x قد يعجبك أيضا

عزلة سياسية للكيان بفعل القاهرة

الخميس 29 مايو 2025 - 9:40 م

عدة من المعطيات السياسية تبدو بارزة فى الصراع الدائر ما بين إسرائيل وحماس، اعتبرت كفيلة بالدفع فى اتجاه حلحلة مرتقبة للمشهد المعقد، إلا أن حالة التعقيد الشديد والتى برزت فى توسعة العمليات العسكرية على القطاع الأعزل، تنذر بتقويض الحلول السياسية كافة، ومن ثم تبرز نفس التعقيدات قوية، لتؤطر لمقاربة كاملة من الغياب لأية أفق بإمكانها التمهيد لبدء المسار نحو - على الأقل - إعادة الأوضاع إلى ما قبل أكتوبر 2023، ومن ثم فإن الحلحلة الوحيدة المرتقبة للمشهد لن تحدث، إلا بفعل الحراك الدبلوماسى النشط والمتواصل والذى تقوده القاهرة على خلفية جهودها والأشقاء، تمكنت من خلاله إحداث تحولات واضحة فى مواقف وسياسات المجتمع الدولى، فى المقدمة الاتحاد الأوروبى، والذى ينظر حاليا مراجعة علاقاته مع الكيان، بالمقابل الاعتراف بدولة فلسطين، أيضا روسيا وقراراتها فى الأروقة الأممية لدعم القضية على خلفية مهادنة واضحة للمنطقة العربية وتقديرا لجهود القاهرة، وغيرها من المواقف الدولية المتتالية والمنتظرة من التحالفات والدول الرائدة، وجميعها بفعل الدبلوماسية العربية والمصرية المستمرة، والتى تتحرك فى إطار إستراتيجية منهجية تستهدف أول ما تستهدفه تحقيق العزلة الدبلوماسية للكيان، فمنذ القمة العربية والتى انعقدت فى دورتها التقليدية، تتواصل اللقاءات على المستوى الرفيع وأحدثها لقاء الرئيس السيسى ورئيس وزراء إسبانيا، أيضا يتواصل انعقاد القمم المصغرة والهامشية بين وزراء الخارجية والدبلوماسيين العرب، وسط ظروف غير عادية وبينما تمر المنطقة بموجات متتابعة من التغيرات الجيوسياسية، منذ اندلاع طوفان الأقصى والممارسات الممنهجة من قبل قوى الاحتلال تجاه القطاع، ومن ثم تصدر الحرب فى غزة الأولويات المصرية بشكل خاص والعربية فى المطلق، ولعل ما يميز هذه القمم ويبرهن على فعاليتها، هو تعاطى مخرجاتها ليس فقط مع الأحداث، لكن والتوصيات المتواصلة من قبل القمم السابقة، تحديدا قمة القاهرة والتى عقدت فى الرابع من مارس الماضى، وخلالها تمكنت القاهرة من صياغة مجموعة من المخرجات شكلت الأساس فى التعاطى مع الصراع الدائر، وفى مقدمتها صياغة المشهد السياسى فى غزة. دفع المشهد فى اليوم التالى للحرب إلى التأكيد على قوة الموقف المصرى، بما عكس بوضوح اتجاهاته وأولوياته.
الحقيقة أن الصراع الدائر فى غزة اتسم بشبكة من التعقيدات تستدعى التدخلات المتواصلة، غير أن فعالية التعاطى المصرى، هنا برُز فى استمرارية القمم العربية والتى لم تتوقف على مجرد الانعقاد العادى أو الطارئ، لكن مواصلة الجهود فى التواصل والتشاور فيما بين الدول العربية، وذلك بفعل القاهرة والتى لم تتوقف عن حراكها الدبلوماسى من أجل إيجاد الحلول وإنهاء هذه الحرب، مع التمسك باستمرارية المفاوضات، أيضا الرفض التام للتهجير ومعارضة الإملاءات الأمريكية.
ولعل كلمة الرئيس السيسى، خلال القمة، أكدت صلابة الرؤية المصرية وتمسكها بالحل الجذرى وهو إقامة دولة فلسطينية على حدود ما قبل 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، كونه الحل الفصل لإرساء السلام بمنطقة الشرق الأوسط، وبحسب الكلمة «وأكرر هنا، أنه حتى لو نجحت إسرائيل، فى إبرام اتفاقيات تطبيع مع جميع الدول العربية، فإن السلام الدائم والعادل والشامل فى الشرق الأوسط، سيظل بعيد المنال، ما لم تقم الدولة الفلسطينية، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومن هذا المنطلق، فإننى أطالب الرئيس «ترامب»، بصفته قائدا يهدف إلى ترسيخ السلام، ببذل كل ما يلزم من جهود وضغوط، لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جادة - يكون فيها وسيطا وراعيا- تفضى إلى تسوية نهائية تحقق سلاما دائما، على غرار الدور التاريخى الذى اضطلعت به الولايات المتحدة، فى تحقيق السلام بين مصر وإسرائيل فى السبعينيات».
• • •
غير أن مواصلة هذه الجهود يتطلب تعاونا قويا وصريحا من بقية الدول العربية، وعقب ترسيخ المصالح العربية الخليجية، والتى يُفترض التعويل عليها فى الدفع بحلحلة المشهد فى غزة، خصوصا أن القاهرة اجتهدت فى وضع الخطوط العريضة ومسارات التفاهم، بالتالى وجب التعاطى العربى البارز مع الموقف، عبر استحسان التغيرات وشبكة العلاقات الإستراتيجية الجديدة، من أجل الدفع بتضافر الجهود والتخديم عليها ومن ثم الوقوف على حلحلة للمشهد المعقد والحرب الدائرة، ويبدو أن الرئيس الجمهورى كان قد أرجأ العديد من التسويات إلى حين إتمام هذه الزيارة، بدليل المفاوضات، والتى جرت ما بين ويتكوف وحماس، وبموجبها تم إطلاق سراح الرهينة الأمريكى، ما يمهد لجولة جديدة من المفاوضات، وتسوية مرتقبة لإشكاليات المنطقة، تعمد ترامب إحداثها فى هذه الآنية تحديدا، وربما تبرز الأهمية الحقيقية لجولة الرئيس الأمريكى فى عدة من المنطلقات لدى الأطراف الفاعلة والمتصدرة المشهد، فى المقدمة القاهرة والتى مهدت لأى حلحلة وبناء على التسويات الخليجية الأمريكية، كونها وضعت الخطوط العريضة والمسارات السليمية، عبر قرارات رفضت التهجير رفضا تاما، وإمساك واضح بالمفاوضات مع الحرص على عدم تعثرها، كما أشرنا أعلاه، ما برز فى خطاب ترامب بالقمة الخليجية الرئيسية بالرياض، واعترافه بقساوة الأوضاع فى غزة مع ضرورة وقف إطلاق النار، وإن عاود فى مناورة معتادة وفى خطابه خلال زيارة قطر، عاود الأحاديث مرة أخرى عن التهجير وعن المنافع جراء امتلاك الولايات المتحدة لها ومن ثم إعادة إعمارها، ما يتطلب مزيدا من التنسيق العربى من أجل إحكام الضغط.
الحلحلة الحقيقية تكمن فى الدفع بالمسارات مجتمعة، سواء جهود القاهرة ومواقفها الصارمة، أو علاقات الأشقاء مع واشنطن والتى دُعمت مؤخرا بشكل ملفت، والأهم مواصلة القمم والاجتماعات سواء رئيسية أو حتى هامشية وثنائية أو ثلاثية، من أجل إنهاء هذه الحرب والوقوف على اليوم التالى لها، والأهم إيلاء أولوية للأوضاع فى غزة على أية ملفات إقليمية أو عربية، مع إنجاز التنفيذ الفعلى لما جاء فى إعلان بغداد، سواء سرعة حماية المدنيين وإدخال المساعدات، أو نشر قوات حفظ السلام لحين حل الدولتين، غير أن المضى فى تحفيز المجتمع الأممى من أجل التنفيذ الفورى لقرارات مجلس الأمن تجاه فلسطين، وتسهيل حصولها على العضوية الكاملة فى الأمم المتحدة والذى حظى بتأييد أكثر من 143 دولة، يعد فى مقدمة آليات التدويل السياسى للقضية وتداعياتها.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة