x قد يعجبك أيضا

رسالة إلى شباب مصر

الأربعاء 24 أبريل 2024 - 6:50 م

كاتب هذه الرسالة مقاتل قوات خاصة طوال السنين من ١٩٦٥ حتى ١٩٧٧، وذلك دون الخوض فى الأسباب والظروف السياسية والعسكرية التى أدت إلى هزيمتنا فى يونيه 1967. يجب ألا ننسى البطولات الخارقة التى أنجزها ضباط وجنود القوات المسلحة فى هذه الحرب والتى كانت ظروفها بشعة بكل المقاييس، حيث حاربنا عدوا لا يعترف بالمواثيق الدولية ولا بالإنسانية، عدو أعطى لنفسه الحق الكامل فى استخدام كل الأسلحة المحرمة دوليا فى جميع حروبه حتى اليوم. عدو تخلصت منه كامل الدول الغربية من أراضيها، وليضمنوا عدم عودته وتغلغله فى نسيج شعوبهم دعموه بالسلاح والمال وبالتأييد الأعمى المناقض والمخالف لكل القوانين الدولية والمبادئ الإنسانية بلا قيد ولا شرط، ليضمنوا بقاءه كالطاعون حيث تم زرعه بالقوة وسط الأراضى العربية.

يونيه ١٩٦٧.. يجب ألا ننسى الجندى الذى شاهد طائرات العدو فى سماء العريش وهى تقذف ألسنة النابالم المحرمة دوليا على زملائه، فقفز خلف مدفع مضاد للطائرات وبدأ يضربها بتصميم وشجاعة مذهلة ليصيب إحدى هذه الطائرات، لتنقض عليه طائرة من الخلف وتغطيه هو والمدفع بالنابالم فيحترق ويتفحم فى وضعه المتشبث بالمدفع وزناده، ويستشهد أمام زملائه.

يجب ألا ننسى الجندى الذى كان يعاون وحدته المتمركزة برفح فى نقل حاويات الماء إلى مواقع زملائه المتفرقة حينما شاهد دبابة للعدو تقتحم موقع وحدته وتضرب بعنف دون تمييز، فيلقى ما بيده وينطلق إلى موقعه حيث يلتقط مدفع آر. بى. جى ويرتكز على ركبته ويصوب الصاروخ فى اتجاه الدبابة التى تنبهت لجسارته ونيته، فأدارت برج ماسورة مدفعها فى اتجاهه بسرعة وأطلقت عليه دانة مدفع ليتحول إلى أشلاء طاهرة بعد أن ضغط على زناد سلاحه وانطلق الصاروخ فى نفس اللحظة فى اتجاه الدبابة ليرتطم بها ويفجرها.

وألا ننسى الجندى الذى تمكن من السير ليلا من العريش إلى القنطرة شرق وهو مصاب بأربع طلقات فى فخذه، وأخذ يجمع أسلحة زملائه الشهداء حتى لا يستولى عليها العدو وبلغ خط القناة فجرا وهو يحمل ثمانية عشر رشاشا مصريا، فعبرت قوة مصرية خاصة القناة تحت النيران المتبادلة على الجانبين لينقلوه من شرق القناة إلى غربها، ليتم نقله إلى المستشفى الميدانى لتلقى العلاج وهو ما شاهدته وتابعته شخصيا.

وواجب ألا ننسى تكتيك عبقرى العسكرية اللواء، سعد الشاذلى، والذى تمكن بذكاء قيادة قوة اللواء بكاملها والواقعة تحت قيادته من أقصى شرق سيناء بل من داخل أراضى إسرائيل مخترقا تضاريس وأودية سيناء ليلا وسط كامل تحركات العدو الذى لم يشعر به حتى عبور اللواء بالكامل للضفة الغربية دون أى خسائر.

•  •  •

استمر الصمود والاشتباكات طوال السنين التالية ومن أشهرها معركة جزيرة شدوان الاستراتيجية بالبحر الأحمر يومى 22 و23 من يناير ١٩٧٠، حيث قامت قوات العدو الجوية والبحرية بالضرب المكثف لمواقع القوة المصرية المكونة من ثمانين جنديا وضابطا، وإسقاط كتيبة مظلات مكونة من خمسمائة جندى وضابط ليشتبكوا مع أبطال القوة المصرية اشتباكا بلغ حد استخدام السلاح الأبيض واستخدام الأيدى ما أجبر العدو على وقف الهجوم وطلب ضربة جوية إضافية لتستمر الاشتباكات حتى اليوم التالى. وبلغ العدو موقع الفنار جنوب الجزيرة لتشتعل معركة بطولية من عدد من الجنود المصريين وضابطهم أدت لاستشهادهم بعد تكبد العدو لخسائر جسيمة فى الأرواح، وهو ما أرغم القائد الإسرائيلى بارليف على إعلام الصحافة الأمريكية بشراسة واستبسال أفراد القوة المصرية، الذين استشهدوا، وفشل المهمة بانسحاب قواته.

السنون تمر والحياة تلهينا ويطوى النسيان مواقف وطنية وبطولات واجب أن تبقى منارة ساطعة إلى الأبد يفخر بها أبناء هذا الشعب. فبعد مرور أكثر من خمس سنوات عجاف قاسية والجنود والضباط لا هم لهم غير التدريب والتدريب والتطوير مع التركيز الكامل على كل تحركات العدو على جبهة القناة، وقد اختفت الابتسامة تماما من على وجوههم ليحل مكانها قسمات الغضب والتصميم والصبر. خلال هذه السنين ظهرت مجلة لايف التى كانت من أشهر المجلات فى الولايات المتحدة الأمريكية فى ذلك الوقت وعلى غلافها جندى إسرائيلى مصاب وعلامات الألم الشديدة مرتسمة على قسمات وجهه وزملائه ينقلونه من الخندق إلى المستشفى الميدانى، وتعليق على الصورة كتب فيه ثلاثون ثانية كانت كافية، والتفاصيل المرتبطة بصورة الغلاف داخل المجلة تسجل أن هذا الجندى كان يحاول الاستخفاف بالجنود المصريين على الجبهة أمام وفد صحفى أمريكى، حيث رفع يده لأعلى ليلوح للمصريين ويتفوه بكلمات ساخرة وفى لمح البصر اخترقت رصاصة قناص مصرى كفه أمام ذهول الجميع الذين لم يتخيلوا سرعة ودقة القناص المصرى، الذى لمح تصرفات الإسرائيلى فوجه بندقيته تجاهه وأطلق الرصاصة لتصيب هدفها فى فترة زمنية لم تتعدَ النصف دقيقة، وهو ما نتج عنه التزام جنود العدو بالتحركات ورءوسهم تحت سطح الأرض.

• • •

حل شهر رمضان المعظم عام 1973، وأشرقت شمس اليوم العاشر من هذا الشهر الكريم وكل الجنود والضباط، مسلمين ومسيحيين صائمين، وانطلقت شرارة العبور العظيم وسط النهار؛ وهى اللحظة التى انتظروها بصبر طوال هذه السنين فينطلق دعاؤهم المخلص إلى السماء.. «اللهم اكتب لنا الإفطار فى جناتك» ويتحرك أكثر من ثمانين ألف مقاتل كالموج الهادر من أعلى الساتر الرملى الواقع على الساحل الغربى لقناة السويس ليقفزوا للزوارق المطاطية وكلهم يرددون معا بصوت واحد كالرعد (الله أكبر/ الله أكبر/ الله أكبر) ــ مسلمين ومسيحين ــ صوت غطى على أصوات المقاتلات المصرية التى كانت تمرق أعلى رءوسهم لتطلق الصواريخ والقنابل على خط بارليف وما خلفه، صوت غطى على طلقات أكثر من ستة آلاف مدفع خلفهم أحالت الضفة الشرقية للقناة إلى جحيم من النيران والانفجارات. صوت تسبب فى ذبذبات عنيفة جدا أدت إلى تشقق التباب الرملية على جانبى القناة وانزلاق رمالها بكميات هائلة لمياه القناة، وبلغوا الضفة الشرقية واقتحموا خط بارليف الحصين ورفعوا العلم.

كان المهندسون العسكريون قد مدوا الجسور العائمة وفتحوا مدافع الماء الهائلة على الساتر الرملى الشرقى لينهار ونجحوا فى اختراقه وتحقيق العديد من الفتحات، والتى سمحت بعبور الدبابات وكامل المركبات العسكرية. شاهد الجميع النجاح المبهر لحائط الصواريخ الذى منع تماما طائرات العدو من مهاجمة القوات المصرية.

فى خضم هذه المعارك المجيدة وأثناء غروب شمس هذا اليوم إذ تبلغ مسامعهم آذان صلاة المغرب نظروا حولهم فوجدوا شهداءهم هنا وهناك، الذين سيفطرون فى جنات الله، كما شاهدوا المئات من جثث العدو الإسرائيلى المصعوق، والذى ارتسمت على وجوههم قسمات الذهول والخوف من هول هذا الهجوم المباغت والصاعق، ثم اتجهت الوجوه اتجاه القبلة وبدأ المسلمون صلاة المغرب بكامل سلاحهم وملابسهم الطاهرة فى حراسة زملائهم المسيحيين. لقد حققوا جميعا ومعا هذا النصر الغالى لوطننا العزيز مصر.. يجب ألا ننسى.. يجب ألا تموت الوطنية.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة