يُعد نهر النيل مصدر المياه الرئيسي في مصر، وبه قامت الحضارة المصرية منذ فجر التاريخ. وعلى ضفتيه نسج الشعراء أروع القصائد، وتغنى المطربون بأعذب الكلمات والألحان. وعلى أحد ضفاف نيل القاهرة، احتفلت مكتبة القاهرة الكبرى بـ "عيد وفاء النيل"، تحت رعاية معالي وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، والمخرج خالد جلال رئيس قطاع شؤون الإنتاج الثقافي، وبإشراف الكاتب يحيى رياض يوسف، يوم الأربعاء 13 أغسطس 2025.
بدأت فعاليات اليوم صباحًا بعرض فيلم وثائقي تسجيلي، مدعوم بالصور الفوتوغرافية والموسيقى، عن عيد وفاء النيل وتاريخه، من إنتاج وحدة الصوت والتصوير بالمكتبة. كما أقيم معرض كتب من مقتنيات المكتبة عن النهر العظيم بجميع لغات العالم، منها كتاب "تاريخ وجغرافية نهر النيل: نهر عمره 30 مليون سنة" للأستاذ الدكتور حمدي أحمد محمود والأستاذ الدكتور حسن علي حسن يوسف، وكتاب "نهر النيل" للأستاذ محمد عوض محمد، وكتاب "أخبار نيل مصر" لشهاب بن العماد الأقفهسي، وكتاب "نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل"، وكتاب "النيل: حياة نهر" لأميل لودفيج. وسيستمر عرض هذه الكتب يومي الأربعاء والخميس.
وتتيح هذه المؤلفات للقارئ معرفة كل ما يتعلق بنهر النيل من النواحي الجيولوجية والسياسية والتاريخية والاقتصادية، ودوره العظيم في إقامة الحضارات المصرية القديمة واليونانية والرومانية والقبطية والإسلامية على ضفافه.
وفي سياق الفعاليات، نظمت المكتبة ندوة ثقافية مساء نفس اليوم بعنوان: "تجليات النيل في التراث المصري: من المأثورات الشفهية إلى الفنون البصرية".
حاضرت في اللقاء الدكتورة حنان موسى، رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث بوزارة الثقافة، مشيرةً إلى أهمية النيل في الفنون وجهود الوزارة في مبادرة الاحتفال بوفاء النيل. وتحدث الدكتور أحمد الشرقاوي، أستاذ بجامعة الأزهر الشريف ورئيس الإدارة المركزية لشؤون التعليم بقطاع المعاهد الأزهرية، عن أهمية الماء والنيل باعتباره شريان الحياة ومصدر النماء، مؤكدًا أنه نعمة تستوجب الشكر لله تعالى، مستشهدًا بقوله تعالى: "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ"، مضيفًا أهمية الحفاظ على مصادر المياه وعدم الإسراف في استهلاكها.
من جانبه، ألقى الكاتب يحيى رياض يوسف نبذة عن تاريخ قصر الأميرة سميحة كامل (مقر مكتبة القاهرة حاليًا)، وأشار إلى دور نهر النيل في بناء الحضارة وأهميته في حياة المصريين، حيث يجري في 11 دولة تُعرف بدول حوض النيل، مؤكدًا ما قاله هيرودوت: "مصر هبة النيل".
كما تحدثت الدكتورة أسماء جبر، أستاذ تاريخ الفن والنقد الأدبي، عن أسطورة عروس النيل وتأثير النهر على الفنون كمصدر إلهام. وأشارت الدكتورة الشيماء الصعيدي، مدير عام أطلس المأثورات الشعبية، إلى أهمية الموروثات الشعبية والتاريخية في المعتقد المصري القديم، وعلاقة المصريين والنوبة بالنيل.
وتناولت الدكتورة دينا هويدي، مدير عام الإدارة العامة لثقافة المرأة، الورش الفنية النسائية وعلاقة الموروث الشعبي بالنيل. واختُتم اللقاء بقصيدة شعرية عن مصر والنيل ألقاها المهندس الشاعر سمير سالم.
كما أقيمت ضمن فعاليات الاحتفالية، ومن خلال "المبادرة 21 لمشروع أهل مصر لفتيات المناطق الحدودية" بقيادة الدكتورة دينا هويدي، ورشة مسرح بعنوان "أجنحة الأمل" تحكي نماذج لسيدات وفتيات ناجحات، من إخراج المخرج محمد عبدالوهاب. كذلك أُقيمت ورش متنوعة، منها: ورشة لتعليم فن الكتابة الصحفية للكاتب محمد خضر من جريدة الوفد، ورشة فن تشكيلي للفنانة شيماء المهدي، ورشة أكسسوارات للفنانة ملك عبدالكريم، ورشة مكرمية للفنانة شيرين عفيفي، ورشة تطريز للفنانة إيناس حسين، ورشة خيامية للفنانة نهلة حلمي، وورشة تصوير فوتوغرافي للفنان طارق الصغير.
وأكد الكاتب عبدالله نورالدين، مدير النشاط الثقافي بالمكتبة، أن من الأهداف الاستراتيجية لمكتبة القاهرة الكبرى رعاية وتنمية الموهوبين والمبدعين في مختلف مجالات الفنون، وأن المكتبة تفتح أبوابها للشباب والنشء لاكتشاف المواهب ورعايتها. وأوضح أن استضافة ورش الفنون من خلال احتفالية "النيل عنده كتير" يعزز قيم الهوية والانتماء، ويحقق مبدأ العدالة الاجتماعية.
ومن المعروف أن نهر النيل هو أطول أنهار العالم، ويشغل الجزء الشمال الشرقي من قارة إفريقيا، وينبع من الجنوب باتجاه الشمال. وله رافدان رئيسيان: النيل الأبيض، الذي ينبع من منطقة البحيرات العظمى بوسط إفريقيا، وأبعد مصادره جنوب رواندا، ويمر بشمال تنزانيا إلى بحيرة فيكتوريا ثم أوغندا وجنوب السودان. أما النيل الأزرق فيبدأ من بحيرة تانا في إثيوبيا، ويصل إلى السودان من الجنوب الشرقي، حيث يلتقي النهران في الخرطوم. ويبلغ طول النيل الإجمالي 6650 كم، وتغطي مساحته 3.4 مليون كم²، ويمر عبر عشر دول إفريقية تُعرف بـ "دول حوض النيل".