تدفق للأفكار عن حال المجتمع وصراع الأجيال بأسلوب سردى سلس
نصوص تطرح أفكارا جوهرية، وموضوعات جاذبة ضمن رواية «عملية تجميل» لزينب عفيفى، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، والتى تركز على توق الإنسان للاحتفاظ بشباب دائم، مستفيدة من التقنيات العلمية الحديثة التى تسهم فى التعامل مع الجسم، والطاقة، والملامح.
الرواية تلقى الضوء على علاقة معقدة تجمع الإنسان بالزمن، وتصوّر صراعا بين الأجيال، إذ يحاول الجيل الأكبر، المتمسك بحقوقه المكتسبة خلال سنوات شبابه، الاستمتاع بمقومات الحياة التى خاضها، فيما يطمح الجيل الأصغر لإيجاد ساحة متاحة ليحقق فيها طموحاته ويترك بصمته.
هذه العلاقة المركبة بين الأجيال تنتج تواصلا مرتبكا، حيث يسعى الأكبر سنا إلى إحياء حياة مفعمة بالنشاط، بينما يرى الجيل الصاعد صورة من الماضى البعيد منعكسة بصورة سطحية وزائفة، كأنها تمثل امتدادا وهميا لشباب قد انقضى.
تقدم الرواية بذلك تساؤلا حيويا أمام القارئ حول ماهية الجمال الحقيقى ومضمونه، وتحث على البحث عن سمات عميقة، صادقة، تتجاوز السطح الخارجى، حيث يصبح المضمون امتدادا متناغما للشكل الخارجى، ويتحقق التوافق النفسى بين ما هو ظاهر وما يكمن فى العمق، مع قبول التنوع والتعدد الوظيفى وفقا للمتغيرات التى تفرض نفسها على الجميع.
تدور أحداث الرواية حول أربع شخصيات نسوية تجاوزن سن الشباب ووصلن إلى منتصف العمر، وهن يواجهن تحولات مجتمعية تترك آثارها على حياتهن فى العمل والأسرة، لكنهن يبقين متمسكات بروح إيجابية تعززها الصداقة والاجتماع.
ومع انتشار فكرة العودة للشباب، تكتسب المدينة - ذات السمات العامة - طابعا مميزا يعكس الحياة الشعبية، التى تعبر عن تجربة جماعية تمارس تأثيرها على كل سكانها، مما يذكر بالحكايات القديمة، حينما كانت الأشياء تتحول إلى ذهب، أو يحصل البشر على فرصة لحياة أبدية.
وفى هذا السياق، ينخرط الناس فى اختيارات موحدة، تخدم الصالح العام فى اتجاه معين، ليصبح النموذج الإنسانى جزءا من تجربة جماعية كبرى، تصبح حديث المجتمع بأسره.
تتوجه الشخصيات النسائية جميعا إلى طبيب ماهر لعلاج مشكلة معقدة بدت بلا حل، غير أن التجربة الجديدة تجعلها تفقد ملامحها الشخصية التى كانت ترمز للماضى، لتغدو فى النهاية أسيرة لواقع فقد المعنى الثقافى والتاريخى الذى كان يرتبط به.
ومع تكرار هذا المسار، يفقد الأكبر سنا القدرة على استيعاب الزمن الحاضر، بينما يعجز الأصغر سنا عن التحرك نحو المستقبل، فى تجسيد رمزى يشير إلى ضرورة إيجاد لغة تفاهم بين الأجيال، وبين الإنسان ومحيطه، وأخيرا بين الإنسان وذاته.
يأتى ضمن أهم نقاط قوة الرواية، هو أنها تتسم بأسلوب سلس ودرامى متدفق، يجعل من العلاقات بين شخصيات المدينة شبكة محكمة تبرز الفوارق والتفاعل بين جيلين مختلفين، ونلمس ذلك فى المقتطف الآتى:
«سأعتنى بجسدى الذى عشت به سنوات عمرى، بكل أفراحى وأحزانى وإحباطاتى وخيباتى وانتصاراتى، لن أمحو تاريخى بحقنة تجعلنى أتوقف عند صورة ثابتة قد تصيبنى بالجنون. الجمال الثابت فى نظرى مهما كانت درجته قاتل، الاعتياد حتما يفقدنا الإحساس بقيمته مع مرور الوقت، لن أنصت لنداء التحول الشبابى الذى أصاب المدينة بالجنون».
وعلى الرغم من أن معظم مقاطع الرواية تُروى من وجهة نظر شريهان، المرأة فى منتصف العمر، فإن السرد لا يقتصر على استهداف جيلها فقط. بل إن حضور شخصيات شابة يعطى الرواية روحا تواصلية موجهة نحو الشباب، إذ تُقارب طريقة السرد الحكى الشفهى، وتمتاز بنقاء وعمق نفسى يظهر فى صدق انفعالات الشخصيات وسعيها لفهم الذات والآخرين، ما يمنح العمل بُعدا شاعريا جليا.
تتجاوز الرواية الطابع النمطى للحكى عبر تقنية «تعدد الأصوات»، مما يسمح بإضفاء بعد جديد على تجربة السرد واستعادة الزمن، هذه التقنية تضفى على العمل بعدا من جماليات الذاكرة، حيث يحتفظ السرد بشبابه، وكأن الحكايات نفسها تُحافظ على عذوبة دائمة عبر استرجاع الأحداث والذكريات.
بناء النصص يضفى على الرواية سمة جمالية تنأى عن تكرار الحياة اليومية، وتحاكى جمالا عابرا للزمان والمكان، كما أن إحدى مكامن قوة النص هى طريقة تناوله لطبيعة الروح والجسد، وقيمة الجوهر الإنسانى بعيدا عن المادية. من خلال هذا تتناول الكاتبة زيف المجتمعات وانحدارها الأخلاقى وتعرضها للتحلل، مستخدمة فى ذلك طبيب التجميل كرمز يعكس ما يعانيه البشر والمدن من تدمير وسطحية.
الرواية متعددة الأبعاد، فتوظف الفانتازيا بأسلوب ساخر يعكس النقد الاجتماعى للواقع. ورغم أن القارئ قد لا يكون أمام دلالات مباشرة، فإن العمل يحمل معانى إضافية تظهر بتلقائية خلال السرد، مما يضيف عمقا تأويليا يميز النص.
فكرة الرواية ترتكز على الخيال الفانتازى كوسيلة لمجابهة الزيف والأقنعة التى تغطى الحقيقة، حتى وإن كانت تلك الأقنعة تخفى وجوها جميلة أو مبانى أنيقة، لكنها تفتقر للروح والجمال الداخلى، وهو ماعبرت عنه رواية زينب عفيفى.