كيف أحدث طه حسين ثورة في الفهم الأدبي للشعر الجاهلي؟

نشر في: الجمعة 15 نوفمبر 2024 - 4:06 م
محمود عماد

تحل اليوم ذكرى ميلاد عميد الأدب العربي طه حسين، الذي وُلد في 14 نوفمبر عام 1889، وتوفي في 28 أكتوبر 1973. يُعتبر طه حسين واحدًا من أهم الكتاب والمفكرين والمثقفين في تاريخ مصر والأدب العربي، وكان سابقًا لعصره، ما جعله يستحق لقب "عميد الأدب العربي".

من بين أعماله الأكثر تأثيرًا كان كتابه في الشعر الجاهلي، الذي صدر عام 1926. وبعد الضجة التي أثارها الكتاب، أعاد طه حسين نشره بعنوان الأدب الجاهلي بعد أن قام بحذف الفصول الأربعة التي تسببت في إثارة الرأي العام.

أثار الكتاب ضجة واسعة في الأوساط الثقافية والنقدية والعلمية والأكاديمية، حتى وصل الأمر إلى الأوساط الدينية، ممثلة في المؤسسة الأزهرية. بمجرد أن صدر الكتاب وأحدث هذه الضجة الكبيرة، قام عدد من الشيوخ والكتاب البارزين بالرد عليه، منهم شيخ الأزهر الخضر حسين، محمد فريد وجدي، ومحمد لطفي جمعة.

وجاءت هذه الردود في ثلاثة كتب كانت نموذجًا لمقارعة الحجة بالحجة، وليس بالتكفير. وقد تميزت هذه الردود بنبرة حضارية راقية نفتقدها في أيامنا الحالية، حيث يسهل على كثيرين اللجوء إلى التكفير والتحريض.

ومع تصاعد الأزمة، دخلت السياسة في المعركة. وكان من حظ الدكتور طه حسين أن هناك تحالفًا بين الأحرار الدستوريين والوفد، حيث كان رئيس الوزراء عدلي يكن من الأحرار الدستوريين، ورئيس مجلس النواب سعد زغلول من الوفد.

وتدخل عدلي يكن لحماية طه حسين، بينما استخدم سعد زغلول نفوذه البرلماني والشخصي لتخفيف حدة الغضب بين النواب الوفديين الذين رأوا في الأزمة فرصة لتصفية الحسابات مع طه حسين.

وتصدرت جريدة "كوكب الشرق"، التي كانت تُعتبر امتدادًا لجريدة المؤيد، الهجوم على طه حسين، كما أفردت عدة صفحات للهجوم عليه وللدفاع عن موقفه جريدة "السياسة" التي كتب فيها أحمد لطفي السيد، محمد حسين هيكل، منصور فهمي، وعباس العقاد.

فيما ردت "كوكب الشرق" بأقلام مصطفى صادق الرافعي، شكيب أرسلان، محمد لطفي جمعة، أحمد الغمراوي، وعبد المتعال الصعيدي.

وكان من أبرز ما ورد في الكتاب أن طه حسين شكك في صحة الشعر الجاهلي، حيث اعتبر أن الكثير منه وُضع بعد الإسلام من قبل من اعتنقوا الإسلام ثم نسبوه للعرب في العصر الجاهلي.

وأوضح أن أسباب هذا الوضع كانت سياسية ودينية، مثل محاولة قريش تعزيز مكانتها بين القبائل، أو محاولة الأمويين إثبات حقهم في أمور الحياة. كما اعتبر أن الكثرة من الشعر الجاهلي لا تمثل العصر الجاهلي، بل هي شعر إسلامي يعكس حياة المسلمين وميولهم، وليس حياة الجاهليين.

وتطرق طه حسين إلى أن ما يُعتبر شعرًا جاهليًا ليس بالضرورة من هؤلاء الشعراء المعروفين مثل امرئ القيس وطرفة بن العبد، بل هو شعر منحول اختلقه الرواة والنحاة.

كما أشار إلى أن الشعر الجاهلي يفتقر إلى العديد من الخصائص التي يعكسها القرآن الكريم، مثل الحياة الدينية والعقلية القوية وحياة العرب الاقتصادية، وهو ما لا نجده في الشعر الجاهلي.

كما ذهب طه حسين إلى القول إن الأدب الجاهلي لا يمثل اللغة الجاهلية، إذ كان هناك اختلاف كبير بين اللغة الحميرية واللغة العدنانية، وأن المأثور من شعر القحطانيين كان مرويًا باللغة العدنانية على الرغم من أنهم لم يتحدثوا بها قبل الإسلام. وهذا يدل على أن الشعر الجاهلي قد تم انتحاله بعد الإسلام من قبل القبائل العدنانية.

وفي نهاية الأزمة، تم حفظ التحقيق مع الدكتور طه حسين، الذي أعاد طبع الكتاب بعنوان الأدب الجاهلي بعد أن حذف الفصول الأربعة المثيرة للجدل، التي أغضبت الرأي العام والعلماء. ورغم مرور السنوات، لا يزال الكتاب يثير جدلاً كبيرًا، ولكن بقدر أقل من الضجة التي أحدثها في الماضي.

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة