النفاق فى جمهوريات الصمت

الأحد 20 أغسطس 2017 - 9:50 م
قابلين للوقوف أو الجلوس أو الضحك أو التكشيرة أو الغضب، يحملون الأجوبة المعلبة الحاضرة لكل مناسبة، لديهم ملكة الابتكار إذا استدعى الأمر أو احتاج.
ليسوا أغبياء حتمًا ولا أذكياء أيضا فلو كانوا كذلك لأدركوا أنهم قد تحولوا إلى طبقة خاصة من البشر منتشرة على طول العالم وعرضه، ولكنهم يتكاثرون فى جمهوريات الصمت والقمع والرأى الواحد والزعيم الخالد وجمهوريات الخوف والوصول إلى الهدف عبر كل الطرق إلا الصدق والإخلاص والجهد والعمل الدءوب.. وحتى إن توفر الجهد فلا بد من بعض من تلك الوقفات التى تعبر عن ولاء له أو لها أو لا أحد!
***
هم الذين ألبسوا النفاق والتملق ألبسة حديثة وبراقة وحولوا المفاهيم وراحوا ينشرون ثقافة «شيلنى وأشيلك» و «أنا لا أكذب ولكنى أنافق!!»، «وأن العالم اليوم بحاجة إلى مزيج من الذكاء والعلم و«المسايرة» وهى كلمة ومرادف جديد صبغوه على النفاق حتى أصبح كتاب المختار الصحاح والمنجد بحاجة لإضافة تعاريف جديدة وتسميات حديثة لنفس ذاك النفاق العابر للحضارات والتاريخ والزمن.. هم ربما شبيهى حملة الأختام ولكن بملابس ولغة حديثة وتعابير بعيدة عما يمكن أن يلوثها بأى شكل.
***
هم شريحة قديمة من البشر التحفت بقناع جديد يتماشى مع هذا العصر وتحولاته الكثيرة، تعودت تلك الشريحة أن يحمدوا ويسبحوا بحياة المسئول وبعد ساعات يصفونه بأسوأ الالفاظ. يتقنون فن المجاملات السمجة والتى يلمعونها بألفاظ وصفات كالدبلوماسية واحترام المسئول والمدير أو حتى ربما التعذر بأن الوضع العام يجبرهم على ذلك وأنها ليست صفة منهم ولهم، وهكذا ينتشر مرض النفاق سريعا.

*** 
تتطلع بالوجوه المتحلقة حول مائدة الاجتماعات الطويلة والبدل الأنيقة مع القمصان المنشية والمساحيق على الوجوه ليست وجوه النساء فقط بل الرجال أيضا، فمن قال إن المساحيق أنثوية بل هى أنواع، ومنها من ترتدى وجوه العديد من الرجال.. يرددون كلمات تبدو صعبة الفهم ولا ينطق بها سوى مثقف أو متعلم حاصل على شهادات عليا فى جامعات أوروبية وأمريكية! يليق أن يكونوا من جامعات عربية وإلا يبدو الأمر «بلدى أوى»! ولا ينسوا أن ينهوا مداخلاتهم بعبارة كما تفضل السيد المدير طول الله عمره وجزاه وأكثر منه أو هكذا يبدو من وجوههم.. يعرفون أن الجميع من الحضور يدركون أن المسئول ليس على ذلك القدر من الفهم أو أنه أو هى لم يتفوهوا بما قاله «الخبير «ولكنهم ولأنهم من تلك الفئة فعليهم أن ينسبوا له حتى جهدهم الخاص فى التحليل ويمنحوه خبرتهم الطويلة وعصارة عمرهم وعملهم الجاد... يبقى هو بينهم يتأمل ببعض الاشمئزاز الذى يصل إلى حد الغثيان، فيعبر سريعا عبر الوجوه الجاده وبين الكلمات المنقوشة بألوان النفاق السبعة! لا يعرف إن كان عليه أن يشفق عليهم أو أن يبتعد حتى لا يناله الوباء المعدى».
***
يكثرون من الكلمات المطولة وأخرى مفرجنة، ثم وفجأة تتعطل لغة الكلام لأنه أى المسئول أو المسئوله قد اشتد بهم الملل أو التعب ربما من الفذلكة أو حتى من كثرة النفاق المعلب، فيسقط فى يدهم فلا بد من استكمال الدرس حتى آخر صفحة، وهم قوم مثابر لا يهاب الوقت أو الزمن أو فقدان الفرصة!! فيتسللون بين الحضور متخطين الجميع حتى يصلوا مرة أخرى لعلية القوم ومسئوليهم الكبار فيقدموا ولاء الطاعة مرة أخرى والخدمات المجانية.. هؤلاء هم من أفسدوا العلم والتعليم فى بلداننا، وهم أيضا من أخرج الكثيرين من أصحاب الكفاءات ليتربعوا هم فقط على العروش المهترئة فى الثقافة والفن والعلم والتنمية ونظريات التجديد والابتكار وغيرها.. هم من يساهمون بدرجات مختلفة فى بقائنا فى آخر سلم الدول وفى مختلف المجالات من تعليم وصحة وعلوم وتكنولوجيا واتصالات ونظريات حول مكافحة الفساد والفقر والعوز.. هم أيضا من طبلوا للعديد من الدول ولا يزالون ولذلك فها هى الدول تتساقط واحدة خلف الأخرى فى بحور من الجهل والعوز والقمع وانعدام الحريات وعدم احترام حقوق الإنسان.. هم من ساهموا بدرجات فى بقائنا هنا، وهم من عليهم أن يرحلوا وإلا لن تكون لنا نهضة.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة