x قد يعجبك أيضا

عندما يكون الشعب فى خدمة الدولة

الإثنين 23 أكتوبر 2017 - 10:00 م
تمر هذا الأسبوع الذكرى المائة للثورة البلشفية فى روسيا والتى أسست للنظام الشيوعى الذى حكم البلاد حتى سقوطه مع انهيار الاتحاد السوفيتى فى ديسمبر ١٩٩١. ولا شك أن الثورة الروسية هذه قد دخلت التاريخ باعتبارها أحد أهم الأحداث الفارقة فى القرن العشرين، وكان من أبرز نتائجها بعد ذلك انقسام العالم إلى معسكرين متضادين، المعسكر الشرقى الاشتراكى بزعامة الاتحاد السوفيتى، والمعسكر الغربى الرأسمالى بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اختلف المؤرخون والكتاب فى تفسير أسباب الثورة ونتائجها، وكذلك فى أسباب انهيار النظام الشيوعى الذى تمخضت عنه هذه الثورة. فلماذا كانت الثورة ولماذا كان انهيار الدولة التى انبثقت عنها؟

كان للثورة الروسية أسباب كثيرة، لا يتسع المجال هنا للخوض فيها جميعها، ولكن ما يجمع عليه المؤرخون أن فشل محاولات الإصلاح التى أعقبت ثورة ١٩٠٥ كانت السبب الرئيسى فى قيام ثورة عام ١٩١٧، تلك الثورة التى أطاحت بالنظام الملكى وأسست النظام الشيوعى بعد ذلك. فقد أدت ثورة ١٩٠٥ إلى تنازل القيصر عن بعض صلاحياته المطلقة، وقبوله بإنشاء أول مجلس نواب منتخب من قبل الشعب فى تاريخ روسيا وكان يسمى بـ(الدوما). وقد أمل الإصلاحيون أن يكون ذلك المجلس بداية انتقال روسيا من مصاف الدول ذات الحكم الفردى الأوتوقراطى، إلى مصاف الدول الديمقراطية ذات النظام الملكى الدستورى، وعلى غرار النظام المتبع فى بريطانيا. إلا أن الرياح لا تأتى دائما بما تشتهى السفن، فسرعان ما تبخرت هذه الآمال والأحلام مع رفض القيصر (نيكولوس الثانى) التنازل عن ما اعتبره «حقه الإلهى» فى الحكم، بل إنه قال فى إحدى المناسبات للسفير البريطانى عندما اشتعلت المعارضة ضده بسبب قراراته الخاطئة «ليس مطلوبا منى أن أسعى لكسب ثقة الشعب، ولكن المطلوب هو أن يسعى الشعب لكسب ثقتى أنا». كان القيصر يعبر بذلك عما يؤمن به حكام روسيا فى ذلك الوقت من أن الشعب ما وجد إلا لخدمة القيصر. كان نتيجة ذلك توالى الهزائم التى لحقت بالجيش الروسى فى الحرب العالمية الأولى، وتفاقم الأزمات التى عانت منها الدولة، وانتشار السخط والغضب بين صفوف الشعب نتيجة لنقص الخبز والمواد الغذائية، مما أفضى فى النهاية إلى الإطاحة بالنظام الملكى كله فى فبراير من عام ١٩١٧، وإعدام الأسرة المالكة بأكملها فى صيف ١٩١٨. 

كانت الأشهر التالية لسقوط النظام الملكى فى فبراير من عام ١٩١٧ حاسمة فى تقرير مصير الدولة ونظام الحكم الذى سيقوم على أنقاض النظام السابق. ودون الدخول فى تفاصيل الصراعات والتحالفات التى نشأت ثم انفضت فى هذه الفترة الوجيزة من تاريخ روسيا، فإن فصيلا صغيرا عرف باسم «البلاشفة» بزعامة شخصية كاريزمية اسمه الحركى الذى اشتهر به هو فلاديمير لينين، تمكن من الاستيلاء على مقاليد الحكم فى ٢٥ أكتوبر من ذات العام وبدأ العهد الشيوعى الذى استمر حتى انهياره بعد ذلك بسبعة عقود تقريبا. وقد اختلف المؤرخون فى تفسير أسباب صعود ونجاح لينين والبلاشفة، وإن كانوا قد اتفقوا على أن الشعارات الثلاثة التى رفعوها قد استمالت الشعب إليهم ومكنتهم من التغلب على خصومهم وبناء دولتهم. كانت هذه الشعارات تنادى بتوزيع الأرض الزراعية على الفلاحين وتوفير الطعام والخبز لكل أبناء الشعب، وأخيرا الحياة فى سلام وهو ما كان يعنى الانسحاب من الحرب الدائرة وقتئذ. كانت هذه الشعارات تعبر عن سياسات جديدة يتوق لها الشعب وتعكس فى نهاية المطاف مبدأ أن يكون الحكم، أى الدولة، هو لخدمة الشعب، والتى لخصها لينين فى ثلاث كلمات «الأرض والخبز والسلام». 

نجح البلاشفة فى القضاء على منافسيهم داخل الحركة الشيوعية، ناهيك عن معارضيهم من أنصار النظام الملكى السابق أو الإصلاحيين الذين أهدروا فرصتهم التاريخية بعد سقوط الملكية فى فبراير وحتى اندحارهم فى أكتوبر من العام نفسه. وقد شرع البلاشفة الذين أطلقوا على أنفسهم لقب «الشيوعيون» منذ ذلك الوقت فى بناء دولة جديدة اتخذت من مبدأ دكتاتورية الطبقة العاملة شعارا وسياسة لها. وكانت تلك «الديكتاتورية» طبقا للأدبيات الشيوعية تتكون من الطبقة العاملة وتصب لصالح الطبقة العاملة. وكان أشد المتحمسين لتطبيق هذه النظرية جوزيف ستالين الذى خلف لينين فى قيادة الحزب والدولة بعد وفاته فى عام ١٩٢٤. وقد نجح ستالين بالتدريج فى تحويل ديكتاتورية الطبقة العاملة إلى ديكتاتورية الحزب الشيوعى (البلاشفة سابقا) ثم إلى ديكتاتوريته هو شخصيا. وأصبح ستالين قيصر روسيا غير المتوج، وعلى الشعب أن يخضع لإرادته ويستجيب لمشروعاته. كان أبرز هذه المشروعات تحويل روسيا الزراعية إلى دولة صناعية كبرى بطبقة عاملة من ملايين الفلاحين السابقين، وقد استخدم فى ذلك من أساليب القوة والقهر ما فاق كل التوقعات وكل السوابق، وأصبح الشعب مرة أخرى فى خدمة الدولة بعد أن كان قد ثار عليها لتكون الدولة فى خدمة الشعب.

ورغم أن النظام الشيوعى استمر بعد وفاة ستالين فى عام ١٩٥٣، وتم الكشف عن العديد من الجرائم والفظائع التى ارتكبت فى عهده، إلا أن جوهر نظامه قد استمر، واستمرت الدولة فى السيطرة على كل شىء واستمر الشعب فى خدمة الدولة. وكانت النتيجة كما هو معروف سياسات قاصرة وقرارات خاطئة وإدارات مترهلة عجز معها الاتحاد السوفيتى عن مجاراة الغرب الرأسمالى الديمقراطى. ورغم كل المحاولات التى قام بها ميخائيل جورباتشوف، آخر سكرتير عام للحزب الشيوعى السوفيتى، فى بداية عهده من إصلاح الدولة، إلا أنها كانت دولة تحتضر لا تقوى على المنافسة أو حتى الاستمرار. وقد ظهر ذلك جليا حين تحدى الرئيس الأمريكى ريجان جورباتشوف لسباق تسلح فى الفضاء كان يعلم بأن كلفته الاقتصادية أكبر من أن يتحمله الاقتصاد السوفيتى المتداعى أصلا. وهكذا جاءت هزيمة النظام الشيوعى الذى بدأ بشعارات وسياسات تنبئ ببناء دولة فى خدمة الشعب، لينتهى به المطاف إلى شعب فى خدمة الدولة، ولتنهار الدولة ويسقط النظام الشيوعى ومعه المعسكر الشرقى الاشتراكى بأكمله.

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة