أعلنت الصحفية البريطانية راشيل شابى عن موعد صدور كتابها الجديد مطلع العام القادم بعنوان «أبيض قاتم: الحقيقة حول معاداة السامية»، والتى ناقشت من خلاله الأوجه المتعددة لمفهوم معاداة السامية وتأثيرها على الصراع الإسرائيلى الفلسطينى المتأجج منذ السابع من شهر أكتوبر الماضى وحتى الآن.
فى البداية، قالت الكاتبة إن تيار اليسار لم يتعامل بجدية قط مع قضايا معاداة السامية من قبل، مما أدى إلى إعطاء بعض أشكال العنصرية حرية تامة، كما تسبب فى غياب للتعاطف مع التجربة اليهودية وضعف التضامن المحتمل وهى كلها أسباب ساهمت فى خلق «الوحش الإسرائيلى» الذى نراه الآن.
لطالما كان من الصعب الحديث عن هذا الموضوع، خوفًا من أن يخفف ذلك من حدة العنصرية ضد ذوى البشرة السمراء التى كانت تُعتبر موضوعًا أكثر إلحاحًا. ولكن الآن، عندما يُستخدم اتهام معاداة السامية كذريعة من قِبَل المدافعين عن إسرائيل لتقويض الانتقادات المتعلقة بالجرائم المروعة ضد الفلسطينيين، يصبح الأمر مستحيل السكوت عنه؛ لأن عدم التعامل مع هذه القضية لا يخدم سوى العنصريين على حد قول الكاتبة.
وعلى الرغم من أن الكتاب يحمل عنوان «الحقيقة حول معاداة السامية»، إلا أنه سرعان ما يتضح للقارئ أنه لا توجد حقيقة واحدة بسيطة هنا، بل مجموعة من القصص المعقدة والمتشابكة، والمؤلفة ذاتها «شابى»، التى وُلدت لأبوين يهوديين من العراق، والتى استكشفت فى كتابها السابق تجارب اليهود الإسرائيليين من دول عربية، تعتبر دليلاً جيدًا وحقيقيًّا على وجود ذلك التشابك.
وعبر صفحات كتابها الجديد، قالت الكاتبة إن الهولوكوست يُستخدم حاليًا كـ «درع واقٍ» لصد الانتقادات الموجهة لإسرائيل، وأوضحت «شابى» كيف أن معاداة السامية تختلف عن أنواع العنصرية الأخرى، وكيف يمكن أن يجعل ذلك من الصعب مواجهتها؛ لأن غالبًا ما يكون نموذجنا عن العنصرية أنه يستهدف «الأشخاص الملونين بهدف قهرهم، وفصلهم، واستعمارهم، واستعبادهم، وقتلهم»، ونتوقع من هذا المنطلق أن تكون متجذرة فى الهياكل السياسية والاجتماعية عبر مختلف أشكال الظلم.
ولكن معاداة السامية لا تتناسب دائمًا مع هذا النموذج؛ لأن اليهود فى الغالب فى معظم الأماكن اليوم لا يواجهون هذا النوع من العنصرية الهيكلية؛ فاليهود منهم بيض البشرة ومنهم غير ذلك، ومن ثمّ جاء اختيار الكاتبة للعنوان «أبيض قاتم أو Off-White» ــ وفقًا للسياق.
وقالت الكاتبة إن معاداة السامية يمكن أن تكون ضارة مثلها مثل أى نوع آخر من العنصرية، وهى التى أسفرت عن الإبادة الجماعية التى تجرى على قدم وساق الآن للشعب الفلسطينى، وأضافت أنه رغم أنها شخصيًا لا تشعر بنفس الإحساس بالمعاناة، إلا أنها تدرك أن هذا الشعور لا يزال قائمًا بالنسبة للكثيرين من اليهود، خاصة مع نشأتها كيهودية فى عائلة لا تزال تتعامل مع آثار الماضى.
وقالت إنه من المؤكد أن الهولوكوست يُستخدم حاليًا كأداة لتجنب الانتقادات الموجهة إلى إسرائيل، ولكن لا يمكننا تجاوز ذلك بمجرد إنكار المعاناة اليهودية. كما تقول «شابى» فى أحد المواضع: «يجب علينا أن نتفهم طبيعة الصدمة الشعبوية التى تعرض لها اليهود فى الماضى (أى المحرقة) لأنها هى التى تُفرض الحرب المدمرة على الفلسطينيين فى وقتنا الحاضر».
وذكرت أن فهم تعقيد ماضى إسرائيل وحاضرها يعنى أن إزالة الاستعمار لا يمكن أن يتضمن وضع قوائم صارمة للفئات الأصلية والمستعمرين، قد يبدو هذا بديهيًا، ولكن وفقًا للمؤلفة فإن حياة اليهود والفلسطينيين ــ إن عوملت على نفس قدر المساواة ــ ستخلق بالضرورة التوازن الضرورى لوقف الحرب.
وعلى الصعيد الآخر، استكشفت المؤلفة فى جزء آخر من الكتاب كيفية استخدام اليمين لمعاداة السامية فى الوقت الحالى؛ فكما يبدو أن اليسار ضد دولة إسرائيل على طول الخط، يبدو أن اليمين عكس ذلك تمامًا، وهناك بعض المعلقين اليمينيين فى بريطانيا كانوا يقترحون أن اليهود يجب أن يتعاونوا مع اليمين المتطرف ضد المسلمين.
وتعقيبًا على ذلك، قالت المؤلفة: هل من المفترض أن نكون ممتنين لأننا أصبحنا فى مرحلة ما من «أدنى وصمة فى الحضارة الغربية» إلى «مدافعين عن جبهتها الأمامية»؟ من الجيد أن نرى هذا الظاهرة تُستعرض، بالإضافة إلى الأطياف المتطرفة للصهيونية المسيحية، والصداقة الغريبة التى تحاول إسرائيل بناءها مع بعض أسوأ الحكومات الاستبدادية فى العالم.
ما هو أكثر إثارة للقلق من الصداقة الجديدة بين بعض اليهود واليمين هو الانتشار المتزايد لنظريات المؤامرة المجنونة التى تستند إلى الأنماط القديمة التى تصور «اليهود الخارقين» ممن هم فوق مستوى المحاسبة، ولذلك أشارت الكاتبة إلى أنه من الضرورى أن نكون مستعدين للكشف عن هذه النظريات وتفكيكها، خاصة تلك التى تدور حول «الاستبدال الكبير» ــ وهى فكرة أن اليهود يحاولون استبدال ساكنى أوروبا الأصليين عبر الهجرة ــ وهى نظرية تنتشر بشكل مرعب.
وفى الختام، قالت المؤلفة إن هذا الكتاب ليس نهاية النقاش، بل جزء حيوى من الحوارات المتأخرة التى نحتاجها لبناء تضامن أكبر فى هذا الوقت العصيب؛ فنحن بحاجة إلى أن نكون أكثر وعيًا بضرورة فصل الانتقادات المشروعة لإسرائيل عن معاداة السامية، إذ إن هناك فارقًا كبيرًا بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية.
كما أشادت صحيفة الجارديان بهذا الكتاب التى قالت إنه جاء فى وقته المناسب ليساعدنا فى تحقيق ذلك الفصل؛ لأن رسالة المؤلفة الأساسية هى رسالة حيوية - ألا وهى أن مكافحة معاداة السامية شأنها شأن مكافحة الجرائم ضد الفلسطينيين؛ فكليهما جزء أساسى من النضال ضد جميع أشكال الظلم وتجريد الإنسان من إنسانيته.