توفي اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025، الروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم عن عمر ناهز 88 عامًا، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد نُقل على أثره إلى أحد مستشفيات القاهرة، حيث وافته المنية بعد ساعات من دخوله.
ونعاه وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو، مؤكدًا أن الأمة العربية فقدت قامة أدبية استثنائية، فيما عبّرت مؤسسات ثقافية وإعلامية عدة عن حزنها لرحيله، مشيدةً بمكانته البارزة في المشهد الروائي العربي وعطائه الممتد لعقود.
وُلد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، وترك بصمة فريدة في الأدب العربي من خلال أعمال مثل تلك الرائحة، اللجنة، شرف، ذات، الجليد، وبيروت.. بيروت، التي جمع فيها بين الجرأة الأدبية والالتزام بالقضايا الوطنية، ليظل إرثه شاهدًا على تحولات المجتمع المصري والعربي وملهِمًا للأجيال القادمة.
يعد صنع الله إبراهيم واحدًا من أبرز الروائيين المصريين وأكثرهم تأثيرًا في الأدب العربي المعاصر، حيث اشتهر بأدب تتقاطع فيه شخصياته مع بيئاتها الاجتماعية وما يطرأ عليها من أحداث وتحولات، ليعكس من خلالها الواقع المصري والعربي، مما جعله حاضرًا بقوة في النقاشات الثقافية والسياسية على حد سواء. فلم يقتصر حضوره على إنتاج الروايات، بل كان أيضًا حاضرًا في مواقفه الحياتية، إذ اتخذ قرارات لافتة برفضه لعدد من الجوائز الأدبية الرفيعة، مستندًا في ذلك إلى اعتبارات سياسية وفكرية. هذه المواقف، إلى جانب حياته الشخصية البسيطة وابتعاده عن أجواء الشهرة الإعلامية، رسمت صورة لكاتب يضع قناعاته فوق أي اعتبارات مادية أو مجد شخصي، ويرى أن دور المثقف يتجاوز حدود النصوص ليشمل الموقف من القضايا الكبرى في المجتمع.
رفض جائزة ملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي
في عام 2003، وأمام حضور كبير في ختام الدورة الثانية لملتقى القاهرة للإبداع الروائي العربي، وقع حدث غير مألوف ظل مثار جدل لسنوات، فأمام نحو 250 مشاركًا من كتاب ونقاد وناشرين عرب وأجانب أعلن صنع الله إبراهيم رفضه تسلّم الجائزة التي تمنحها وزارة الثقافة المصرية.
وأشارت عدة تقارير صحفية في ذلك الوقت إلى أنه برر موقفه بأن الحكومة التي تقف وراء الجائزة "لا تملك مصداقية منحها"، في ظل إبقائها السفير الإسرائيلي بالقاهرة، بينما "تقتل إسرائيل النساء الحوامل والأطفال وتشرد الآلاف من الشعب الفلسطيني".
ولم يتوقف عند السياسة الخارجية، بل ربط موقفه بالوضع الداخلي، منتقدًا ما وصفه بانهيار المؤسسات الثقافية والعلمية، وتفشي الفساد، وغياب العدالة.
قال في كلمته: "لم يعد لدينا مسرح أو سينما أو بحث علمي أو تعليم، لدينا فقط مهرجانات ومؤتمرات وصندوق أكاذيب".
جاء رفضه في سياق سياسي إقليمي متوتر، بعد غزو العراق، وهي لحظة شهدت تصاعد الغضب الشعبي تجاه السياسات الأمريكية والدور الإسرائيلي في المنطقة، ما أضفى على موقفه بُعدًا يتجاوز المشهد الثقافي ليواكب نبض الشارع العربي.
مواجهة النفوذ الثقافي الأجنبي ورفض جائزة نجيب محفوظ
لم يكن رفض الجوائز الرسمية الممنوحة من الدولة الموقف الوحيد لصنع الله، فقد سبقه أيضًا موقف آخر تجاه جائزة نجيب محفوظ للأدب التي تمنحها الجامعة الأمريكية بالقاهرة. ففي عام 1998 أعلن رفضه للجائزة، موضحًا أنها تمثل محاولة أمريكية لـ"تجميل صورتها" في مصر، مستغلة اسم محفوظ.
وقال حينها في تصريحات تداولتها عدة منصات إعلامية إنه كان يتمنى أن يرفض محفوظ نفسه هذا النوع من الاستغلال، مؤكدًا أن البديل كان يمكن أن يكون إطلاق جائزة مشابهة عبر مؤسسات مصرية مثل الجامعات واتحاد الكتاب، مع ضمان حياد لجان التحكيم، لكنه رأى أن المناخ الثقافي المهيمن بسطوة الأجهزة الحكومية وغياب حرية التعبير هو ما أتاح للمؤسسة الأمريكية لعب هذا الدور.
مبادئ في المواقف وفي أسلوب الحياة
لم يقتصر تمسك صنع الله إبراهيم بمبادئه على مواقفه السياسية والثقافية، بل امتد ليشمل حياته اليومية. فقد وثّق الصحفي المصري خيري حسن عبر حسابه في مايو الماضي زيارة إلى منزل صنع الله إبراهيم في حي مصر الجديدة بالقاهرة عام 2007، بالقرب من شارع جسر السويس. هناك، في شقة متواضعة تقع في الطابق السابع بلا مصعد ولا تتجاوز مساحتها 80 مترًا، عاش الكاتب الذي رفض جائزة مالية تقدر بنحو 24 ألف دولار. وروى حسن أنه رغم قدرته على الإقامة في فيلا أو منتجع فاخر، اختار أن يبقى قريبًا من الناس وفي قلب المدينة التي ألهمت أعماله. وعلى الرغم من عدم تفضيله للظهور الإعلامي المتكرر أو المشاركة في الفعاليات الدعائية، بقي حضوره ثابتًا في المشهد الأدبي، وظلت الأجيال تقبل على أعماله وتستشهد بها.