x قد يعجبك أيضا

بالتزامن مع رحيل بول أوستر.. «ثلاثية نيويورك» تتبع الآخرين ينسيك حقيقتك إلى الأبد

نشر في: الأربعاء 1 مايو 2024 - 5:58 م
إيمان صبري خفاجة

رحل عن عالمنا الكاتب والمخرج الأمريكي بول أوستر عن عمر ناهز الـ77 عاما، وبالتأكيد إن أشهر أعمال أوستر الأدبية وأكثرها زخما هي رواية «ثلاثية نيويورك»، فلابد إذن من التوقف عندها تزامنا مع رحيله.

جرت العادة حين نقرأ عمل روائي ما أن تبدأ الأسئلة في داخلنا حول مضمونها مع تصاعد الأحداث، لكن أن يحدث العكس مع مقدمة المترجم فضلا عن عنوان الرواية المبهم في مضمونه وكاشف عن المكان، فهذا يعنى أننا أمام حبكة روائية مختلفة لهذا النوع من الأدب.

هذا ما حدث فى رواية «ثلاثية نيويورك»، للكاتب الأمريكي «بول أوستر»، الصادرة عن دار الآداب عام 2016، للمترجم كامل يوسف حسين.

تبدأ الرواية بمقدمة طويلة للمترجم يتحدث عن طبيعة أعمال الكاتب الأميركي «بول أوستر»، وأهمية قراءتها والمتوفر منها فى نسخ مترجمة، ومناقشة بعض أفكاره، بالإضافة إلى أن الرواية هى أول تعارف بين الكاتب والقارئ العربي بالتحديد.

ولد الكاتب «بول بنجامين أوستر» فى 3 فبراير عام 1947 بالولايات المتحدة الأميركية، وتميزت أعماله بكونها خليط بين أدب الجريمة والبحث في هوية الإنسان، ومن أهم أعماله التى ترجمت لأكثر من أربعين لغة، قصر القمر، كتاب الأوهام، وحماقات بروكلين.

جاءت رواية ثلاثية نيويورك في ثلاثة أجزاء بثلاث قصص تحت عناوين مختلفة وكذلك الأمر بالنسبة للأبطال والأحداث، وهنا يقفز أول تساؤلات القارئ حول الرواية؛ لماذا صنفت كبناء روائي واحد بالرغم من هذا الاختلاف الجوهري الظاهر في بناء أحداثها؟! تكمن الإجابة في تتبع خيوط الأحداث التي ببدأ مع الحكاية الأولى.

جاءت الحكاية الأولى بعنوان «مدينة الزجاج»، التي تتناول حكاية كوين وهو كاتب قصص بوليسية تصدر تحت اسم مستعار، ذات ليلة يتلقى اتصال من رجل مهدد بالقتل، وبالرغم من خطأ الاتصال منذ البداية يصر كوين على خوض التجربة ومساعدة ذلك الرجل المجهول!

يلتقي كوين بهذا الرجل وسرعان ما يجمع المعلومات عن حياته، ويبدأ في الخروج لتتبع من يهدد حياته، أول ما يجنيه كوين من هذه القرارات هو القراءة والبحث في مؤلفات قديمة تمثل التاريخ الفكري للمدينة، والتى حرص الكاتب على توضيح مصدرها فى هوامش القصة، ومع تتابع الأحداث يبدأ كوين في رصد هادئ لحركة المجتمع حول هذا الرجل الغريب ومن حوله هو بالتبعية!

من خلال ملاحظات يحرص على تدوينها في كتيب خاص به، توثيق دؤوب يصعب معه مع مرور الأحداث أن يميز كوين بين حياته التي كانت وبين حياة الرجل التي يعايشها يوميا ليساعده في الكشف عن هوية من يهدد حياته، ليكشف الكاتب عن حقيقة أنك حين تتبع حياة أحد حتما سوف تخسر حياتك دون أن تشعر بحكم العادة لتبدأ الحكاية التالية.

جاءت القصة الثانية بعنوان «الأشباح»، تتناول حكاية بلو رجل يعمل في أحد مكاتب التحري الذي يكلفه في أحد الصباحات بمراقبة رجل يدعى بلاك لأسباب لم يحددها الكاتب بوضوح. يقرر بلو أن يستأجر المنزل المواجه ل بلاك حتى يتمكن من مراقبته، وفي مفاجأة مدوية لا يتحرك الأخير كثيرا بل يقطن منزله لأيام متتالية يكتب دون انقطاع، ومرة أخرى تختلط الأوراق بين المراقب ومن يراقبه، لكن الكاتب في هذه المرة يكشف عن حقيقة أن الانطباعات حول شخص ما مهما بلغت خبرتك وفراستك من الحدة قد تتغير تماما حين تواجهه وقد تكتشف أنه أنت في مكان آخر!

ومن هذه النقطة نذهب إلى الحكاية الثالثة التي جاءت بعنوان «الغرفة الموصدة»، تتناول قصة هنري رجل يتلقى اتصال هاتفي من زوجة صديق قديم يدعى فانشو، تخبره خلال الاتصال أن الأخير اختفى فى ظروف غامضة، وترك في وصيته أن تعهد إليه بكل أعماله الأدبية لقراءتها والحكم على صلاحيتها للنشر من عدمه.

تتحول الوصية إلى بوابة عبور هنري إلى الماضي البعيد في الذكريات المشتركة التي جمعت بينهم كصديقين، للتعرف على أبعاد أعمق في شخصية كل منهم.

يوافق هنري على تنفيذ الوصية، التي تأخذه إلى طرق بعيدة وأقدار مختلفة فيقرر الزواج من زوجة صديقه وتبني ابنه الوحيد، لكن في نفس الوقت وكلما أقترب من حياة صديقه أن يبحث عنه وكلما ظن أنه على وشك الوصول يعود إلى نقطة الصفر من جديد، الشيء الوحيد الذي نجح في الوصول إليه هو نشر أعمال فانشو الأدبية التي تلقى نجاح كبير ينتج عنه رغبة في كتابة قصة اختفاء هذا الصديق!

بنهاية القصة الثالثة تلتقي خيوط الحكايات الثلاثة ليكتمل البناء الروائي الواحد من خلال صوت راوي الأحداث وكاتبها أيضا، بالإضافة إلى النهايات المفتوحة، نهاية كل منها تؤدي إلى بداية الحكاية التي تليها، بالإضافة إلى الإطار الزمني والمكاني المتطابق في الحكايات الثلاث! وقد أتضح ذلك من خلال دقة وصف المناخ الجغرافي، والوقوف على التاريخ الدقيق للأحداث.

بنهاية الأحداث حتما سوف يتساءل القارئ ويبحث عن الفائدة من أن تكون فكرة التتبع ومعايشة حياة الآخرين هي الخط الأساسي للأحداث؟!

الإجابة الأولية والتي تبدو بديهية لكن يصعب الوصول إليها كعادة الإنسان في تفهم نفسه وواقعه، فحياة الآخرين ليست ببعيدة عنك، وقد تكون وجوه الآخرين هى وجه آخر لك، الفارق الوحيد أنك لم تحيا حياتهم، لم تعش الظروف نفسها التى وجدوا فيها، بالإضافة إلى أنك حين تتبع حياة الآخرين، قد تعيد اكتشاف ذاتك والتعرف عليها أكثر لكن في نفس الوقت إحذر من أن تفقد إرادتك وخبراتك فأنت تتصرف وفقا لما تراه وتنقله عنهم، وسرعان ما يتحول إحساسك بأنك من يراقب الآخرين ليتحكم في حياتهم إلى مجرد فخ أنت أول من يقع فيه.

تنعزل نفسك الحقيقية وكأنها في مدينة من زجاج ويتحول الآخرين في حياتك إلى أشباح يتحركون حولك في غرفة موصدة تظل حبيس جدرانها إلى الأبد.

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة