x قد يعجبك أيضا

الحراك الطلابى فى جنوب إفريقيا.. الحق فى تعليم جامعى مجانى

الأحد 27 أبريل 2025 - 8:20 م

أعاد مجموعة من الطلبة الذين شاركوا فى الحراك الطلابى فى 2015 و2016 العرض المسرحى «السقوط» the Fall فى عدد من مسارح جنوب إفريقيا خلال الشهر الجارى، وذلك بمناسبة مرور عشر سنوات على الاحتجاجات الطلابية الكبرى التى اشتعلت فى 2015 مطالبة بإزالة تمثال الاستعمارى سيسل رودس من جامعة كيب تاون كونه رمزًا للاستعمار والفصل العنصرى الذى توارثته مناهج التعليم ونظم الإدارة الجامعية. وفى غضون عام تطورت مطالب الطلبة إلى إسقاط المصاريف الدراسية، والمطالبة بالحق فى تعليم جامعى مجانى.
تحرير الجامعة من الاستعمار المعرفى
يمثل العرض المسرحى «السقوط» جزءًا من المسرح الاحتجاجى، حيث يسلط الضوء على معاناة الفئات المُهمشة وأشكال مقاوماتها. ففى أحد المشاهد تحكى طالبة كيف واجه الطلبة عنف قوات الشرطة من خلال قيام الطلبة ذوى البشرة البيضاء بإحاطة زملائهم الطلبة ذوى البشرة السوداء لحمايتهم من هراوات قوات الشرطة. فأحد قوات الشرطة قال لطالبة من ذوى البشرة البيضاء ومشاركة فى الاحتجاجات أنهم غير مأمورين بمهاجمة الطلبة ذوى البشرة البيضاء. هذا المشهد -والذى هو من واقع الاحتجاجات- أثار الطلبة ذوى البشرة السوداء، فالحكومة تتبع سياسات الفصل العنصرى. وتستمر الطالبة فى الحكى بأن حلم نيلسون مانديلا كان إنهاء الفصل العنصرى أى أن يحتج الأسود والأبيض معًا.
سيسل رودس هو العقلية الرأسمالية للإمبراطورية البريطانية، فهو من أوائل من خططوا لتقسيم جنوب إفريقيا وفقًا لأماكن المناجم وطرق نقلها للإمبراطورية فى الشمال، فهو صاحب فكرة طريق «كيب تاون - كايرو» الذى يهدف إلى مد الطرق والسكك الحديدية بين المستعمرات البريطانية من جنوب إلى شمال القارة. لكن قام مشروعه الاستعمارى على نزع الأراضى من الأفارقة، ووصفهم بالبرابرة، واستعبادهم للعمل فى المناجم. وبالرغم من ذلك، استمر تمثال رودس فى وسط جامعة كيب تاون، وأصبحت هناك حالة تطبيع مع وجود التمثال حتى بعد انتهاء نظام الفصل العنصرى فى التسعينيات.
كما استمرت المناهج الدراسية فى عدم انتقاد دور رودس وأمثاله من «رجال أعمال» الاستعمار، مما يعكس التطبيع مع المركزية المعرفية الأوروبية. فكان أحد الشعارات المرفوعة فى الاحتجاجات الطلابية «يمكنك نطق خيرت ولا تنطق رادبيى» you can pronounce Gert but not Radebe، أى أصبح من السهل نطق اسم «خيرت» باللغة الأفريكانية - لغة المستعمر - بين الأفارقة مقارنة بالاسم الإفريقى «راديبى»، وهذا دليل على تهميش اللغات الإفريقية لصالح لغة المستعمر. فضلًا عن محدودية توظيف الأكاديميين من ذوى البشرة السوداء أو عدم توليهم المناصب العليا فى الجامعات.
لهذا انتفض طلبة جامعة كيب تاون فى عام 2015 مطالبين بإزالة التمثال كونه رمزًا للاستعمار، لكن الرمز كشف عن أن عقلية الفصل العنصرى متغلغلة فى النظام الجامعى المحافظ على السلطة المعرفية الاستعمارية، ما أدى إلى رفض إدارة الجامعة لمطالب الطلبة، وتهديدهم، واستدعاء قوات الشرطة داخل الحرم الجامعى، وبالتالى انفجرت الاشتباكات مع الطلبة. ففداحة واستمرار العنف يولد التضامن كالذى نشهده حاليًا مع فلسطين، فأعلنت منظمات طلابية وحركات أساتذة جامعيين تضامنها مع طلبة جامعة كيب تاون، فلم تتوسع الاحتجاجات فى جامعات جنوب إفريقيا فقط، بل امتدت أيضًا إلى الشمال الأوروبى خاصة جامعة إكسفورد، حيث يعتلى تمثال سيسل رودس أحد مبانيها، بالإضافة إلى جامعات فى الولايات المتحدة الأمريكية وأمريكا اللاتينية.

تحرير الجامعة من السياسات النيوليبرالية
فى أحد مشاهد العرض المسرحى يدور نقاش بين الطلبة حول أنسب أدوات الاحتجاج لضمان استمراريته بعد إزالة التمثال. فقد شمل الحراك الطلابى الاعتصام أمام المبانى الإدارية فى الجامعات، والامتناع عن حضور المحاضرات بجانب المسيرات الجماعية. ومع اقتراب موعد الامتحانات، يرى بعض الطلبة وأولياء أمورهم أن إنهاء المرحلة الدراسية والتخرج الجامعى هو الهدف الأهم، ومن ثم وجب تعليق الاحتجاج والعودة للدراسة. ومن ناحية أخرى يصر بعض الطلبة على الاستمرار فى الاحتجاج، لأن المطالب لم تتحقق بعد.
هذا المشهد فى العرض المسرحى يفسر لماذا فى أقل من عام اشتعلت الاحتجاجات الطلابية، وامتدت لتشمل حراكًا مجتمعيًا خارج أسوار الجامعات. فالجامعات أعلنت زيادة المصاريف الدراسية فى ظل أوضاع اقتصادية هشة للطلبة الأفارقة، فعادت الاحتجاجات الطلابية مرة أخرى، وتضامن معها الحركات العُمالية والعديد من الحركات المجتمعية.
فمن تداعيات الفصل العنصرى استمرار عدم المساواة ما بين «السود» و«البيض» خاصة فى ظل اتباع سياسات نيوليبرالية فى التعليم العالى. فالتعليم الجامعى هو البوابة المباشرة لسوق العمل ومن خلاله يستشرف الطلبة مسارهم العملى، وإمكانيات ترقيهم الوظيفى فيما بعد. لكن مع محدودية الإنفاق العام على التعليم العالى، تشجع الحكومة الجامعات على رفع المصاريف الدراسية لتعويض نقص التمويل الحكومى، وبالتالى نقل العبء المالى إلى الطلبة. ثم تتدخل الحكومة من خلال صندوق إعانات فى شكل قروض للطلبة الأكثر فقرًا. ومع هذا فإن النظام الحكومى للإعانات غير فعال، بجانب استمرار العقلية الاستعمارية فى تحديد من يمكن أن يلتحق بالتعليم الجامعى، ومن يُستبعد منه بناء على القدرة المالية. نتيجة لذلك، يواجه الطلبة معاناة استمرار الديون الدراسية أو تأخير التسجيل نتيجة لغياب التنسيق بين الجامعات وصندوق الإعانات الحكومية مع ارتفاع مصاريف التسجيل نفسها. مع الأخذ فى الاعتبار أن الكثير من أولياء أمور هذا الجيل من الطلبة قد حُرموا من التعليم الجامعى بفعل سياسات الفصل العنصري؛ فيمتهنون حرفًا بسيطة أو فى وظائف غير مستقرة، وبالتالى غير قادرين على توفير المصاريف الدراسية.
لكسر حلقة الفصل العنصرى، وضمان حق أبناء وبنات جنوب إفريقيا فى الولوج لسوق العمل ليس فى المهن البسيطة فقط، وإنما فى قطاعات التكنولوجيا والهندسة والطب، عليهم أن يعتمدوا على الإعانات الحكومية، ودون ذلك تظل فرص أبناء المستوطنين أفضل، واستمرار شعور أبناء جنوب إفريقيا بالدونية. لهذا جاءت مطالب الطلبة فى جعل التعليم مجانى مشروعة.
بعد 10 سنوات
أشار إعلان العرض المسرحى -بعد مرور عشر سنوات من عرض المسرحية- إلى مدى أهمية التذكير بالحركة الطلابية وإعادة فتح الحوار حول تعقيدات التفاعلات العرقية فى جنوب إفريقيا والمطالبة بالتغير. فنتيجة للحراك الطلابى وتضامن المجتمع فى عام 2016، طالبت الحكومة الجامعات بتجميد الزيادة فى المصاريف الدراسية، وعملت على زيادة الإنفاق الحكومى الموجه لقطاع التعليم الجامعى، لكن هذا التجميد كان مؤقتًا، ومع استمرار الفساد الإدارى والتضخم لم تعد الإعانات الحكومية كافية لاحتياجات الطلبة. فبين الحين والآخر يظهر على مجموعات فيسبوك الخاصة بالطلبة فى إحدى جامعات جنوب إفريقيا توسل من بعض الطلبة للتبرع بزجاجة لبن أو وجبة ساخنة، لأنهم لا يملكون قوت يومهم، بينما يُقسّم البعض الآخر الإعانة الحكومية بين متطلباتهم واحتياجات أسرهم التى تسكن فى منطقة أخرى.
فالحراك الطلابى - فى جنوب إفريقيا- غير مُنفصل عن احتجاجات الفقراء المُستمرة، فلم تتحقق وعود الحكومات المُتعاقبة بالمساواة. لهذا من المهم استمرار مثل تلك العروض الفنية التى من خلالها لا يتم تناول أحداث فى الماضى، لكن لتجديد الذاكرة، لأنها هى التى تغذى الشعور الجماعى بالقدرة على الفعل ما دام التغيير محدودًا.

باحثة فى معهد الفكر والحوار الإفريقى بجامعة جوهانسبرج ومدرس فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة