حكايات القصور.. الحلقة 25: مبارك وهاجس الأمن.. ورفض قصر باكنجهام كسر البروتوكول

آخر تحديث: الأحد 10 يونيو 2018 - 2:14 م بتوقيت القاهرة

كتب-حسام شورى:

تواصل «بوابة الشروق» نشر حلقات مسلسلة تروي طرائف ولطائف من حياة حكام مصر في العصر الحديث، من واقع حكايات موثقة كتبها أشخاص معاصرون لهم في مذكراتهم أو كتبهم السياسية، أو رواها الحكام عن أنفسهم.

ولا ترتبط «حكايات القصور» بأحداث خاصة بشهر رمضان، وإن كان بعضها كذلك، كما لا تقتصر «الحكايات» على القصص ذات الطابع الفكاهي، أو المفارقات التي تعكس جوانب خفية في كل شخص، بل يرتبط بعضها بأحداث سياسية واجتماعية مهمة في تاريخ مصر.

وإلى الحلقة الخامسة والعشرين:
---------------------
كانت كل مرة يزور فيها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عاصمة أوروبية يحدث شد وجذب يصل بعضه إلى حد اللامعقول؛ فديوان الرئاسة لا يقنع بالمراسم المقررة لكل نوع من أنواع الزيارات الرئاسية والتي كانت تصنف إلى ثلاثة أنواع:

زيارة خاصة، يكون هدفها عاديا، ويكون الزائر خلالها متحررًا من أي مراسم بروتوكولية.

زيارة رسمية، يكون المضيف فيها هو رئاسة الوزارة أو وزارة الخارجية، وهذا النوع من الزيارات له مراسم محددة.
زيارة دولة، ويكون الزائر فيها ضيف رئيس الدولة المضيفة، وعليه تجرى له مراسم البروتوكول بالكامل.

وكما صاحب مبارك "هاجس الأمن"، صاحبه "هاجس البروتوكول"، وظهر الهاجسان عندما كان في زيارة رسمية ذات مرة إلى لندن، وكان الرئيس سينزل ضيفا على الملكة إليزابيث الثانية في قصر باكنجهام لمدة 24 ساعة كما تقتضي المراسم، وكان السفير محمد شاكر، سفير مصر في لندن حينذاك، قد تلقى من القاهرة قبل شهر تعليمات مطلوب منه تنفيذها.

وهي أنه سيصحب الرئيس وفد رئاسي، يريد أن يتفقد الدور الذي سيقيم فيه الرئيس ليتأكد من أن كل شيء جاهز وكامل ومهيأ لطلبات الزائر وأسرته، وأن هناك خبراء مصريون مهمتهم أن يفتشوا هذا الجزء من القصر، ويؤمنوه بالأسلوب الذي يرونه، وأن هناك مساحات مطلوبه لأن بعضهم من حاشية الرئيس يريدون أن تكون إقامتهم في القصر مادام الرئيس فيه، وطلب آخر بأن يكون هناك مطبخًا قريبًا ومهيأ لطباخ الرئيس، إلى جانب مصفف شعر!

وأخذ يتواصل السفير شاكر مع العديد من المسئولين البريطانيين، لبحث هذه الطلبات، بينما رفض اللورد فوركهارت، نائب رئيس الأمناء في القصر الملكي في ذلك الوقت معظم الطلبات لاعتبارات سببها:

أن خدمة القصر اختصاص القائمين عليه ولا يمكن تفويضها لغيرهم، والأمن أيضا أمن القصر كله، وليس مسموحًا لأحد من أي بلد أجنبي أن يتدخل لحماية جناح فيه، وجناح الضيافة في القصر هو المقر المخصص للرئيس المصري، ويصعب أن يزيد عليه شبرًا واحدًا، وبالنسبة للطعام فإن خلال فترة إقامة الضيف في القصر يخدمه مطبخ القصر وليس طباخه الخاص، وأما بالنسبة لمصفف الشعر فالبروتوكول البريطاني يتفهم الحاجة إليه، ولكنه يستطيع الدخول بتصريح خاص، عندما يكون هناك حاجة إليه، وفي كل الأحوال فالإقامة كلها 24 ساعة ولا تحتاج إلى كل ذلك!

ثم أبلغ مكتب كبير الأمناء في قصر باكنجهام الطرف المصري رسميا بأن "ماهو مناسب للملكة لابد أن يكون مناسبًا للرئيس المصري"..وبعد أن عرف الجانب المصري هذه التعليمات صدرت تكليفات للسفير المصري أن يتولى بنفسه تذليل الصعاب، وحاول شاكر وتمكن من تذليل عقبة الأمن والسماح لممثل عن الأمن المصري بأن يزور الجناح المخصص للرئيس قبل أن ينزل فيه.

ثم حدث في اليوم المخصص لزيارة مندوب الأمن المصري لجناح الرئيس أن وصل إلى قصر باكنجهام وفد كامل يمثل الأمن، ولكل واحد منه أفراده جهة يتبعها، فهناك أمن الحرس، وأمن الرئاسة، والأمن الخاص، وأمن الدولة، وأصبح الأمن الذي أراد تفقد الجناح المخصص لمبارك يتكون من 16 خبيرَا، كلهم جاءوا إلى لندن وكلهم متأهب لتفتيش وتامين القصر الملكي!

وبعث السفير محمد شاكر يخطر من يعنيهم الأمر أن دخولهم إلى قصر باكنجهام مستحيل، وأنه لا يجرؤ على التقدم بذلك إلى القصر، وحتى اللحظة الأخيرة كان يحاول شاكر إقناع من يرى من المسئولين البريطانين أن يتوسطوا لدى القصر؛ للحصول على غرفة نوم إضافية لأن مرافقًا من حاشية الرئيس يريد أن ينزل فيها!

- المصدر: محمد حسنين هيكل، مبارك وزمانه من المنصة إلي الميدان ، دار الشروق

 اقرأ ايضاً

حكايات القصور.. الحلقة 24: كيف ساوى محمد علي بين المسلم والمسيحي؟ «الكافر من يعصى أوامري»

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved