x قد يعجبك أيضا

فى عش الدبابير: عن الدين والدولة والأفراد

الأحد 20 أغسطس 2017 - 9:45 م

لعل من أكثر الأمور صعوبة هو النقاش فى الدين وخاصة ما لم تحمل إجازة أو تصريحا من مؤسسة دينية ما، تتجلى الأزمة فى تعارض بعض التفسيرات والنصوص مع الحريات الشخصية ولكن ليس مع أى حريات، فقط الحريات الخاصة والمتعلقة تحديدا بالنساء والأسرة.
«لماذا يثور الرجل دوما انتصارا للشريعة فى حالة انتقاص حقوقه الشرعية ولا يلقى بالا لانتقاص حقوق النساء الشرعية»؟
أتساءل دوما ما الذى يجعل شخصا يثور لدين الله ــ إسلامٌ كان أو مسيحية ــ عند المناداة بمساواة الأشقاء فى الإرث فى حين أن ذات الشخص لا يعير أدنى اهتمام بحرمان المرأة من حقها الشرعى والقانونى وبتواطؤ مع الدولة ورجال الدين؟ لماذا تنتفض الكنيسة المصرية كل مرة يتم المطالبة بقانون زواج مدنى والسماح بالطلاق والزواج الثانى ولا تبدى تعليقا على أحكام الوراثة للأسر المسيحية الذى يلزمهم بتقسيم التركة وفقا للشريعة الاسلامية؟! لماذا انتفض الأزهر لدعوة تونس للمساواة فى الإرث فى حين لم ينتفض بنفس القدر لحرمان أكثر من 60% من نساء مصر من حقهن الشرعى فى إرثهن؟
«نص قطعى الثبوت قطعى الدلالة» ــ «ليس كل ما يعرف يقال».
على الرغم أن الشريعة الاسلامية أرست أن الميراث «حق» لا منحة للورثة وأنه لا يجوز حرمان فرد من الميراث كما فى الوصايا الغربية إلا أن الحجة الرئيسية التى يستخدمها الأزهر حين فتح النقاش حول إشكاليات دينية بعينها هى «لا اجتهاد مع النص»، مع ذلك، نجد أن الصحابة والفقهاء على مر العصور اجتهدوا فى تفسير نصوص دينية مختلفة تبدو فى أول الأمر أنها نصوص قطعية، فمثلا اجتهد عمر بن الخطاب فى مسألة العول وهى مسألة أثارت إشكالية عند وجود أسهم الوارثين أكثر من التركة نفسها بالرغم من وجود نص قطعى بأنصبة الورثة، واجتهد أيضا فيما يعرف بالعمريتين بالرغم من وضوح الآية الكريمة « وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُس» فى أن الأم ترث؛ لا ترث الثلث بل ترث ثلث النصف الباقى بافتراض وجود أحد الزوجين!
ورد عن عمر بن الخطاب أيضا فى قصته مع عامر ابن الحارث وزوجه حبيبة بنت رزق «فقد كان عامر قصارا وزوجته ترقم الأثواب حتى اكتسبا مالا كثيرا فمات عامر وترك الأموال فأخذ ورثته مفاتيح المخازن والأجنة واقتسموا المال، ثم قامت عليهم زوجته حبيبة وادعت عمل يدها وسعايتها فترافعت مع الورثة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ فقضى بينهما بشركة المال نصفين فأخذت حبيبة النصف بالشركة، والربع من نصيب الزوج بالميراث لأنه لم يترك الأولاد وأخذ الورثة الباقي).
ليس التساؤل مطروحا حول فعل الفاروق ورأيه واجتهاده، بل المطروح هو لماذا لا يناقش الأزهر هذا التراث ولماذا تصدير فكرة أن النصوص جامدة لا اجتهاد فيها؟
فى ماليزيا حاليا قصة أثارت التساؤل حول التعصيب وإلزاميته، فقد قامت امرأه بالاعتناء بوالدها مريض السرطان وأمها غير القادرة على الحركة والاعتناء بإخوتها (البنات) صغيرات السن، تكفلت هى بجميع المسئوليات المادية والنفسية والاجتماعية، حتى إذا مات الأب ظهر ابن عم لهم لم يعبأ بهن ولم يقم بأى واجبات تجاههن وجاء مطالبا بإرثه، فمن أين جاء ذلك الحق؟ لم يأت التعصيب من النص القرآنى وإنما جاء من الفقه الإسلامى وفقا لظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية معينة، وكانت الإجابة التى نتلقاها نحن معشر النساء من المؤسسات الدينية أن الميراث بتقسيمه جاء إكراما للمرأة لأنها غير مطالبة بأى التزامات والالتزام على جانب الأخ أو العم أو أبناء العمومة. حسنٌ، فى حالة تخلف هؤلاء الذكور عن التزاماتهم المادية والمعنوية، هل مازال لهم الحق فى تلك الأنصبة؟ إن لم يلتزم الأخ بالإنفاق على أمه أو أخته أو زوجته، لماذا الدفاع العنيف من المؤسسة الدينية عن حقه الشرعى فى حين أنه لم يلتزم بواجباته الشرعية التى كانت سببا لهذا الحق؟! ليست الإشكالية هنا فى النص بحد ذاته بقدر ما هو أسباب وطريقة تفسير هذا النص.
***
ما هى «الدولة» ــ «اللى رقصت على السلم»؟
تضعنا التجربة التونسية أمام تحدٍ وأسئلة حول تعريف الدولة ودورها، فمن المفترض من الدولة أن تنظم العلاقات بين المواطنين والمواطنات دون النظر إلى ملتهم ودينهم، ولكن تتصادم فكرة المواطنة والحريات أحيانا مع قواعد دينية صارمة تضطر معها الدولة للتفريق بين المواطنين بناء على الدين أو النوع! فلا هى دولة دينية ولا هى دولة قانونية بحتة تحتكم لمبادئ عامة ومطلقة، وقعت الدولة بمفهومها الحالى فى أزمة هوية فى تعاملها مع «المواطن» و«الشخص التابع لدين ما» ومحاولتها المستمرة فى توفيق هذا الوضع كما هو الحال فى تونس والمغرب أو حالة «التطنيش» وعدم التعامل كما هو الحال مع مصر، بالتالى فإن الدولة التى من المفترض أن تضع قوانين موحدة للتعامل مع المواطنين والمواطنات تلتزم وتطبق قوانين مختلفة لمجرد اختلاف جنس الشخص أو اختلاف الديانة. قررت الدولة أن تلعب دور الوصى الأخلاقى والدينى على المواطنين فى كل ما يختص بأحوالهم الشخصية وتعاملاتهم وبعض العقوبات المنتهكة لحقوق النساء وللشريعة الإسلامية نفسها كما فى مواد عقوبات الزنا فى حين غضت الدولة الطرف عن الأديان فيما يتعلق بالقوانين المدنية والتجارية والاقتصادية، فهى دولة تتعامل مع مواطنين ومواطنات فى جزء من الحياة ووصيا عليهم فى أجزاء أخرى.
«منحة أم حق»؟
الأزمة الكبرى فى الدعوة التونسية أنها جاءت من الرئيس التونسى مباشرة دون تشاور مع فئات المجتمع المختلفة، ولم يستجب قبل ذلك علما بأن الميراث كان قضية النسويات فى الفترة الأخيرة فى تونس وذلك فى إشارة واضحة لمحاولة شراء أصوات النساء فى الانتخابات التونسية المقبلة، وهو اتجاه سياسى لا ينم عن إرادة حقيقة لتحسين وضع النساء بقدر ما هو محاولة لاستمالتهن وإلا كان قام الرئيس بنقاش المقترح مع الأطراف المختلفة قبل الإعلان عنه.
لمن يتساءل لمَ هى أزمة بدل من شكر الرئيس على مبادرته؟ ذلك لأن التعاطى والتعامل مع قضايا النساء يأتى دوما فى شكل «هبة ومنحة وعطية» من الدولة وليس إرادة سياسية حقيقة، فهل مثلا تم تطوير التعليم ليشمل مفهوم النوع الاجتماع أو حقوق الإنسان أو حقوق المرأة؟ هل قامت الدولة بمحاولة نقاش المفاهيم الحداثية المختلفة فى وجود تصاعد لأسئلة واستفسارات فقهية ودينية مع بروز الاسلام السياسى فى تونس؟ والأهم، هل سيوجد يوما إرادة سياسية تؤمن حقا بحقوق النساء؟ لا أعلم..
***
«نغير الدين يعنى عشان نعجبكم»؟
لست بصدد تغيير عقيدة أو إيمان، أؤمن بما تشاء، فتغييره ليس هدفى والعقيدة والإيمان أمر خاص بكل فرد لا أناقشه ولا أحاول تغييره، إنما القضية الأساسية هى فى تعامل الدولة مع التفسير الدينى لمبادئ المساواة بين النساء والرجال فى ضوء نص الدساتير على وجود الدين كمرجع ومصدر للتشريع، وأن الدين طالما ارتضينا وجوده فى المجال العام مصدرا للقانون الذى ينظم علاقتنا فى الدولة، لا يجوز إسكات الأفراد عن مناقشته ومناقشة أحكامه وعلى الدولة والمؤسسات الدينية مواكبة الواقع والرد على الاستفسارات وليس حصرنا ــ ومحاصرتنا ــ فى أنماط اجتماعية واقتصاديه معينة غير موجودة الآن.
أوجد الإمام ابن القيم فقه الواقع كى يتعامل النص مع الواقع المعيش معتمدا على المعلومات والبيانات والإحصاءات والقصص المعيشة، فسر هذا الفقه كثيرا من المعاصرين وآمنوا بضرورته، فلماذا التغاضى عنه الآن من الأزهر؟ قصص الواقع الذى تعيشه النساء اليوم مختلفة تماما عما موجود فى كتب الفقه والتراث، فاليوم أكثر من 40% من الأسر تتكفل بها النساء والغالبية يشاركن فى الانفاق، ففى هذا الواقع الاجتماعى والاقتصادى الجديد، كيف يتعامل الأزهر معه ومتى سيخرج من براثن كتبه ليتعامل مع أرض الواقع؟
لست بصدد تعبير عن موقف أو انحياز، إنما كل ما أطرحه هو مجموعة من التساؤلات التى تتفادى الدولة والمؤسسات الدينية الإجابة عليها وتظل حقوق النساء معها مجرد تعبير أدبى يتباهون به فى المحافل الدولية ولا نشم ريحه على أرض الواقع.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة