* أميل للسينما الإيطالية أكثر من الفرنسية.. ويجب أن يتمتع المخرج بالثقة والقوة
أقام مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الـ45، ماستر كلاس بالمسرح المكشوف لدار أوبرا القاهرة، مع المخرج السينمائى البوسنى العالمى دانيس تانوفيتش، رئيس لجنة تحكيم المسابقة الدولية، وذلك ضمن فعاليات أيام القاهرة لصناعة السينما.
المحاضرة التى أدارها صانع الأفلام مروان عمارة، كانت بمثابة فرصة فريدة للتعرف على العالم السينمائى شديد الثراء لصانع الأفلام الحائز على جائزة الأوسكار، وحرصت الفنانة التونسية درة على أن تكون أول الحاضرين كما حضر أيضا الفنانات منهن عائشة بن أحمد، وفاطمة ناصر.
فى البداية عبر دانيس تانوفيتش عن سعادته بالتواجد فى مهرجان القاهرة، قبل الانتقال بالحديث لبداية حياته فى البوسنة، وقال إنه نشأ فى زمن الحرب، وكان يشاهد تفاصيلها التى تجعل الحياة مختلفة فى أعين من عاصروا الحروب فى البوسنة، مشيرا إلى أنه كان معجبا بالضباط والعساكر، لذلك قرر أن يتطوع فى جهاز الشرطة، ولكن مع تطور الحرب أصبح دوى القنابل عنيفًا، وكان يخاف منه، وفى إحدى المرات أثناء هروبه من القنابل ذهب مع صديق له للاختباء فى ملجأ تحت الأرض، يمتلكه أحد معارف صديقه، وعندما دخل عليه وجده يستمع للموسيقى ويقوم بنحت أحد الأعمال الفنية، ويتفاعل مع الموسيقى فى نفس الوقت، ففكره أنه شخص مجنون، وسط الحرب والقنابل يقوم بالنحت ويرقص ويستمع للموسيقى، ولكن هذا أشعل حماسًا مختلفًا بداخله، جعله يرغب فى أن يكون فنانًا.
وتابع دانيس، إنه مع الوقت وجد أن الوقائع التى يراها أثناء تطوعه فى الشرطة، يجب أن يوثق ويوثق أهوال الحرب ومشاعر الناس، فبدأ بتسجيلها، ليقدم بعدها عددا من الأفلام القصيرة حول فترة الحرب، كان أولها فيلم يرصد 4 قصص أحدها للنحات الذى اختبأ عنده هروبًا من القنابل، وأشعل بداخله حماس اتجاه الفن.
وأوضح دانيس تانوفيتش، أن المخرج فى البداية عليه أن يكون متفهمًا لما يمكنه فعله وما لا يمكنك فعله حتى يصنع فيلمه، وأن يفهم القصة التى يريد حكيها للجمهور، لأن تقديمك لقصة لا تعرف عنها الكثير أمر غير منطقى، والأهم أن تختار قصة جيدة ومهمة للناس وعندما تصل للقصة عليك أن تفكر فى القالب الذى ستقدمها فيه، مشيرا إلى أنه درس تاريخ المسرح والحضارة اليونانية الدراماتورجيا، حتى يتعلم كيفية تغيير الأساليب والأدوات مع مرور الوقت.
وأكد أن المخرج يجب أن يتمتع بالثقة والثقافة والمعرفة، لأنه يقود فريق عمل يتكون على الأقل من 300 شخص، فيجب عليه أن يكون على يقين بأنه يسير فى الاتجاه الصحيح، حتى إذا لم يكن مستقرًا على طريقة سير العمل، ولكن عليه أن يكون واثقًا من النتيجة، لأن هذه الثقة ستجعل من حوله يؤمنون به وبقدراته، وبالنسبة للنساء فالأمر يكون أسوأ لأن عليها كامرأة أن تتحلى بالثقة والقوة، لأن أى شخص فى فريق العمل لو شعر بأنها مترددة أو تفكيرها غير مستقر سينهار كل شىء، مؤكدا أن عليهن أن يتظاهرن بالقوة حتى وإن لم تمتلكهن.
وتحدث تانوفيتش عن رحلة فيلمه مع الأوسكار، قائلا إنه عند مشاركة فيلمه فى الأوسكار كان يشارك فيلم «إيميل» وكان قد حقق نجاحا كبيرا، لكن بعد وقوع أحداث 11 سبتمبر تغيرت وجهة نظر القائمين على الجائزة واهتموا أكثر بأفلام الحرب ومن هنا جاءت فرصته، موضحا أن الحظ حالفه لأن الذوق العام تغير، أما نصيحته للمخرجين الجدد أن يختاروا جيدا توقيت عرض فيلمه.
وقال عن اختيار فريق العمل إنه جزء أساسى من نجاح المخرج، لأن من تختارهم سيساعدونك فى الوصول لما تحلم به ويجب أن تسمع لهم وتستفيد منهم، مستشهدا باختياره لمدير تصوير الفيلم، والذى يكبره بـ15 عاما فأضاف الحكمة إلى اختياراتهم، إلى جانب اختياره لمونتيرة الفيلم، والتى كان يصعب عليهما التواصل معًا بسبب عدم إجادتها غير لغتها الأم وهى الإيطالية، التى لا يعرف عنها شيئا، مشيرا إلى أن اختيار فريق العمل بدقة يجعله يعمل بالطريقة التى يفضلها، وهى عدم تصوير مواد كثيرة لا يحتاجها، وأن يصور عدد أيام قليلة.
وبالنسبة للتحديات التى تواجه صناع الأفلام مثل الرقابة والتمويل اللازم، أوضح دانيس تانوفيتش أن الرقابة كيان موجود فى جميع دول العالم وإذا استسلم صانع الأفلام لها لن يتمكن من تحقيق حلمه، فهى أمر واقع وموجود فى العالم كله، وعلى صانع الأفلام أن يكون أذكى منهم وأن يجد الطريقة المناسبة لصنع فيلمه، مشيرا إلى أن بلاده لم تمول أو تساهم فى أفلامه وكان يعتمد على التمويل الخارجى.
وكشف دانيس تانوفيتش عن أن السينما الإيطالية فى الأربعينيات وحتى السبعينيات هى المفضلة له، فقد كان هناك صناع أفلام يستمتع بأفلامهم وبقصصهم، على رأسهم المخرج الإيطالى اتورى سكولا، الذى قدم أعمالا رائعة وهو مثال على تمتع السينما الإيطالية بالفن والتنوع والثراء، مشيرا إلى أنه يميل إلى السينما الإيطالية أكثر من الفرنسية على الرغم من حبه لأفلام جودار، ولكن السينما الإيطالية هى الأقرب لقلبه.
وأعطى دانيس تانوفيتش نصيحة خاصة لصناع السينما الفلسطينيين؛ حيث أخبرهم بأنه بدأ حبه للسينما وقت الحرب فى البوسنة، ولم تتح الكهرباء بشكل كبير، مؤكدا أن ما يحدث فى غزة والضفة الغربية ولبنان لا يقارن، وهو أكثر بكثير مما يتخيله أى أحد ولم يحدث أمر مثله من قبل، ولكنه أكد أيضا أنه سيخرج من هذه الأحداث جيل من الأطفال يومًا ما سيحكى ما شاهدوه فى أفلام تنافس فى المستوى العالمى، يرون من خلالها ما شاهدوه، وأن هناك مئات القصص لا نعلم عنها شيئا ولا نراها حتى فى الأخبار، وتحتاج لمن يرويها، ولن يرويها سوى أصحابها ومن عاشوها.