خواطر استشرافية في الموسيقى
الجمعة 30 مايو 2025 - 7:40 م
نشرت جريدة الخليج مقالا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، يوضح فيه أن الإجبار ليس دائما فعلا سيئا، أحيانا يكون ذا فائدة، مثل الإجبار على تعليم الموسيقى للأطفال، إذ يدافع الكاتب عن الموسيقى كأداة تربوية وتنموية لا غنى عنها فى تشكيل وعى الطفل. ويستشهد الكاتب بأمثلة من التاريخ والفكر التربوى العالمى (كونفوشيوس، آلن، الصين) ليؤكد أن الموسيقى ليست ترفًا، بل ضرورة تربوية وحضارية يجب أن تندمج فى المنظومة التعليمية منذ سن مبكرة، تمامًا كما يحدث مع تعليم الذكاء الاصطناعى اليوم.. نعرض من المقال ما يلى:
كيف تنظر إلى إجباريّة تعليم الموسيقى؟
قد يكون لكلمة «إجبارية» فى سمعك جرس غير ديمقراطى، رنين قمعى، طنين إكراهى. الإجبار قبل كل شىء من طبائع الاستبداد، ما يتعارض جملةً وتفصيلاً مع فنّ رفيع فيه ذوق وشوق وإمتاع ومؤانسة، كالموسيقى. هل تستطيع تخيّل شخص لا يذوب سمع روحه، ونحن فى موسم الحج المبارك، حين تشدو كوكب الشرق: «واحد ما فيش غيره.. ملا الوجود نوره.. دعانى لبّيته.. لحدّ باب بيته.. وامّا تجلّى لي.. بالدمع ناجيته»؟
لا إكراه فى الذوق، لكن الإجبارية ليست سيئة لذلك. ثمّة أمور أهم، عندما نتحدث عنها فإننا نقصد حدوثها فى التعليم، مثل ما فعل الزعيم سعد زغلول فى مصر فى مطلع العشرينيّات. فكرة كانت عبقرية فى زمانها، لكن مناقشة القضية فى مكان مختلف. يجب الرجوع إلى رباعية الحكيم الصينى كونفوشيوس، الذى أوصى بتعليم الصغير، منذ سن الرابعة الخط، الرسم، الموسيقى والشطرنج. تعزيزًا لذلك، يقول فيلسوف التربية الفرنسى، آلن: «الموسيقى فنّ معقّد جدًا، لا يستطيع الإلمام به غير ذهن الطفل الشديد البساطة». فى سنّ الرابعة يكون الطفل فى الحضانة، إذا كان النظام التعليمى سليم البناء من الأساس. لكن، فى هذه المرحلة يكون للأسرة دور كبير فى التنشئة، لأن حجر الأساس ملك يمينها. الصين لم تغفل عن الموسيقى كركن ركين فى التنمية الشاملة، ولديها اليوم نحو خمسين مليون صينى يدرسون البيانو.
الإمارات حسمت كل جدال بإعلانين فريدين عالميا: الأوّل أن الدولة مسؤولة عن تنشئة الطفل منذ يوم ميلاده. الثانى أن تربية الذكاء الاصطناعى تبدأ منذ الحضانة، ما يعنى أن الجيل الصاعد سيكون فى مستوى بالغ التقدم فى استخدامات الخوارزميات. عند بلوغ بداية الثانوية يغدو الذكاء الاصطناعى أدوات عمل فى جميع مجالات الحياة، لا تقنيةً تخصصيةً فى ميدان محدّد. الخبر السارّ هو أن الموسيقى هى الأخرى ستكون من بين الملاعب ومهاراتها، وإلاّ فلا ينبغى للعاقل أن يتخيل أن بنات الإمارات وأبناءها، الذين رضعت أذهانهم حليب الخوارزميات فى سن الثالثة، سيتعلّمون المقامات «عن سماع». كيف ستكون الآلات الوترية والنافخات الخشبية والنحاسية وآلات ضبط الإيقاع سنة خمسين؟ كيف سيكون شكل الأوركسترا والتوزيع؟ ما هو مستقبل علم الصوتيات، حين يقتحم الذكاء الاصطناعى رباعيّة فيزياء العزف: الاحتكاك فى الوتريات، الهواء فى النافخات، التوقيع والنقر فى الإيقاعيات، والكهرباء؟
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: هل سيحيل الذكاء الاصطناعى العازفين على التقاعد مستقبلاً؟
مقالات اليوم
قد يعجبك أيضا