أعلن المؤلف والصحفى البريطانى، سيمون جينكينز، عن موعد صدور كتابه الجديد العام المقبل والصادر عن دار نشر «بنجوين» بعنوان «تاريخ مختصر للعمارة البريطانية» تتبع من خلاله تاريخ العمارة البريطانية وأهم الآثار والأيقونات المعمارية والتاريخية فى المملكة المتحدة عبر العصور؛ وذلك بسبب رغبته فى أن يتفهم الناس جمال فن العمارة و«يتحدثون بلغتها» على حد تعبيره.
وقال المؤلف إن الهدف من كتابة الكتاب أيضًا هو مساعدة الناس على فهم ما يسميه «لغة الأنماط فى العمارة» ــ مثل الفرق بين الأعمدة الدورية والكورنثية، أو بين الطراز الإنجليزى القديم والقوطى العمودى.
واتضح أن الكتاب فى الواقع يجمع بين أسلوبين؛ فالقسم الأول ضم رحلة سريعة عبر أربعة آلاف ونصف من الإنجازات المعمارية البريطانية، بدءًا من «ستونهنج» ــ وهو معلم تذكارى أثرى حجرى من عصور ما قبل التاريخ ويعد أيقونة ثقافية بريطانية ــ مرورًا بالكاتدرائيات والمنازل الريفية والمعالم الأثرية بدلاً من الأماكن العادية للحياة اليومية، بلغة متزنة بالغة العناية بالتفاصيل.
أما القسم الأخير، فهو عبارة عن خطاب نقدى حاد ضد الدمار الذى ألحقه المخططون والمعماريون الحداثيون بالمدن البريطانية، وقد عمل المؤلف كصحفى شاب فى حملة السبعينيات من القرن الماضى لإنقاذ منطقة «كوفنت جاردن» البريطانية من مخاطر الهدم بغرض إعادة التطوير، وظل مهتمًا بقضايا التراث والتخطيط منذ ذلك الحين، بما فى ذلك فترة ترؤسه الصندوق الوطنى البريطانى.
وأعاد القسم الأول سرد الحكايات التاريخية بأسلوب شيق مُدعم بالملاحظات الشخصية، وقدم «جينكينز» عبر صفحات الكتاب الجديد أفكاره الخاصة والجريئة حول ماهية العمارة؛ فمثلًا، اعتبر «ستونهنج» نموذجًا معماريًا أثريًا، بينما لم يرَ فى مجمع المنازل الدائرية القديم فى منطقة سكرا برا فى جزر أوركنى فى إسكتلندا (وهى عبارة عن آثار لبيوت قديمة مبنية من الأحجار) نفس القيمة، كما قال إن قاعة «هاردويك» ــ وهى منزل ريفى مبنى على طراز العمارة الإليزابيثية بتصميمها المهيب والجرىء الذى يجمع بين الحجر والزجاج والنسيج ــ »تعكس كرامة وهدوءًا إنجليزيًا».
وكشف «جينكينز» عن تفضيله ما يسميه «العصر الذهبى» فى النصف الثانى من القرن الثامن عشر، الذى يعتبره فترة ذوق راقٍ وتناغما أسلوبيا فى العمارة؛ حيث تعاونت الأرستقراطية البريطانية مع معماريها لتجسيد الأساليب الرومانية واليونانية القديمة.
وجاء القسم الثانى من الكتاب أكثر حيوية؛ حيث هاجم «جينكينز» الدمار الذى ألحقته الحرب العالمية الثانية بالمدن البريطانية على يد المعماريين والمخططين والسياسيين الذين سعوا إلى إزالة «المعمار التقليدى»، وتخصيص المساحات العامة للسيارات، وتنفيذ الرؤى الجنونية للحداثى السويسرى ــ الفرنسى لو كوربوزييه، الذى كره الشوارع التقليدية المليئة بالمحال التجارية التى تشكل جزءًا كبيرًا من المدن.
وأشادت صحيفة الجارديان البريطانية بالكتاب نظرًا لما يحتويه من تفاصيل عن طبيعة وروح العمارة البريطانية ما بين الماضى والحاضر، ورغم أن انتقادات «جينكينز» تشمل بعض معالم العمارة الجميلة القائمة فى المملكة المتحدة الآن، إلا أنه يصعب الاختلاف معه بشأن الفظائع الحقيقية التى ارتُكبت خلال الحرب العالمية الثانية، ومن حقه أن يتحدث عن هذه الكوارث نظرًا لكونه شاهد عيان على تلك الحرب، وأوضح المؤلف أنه يريد أن يثقف الجمهور حول العمارة بسبب تلك الكوارث، وهى غاية يستحقها كل محب لفن البناء.
لكن يبقى السؤال: هل التركيز على «لغة» العمارة ــ كشىء يمكن تعلم قواعده ــ كافٍ لإحداث تحول فى فهم الجمهور؟ هذا الأسلوب يختزل العمارة إلى مجرد أشياء للتأمل بدلاً من أن يُنظر إليها كمساحات ثلاثية الأبعاد تُصنع وتُسكن وتُعاش، وتجمع بين الجمال والصراعات البشرية والتاريخية.
وعلى الرغم من أن المؤلف يسلط الضوء أحيانًا على دور السياسة فى العمارة، وينتقد الاحتقار النخبوى الذى يقول إن الحداثيين أظهروه تجاه الناس العاديين، إلا أنه يغفل الحديث عن كيف موّل استعباد البشر فى الماضى منازل «العصر الذهبى» فى بريطانى، وهو العصر الذى ابتدأته ملكة إنجلترا إليزابيث الأولى، وشهد نهضة أدبية وفنية ضخمة، ويكفى أن شكسبير كان من أيقونات ذاك العصر.