحاصرنا فواصل إعلانية متكررة.

وأكدت ألبرت أن شهر رمضان شهد زخم إعلاني ضخم حملت فيه بعض الإعلانات رسائل متناقضة أولها إعلانات الوحدات السكنية «الكومباوندز» بمشاهدها المبهرة و ثرائها الفاحش النقيض الثاني هو إعلانات التبرعات بمشاهد المعاناة وعبارات الاحتياج التي تدعو لعمل الخير لأشخاص متألمين لتكشف عن شريحين شريحة أغنياء يمتلكون وفقراء يحتاجون.

«نقد مباح»

بالعودة مرة أخرى للدكتور سامى عبد العزيز والذى انتقد إعلانات التبرع واللعب من خلالها على أوتار البؤس مستغلين الاعتقاد السائد بأننا شعب عاطفي فأظهروا إفراطا في الغم والنكد مؤكدا أن ذلك جاء بنتائج عكسية خاصة مع زيادة جرعة الإعلانات من عدد هائل من المؤسسات حيث اتهمت بعضها بتقديم صورة نمطية سيئة للمرأة وهو ما أثار غضبهم.

«طلبات مشروعة»

وبالانتقال من مرحلة تشخيص الداء للبحث عن دواء كان لابد أن نعود ونسأل الدكتور صفوت العالم الذى فاجأنا بمطالبته للشركات والمؤسسات المعلنة التي تدعوا الناس للتبرع لصالحهم أن تعلن عن ميزانيتها للجمهور وإلا فقدت مصداقيتها تماما مضيفا إن «الإنفاق على إعلانات المؤسسات الخيرية يكاد يتساوى مع حجم الإنفاق على المحتاجين ومن غير المعقول أن يتم استغلال ما يقرب من 50% من حجم التبرعات لصالح الدعاية والإعلان».

وأضاف على شركات الاتصالات والمشروبات أن تتوجه بجزء من حجم إنفاقها إلى الفقراء و المحتاجين وهو ما يدخل تحت بند «المسئولية الاجتماعية» للشركات والذي سينعكس بالايجاب على حجم مبيعاتها أكثر من نتائج إعلاناتهم باهظة التكاليف المستعينة بعشرات النجوم من ذوي الأجور العالية.

كلام الدكتور صفوت يدفعنا للسؤال عن المراحل التى مر بها الإعلان حتى وصل للجمع بين المتناقضات وهو ما أجابت عنه الدكتورة أمانى ألبرت التى ترصد لنا مراحل تطور الإعلان في الإعلان المصرى وتقول أن بداية ظهور الإعلان التجاري منذ عقود كان بهدف الحصول على انتشار أكبر للمنتج ولشدة المنافسة وتطور الأمر مؤخرا ليدخل المجال الاجتماعي معلنا عن قيمة أو مشجعا على سلوك إيجابي وجنبا إلى جنب تطورت التكنيكات المستخدمة في الاعلانات التجارية والاجتماعية وكان الهدف واحد وهو اقناع الجمهور برسالة الإعلان ففي الحالة الأولى لو اقتنع سيشترى المنتج وفي الحالة الثانية سيغير واقعة للأفضل.

وفي النهاية فالإعلانات قد تبيع الوهم ولا تنقل الواقع كما هو بل تشوهه أحيانًا فالكمبوندا التي تبدو وكأنها قطعة من أوروبا ليس شرطا أن تشترى السعادة أو تحقق للجمهور نفس الحياة كما في الإعلان وإعلانات التبرعات قد تثير داخل غير القادرين حقد طبقي بسبب تناقضات ما يروه من حياة مترفة لا يرونها ولا في أحلام همت.

بالمقابل جاءت إعلانات التبرعات التي أشارت ألبرت إلى قيام بعضها تضمن تشهير بالمرضى والحالات وبدلاً من انفاق الأموال في علاج المحتاجين تبارت المؤسسات لإبراز حالاتها المرضية ونجاحاتها من خلال مساحات إعلانية كبيرة تكلفها ملايين الجنيهات فالدقيقة الإعلانية تتراوح من 15 ألف إلى 45 ألف جنيه.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved