x قد يعجبك أيضا

مأزق نزع سلاح حزب الله اللبناني

الثلاثاء 19 أغسطس 2025 - 7:55 م

ليست المرة الأولى التى يُثار فيها موضوع نزع سلاح حزب الله وجعل السلاح وقرار الحرب والسلام فى يد السلطات الرسمية للدولة اللبنانية. ولكن إثارته هذه المرة يحيط بها عدة ظروف وملابسات تضفى عليه نزوعًا نحو جدية تنفيذ هذا المطلب. ولعل أهم هذه العوامل ما حدث من خسائر كبيرة لحزب الله فى المواجهة مع إسرائيل عام 2024، سواء فى القيادات العليا للحزب على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية، أو من آلاف الأتباع، فضلًا عن الخسائر فى العتاد والمعدات العسكرية، خاصة بعد اجتياح القوات الإسرائيلية جنوب لبنان. ويضاف إلى ذلك تغيّر النظام الحاكم فى سوريا بإنهاء نظام الأسد، وتحجيم الوجود الإيرانى فى سوريا إلى أقل ما يمكن من تأثير. إن وُجد. وتقليص النفوذ الروسى فى سوريا فى القاعدتين العسكريتين البحرية والجوية.

إضافة إلى ذلك، تولّت سلطة جديدة الحكم فى لبنان مدعومة أمريكيًا وأوروبيًا. فرئيس الجمهورية قادم مباشرة من الجيش ووزارة الدفاع، ورئيس الوزراء قادم من محكمة العدل الدولية، ولدى كليهما رؤية وتطلّع، بمساعدة إقليمية ودولية، لاستعادة وحدة لبنان وسيادته على كامل أراضيه، وتحقيق إعادة الإعمار والتنمية الشاملة فى جميع المجالات. وهو الأمر الذى يتطلب تعاونًا وتجاوبًا مع المطالب الإقليمية والدولية المستعدة لتقديم الدعم الاقتصادى والمالى والاستثمارى للبنان للخروج من أزماته المزمنة. ومن أهم هذه المطالب نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسى، وأن تكون ملكية السلاح على الأراضى اللبنانية قاصرة حصريًا على سلطات الدولة دون غيرها.

• • •

وقد أقرت الحكومة اللبنانية، فى اجتماعها برئاسة رئيس الجمهورية جوزيف عون وحضور رئيس الوزراء نواف سلام يوم 7 أغسطس 2025، الجزء الأول من الورقة التى قدمها الموفد الأمريكى إلى لبنان توماس براك (وهو السفير الأمريكى فى تركيا). ويقضى هذا الجزء بإنهاء الوجود المسلح لغير السلطة اللبنانية فى المناطق الحدودية، وأن يتم تحقيق ذلك قبل 31 ديسمبر 2025. وقد انسحب الوزراء الشيعة والموالون لحزب الله، وعددهم خمسة وزراء، من الاجتماع اعتراضًا على إصرار الحكومة على مناقشة الورقة الأمريكية، معتبرين أنها بديل عن اتفاق وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه فى نوفمبر 2024، والذى يشترط تنفيذ إسرائيل بنود الاتفاق قبل مناقشة سحب سلاح حزب الله.

ويرى الثنائى الشيعى، حزب الله وحركة أمل، أنه كان يتعين مناقشة ورقة الموفد الأمريكى بعد أن يقدم الجيش اللبنانى خطته للانتشار فى مناطق الحدود فى 31 أغسطس 2025، كما أن بعض القرارات تحتاج إلى وفاق وطنى لبنانى. وترى بعض الأطراف أن الورقة الأمريكية تتضمن أمورًا ليست فى صالح لبنان واقتصاده وحدوده وبعض مناطقه. وقال محمد رعد، رئيس كتلة حزب الله البرلمانية، إن تسليم الحزب سلاحه يعنى الانتحار، وإن قرار الحكومة خطير على مستوى لبنان لأنه قرار مرتجل فرضته الإملاءات، وليس قرارًا سياديًا.

وقام أنصار حزب الله بمظاهرات سلمية على الدراجات النارية، رافعين رايات وشعارات الحزب فى عدة مناطق. وأصدر الجيش اللبنانى بيانًا حذر فيه المواطنين من تعريض أمن لبنان للخطر من خلال تحركات غير محسوبة النتائج، مؤكدًا أنه إذا كان يحترم حرية التعبير السلمى عن الرأى، فلن يسمح بأى إخلال بالأمن أو مساس بالسلم الأهلى أو قطع الطرقات أو التعدى على الأملاك العامة والخاصة. ورغم تعامل الحكومة والجيش مع حزب الله بترقب وحذر حتى الآن، إلا أن بيان الجيش تضمن إنذارًا قويًا بمواجهة أى تجاوزات من جانب الحزب وتابعيه.

وتتضمن الورقة الأمريكية أن تكون حصرية السلاح فى يد الدولة اللبنانية، وأن يتم بسط سيادة الدولة على كامل الأراضى اللبنانية، وضمان استدامة وقف الأعمال العدائية، وإنهاء الوجود المسلح لجميع الجهات غير الحكومية، بما فيها حزب الله، على كامل الأراضى اللبنانية، وانسحاب إسرائيل من النقاط الخمس التى احتلتها فى هجومها الأخير على الأراضى اللبنانية، وتسوية القضايا الحدودية، وتسوية قضايا الأسرى بالطرق الدبلوماسية من خلال مفاوضات غير مباشرة، وعودة المدنيين اللبنانيين إلى قراهم وبلداتهم الحدودية فى جنوب لبنان، وعقد مؤتمر اقتصادى لدعم الاقتصاد اللبنانى وإعادة الإعمار، وغير ذلك من بنود أخرى. وترى المعارضة الشيعية أن الجانب الأمريكى لم يقدم ضمانات كافية وواضحة تلزم إسرائيل بوقف الأعمال العدائية والانسحاب من الأراضى اللبنانية.

• • •

وقد أيدت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا قرار الحكومة اللبنانية، فيما قال وزير الخارجية الإيرانى إنهم يدعمون حزب الله فى قراراته التى تعود إليه، وإن الدعم الإيرانى عن بُعد، ولا تدخل فى قراراته. وأكد أن الحزب أعاد بناء قدراته بعد النكسات التى تعرض لها فى الحرب مع إسرائيل عام 2024، وأن السعى لنزع سلاح الحزب ليس أمرًا جيدًا، فقد جرت محاولات مماثلة فى السابق لأسباب معروفة، وقد أثبت سلاح المقاومة فاعليته للجميع فى ساحة المعركة.

وقد استنكرت وزارة الخارجية اللبنانية موقف إيران واعتبرته تدخلًا غير مقبول فى الشأن اللبنانى، مؤكدة أن على طهران أن تحترم سيادة واستقلال لبنان، وأن مسألة نزع سلاح حزب الله أمر داخلى لا علاقة لإيران به، والتى عليها أن تهتم بمشاكلها وشعبها. وقد تطلب توتر الموقف بين إيران ولبنان أن يزور أمين المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى الجديد، على لاريجانى، لبنان ويلتقى رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان. وكان رئيس الجمهورية جوزيف عون صريحًا وواضحًا إذ أبلغ لاريجانى أن لبنان يرفض أى تدخل فى شئونه الداخلية من أى طرف، وأن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة لما فيه مصلحة جميع اللبنانيين دون تمييز، وأنه من غير المسموح لأى جهة كانت ومن دون أى استثناء حمل السلاح والاستقواء بالخارج، وأن أى تحديات تأتى من العدو الإسرائيلى أو من غيره هى تحديات لجميع اللبنانيين وليس لفريق منهم فقط، وأهم سلاح لمواجهتها هو وحدة اللبنانيين. وكان لاريجانى قد أكد لدى وصوله مطار بيروت أن إيران ستسعى دائمًا إلى تحقيق المصالح الوطنية للشعب اللبنانى.

• • •

والحقيقة أن حزب الله يواجه هذه المرة تحديًا كبيرًا متعدد الأبعاد، منها أن شرائح ذات تأثير من القوى السياسية اللبنانية، بما فيها قوى معروفة بتعاطفها، بل بتحالفها من قبل فى ائتلافات حكومية مع حزب الله، أصبحت ترى أن سلاح حزب الله وانفراده بقرار الحرب مع إسرائيل، سواء دفاعًا عن جنوب لبنان أو تضامنًا مع حماس فى حربها مع إسرائيل، أسفر عن إصابة لبنان بدمار وخسائر كبيرة، خاصة فى جنوب لبنان. كما أن حزب الله لم يعد قادرًا على مواجهة إسرائيل من ناحية، وأن اشتراطه انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضى اللبنانية قبل نزع سلاحه أصبح حجة غير عملية. ومن ثم، فإن على الحزب أن يسلم سلاحه للدولة ليسهم بذلك فى رفع الضغوط الإقليمية والدولية القوية عن لبنان، وإتاحة الفرصة لفتح المجال لحصوله على مساعدات واستثمارات للتغلب على أزماته الاقتصادية وإعادة الإعمار.

 ويُعدّ الدخول الأمريكى بقوة فى لبنان هذه المرة تحديًا كبيرًا لحزب الله، حيث تريد واشنطن انتهاز الفرصة فى الظروف الصعبة التى يمر بها الحزب وإنهاء وجوده كقوة عسكرية تمثل تهديدًا مستمرًا لإسرائيل، وعدم إعطائه فرصة لاستعادة قوته العسكرية كما حدث من قبل، خاصة وأن الرئاسة والحكومة اللبنانية موافقتان على الموقف الأمريكى الذى لا يلقى معارضة قوية من رئيس البرلمان اللبنانى ورئيس حركة أمل الشيعية وحليف حزب الله، نبيه برى، الذى ينظر إلى الصفقة الإقليمية الدولية لمساعدة لبنان اقتصاديًا، مقابل تحويل حزب الله إلى مجرد حزب سياسى بعد نزع سلاحه، بإيجابية وتفهّم، رغم إدراكه الصعوبة البالغة التى يواجهها حليفه القوى، حزب الله.

كما أن نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسى يدخل فى دائرة الصراع الأمريكى الإيرانى، وانتهاز الظروف الحالية التى تمر بها إيران، سواء بعد الضربات العسكرية الإسرائيلية. الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية واغتيال بعض قياداتها وعلمائها فى الطاقة النووية، أو بعد استهداف عدة منشآت ومخازن أسلحة، أو بإسقاط نظام الأسد وسقوط النفوذ الإيرانى فى سوريا معه. ويتوقع استمرار تصعيد الضغوط الأمريكية لإضعاف الأذرع الإيرانية فى الدول العربية، وفى مقدمتها حزب الله، أهم هذه الأذرع. ولا يُنتظر أن تسلّم إيران بسهولة للهجمة الأمريكية القوية على حزب الله، وستظل تسانده بكل قوة، سواء من خلال الحوار السياسى مع السلطات اللبنانية أو من خلال مواقف وقرارات الحزب ذاته ودوره السياسى والاجتماعى والاقتصادى المؤثر فى التركيبة السكانية اللبنانية.

• • •

إن لبنان يمر بمرحلة بالغة الدقة والحساسية، بالسعى للتخلص من تدخل خارجى فى شئونه الداخلية بدعم من تدخل خارجى آخر، مما يجعل الساحة اللبنانية موقعًا للصراع بين القوى الخارجية الإقليمية والدولية. كما أن التركيبة الطائفية للشعب اللبنانى تتيح لحزب الله مساحة من المناورة والسعى لتجاوز مهلة تسليم سلاحه بنهاية 2025، وهى قصيرة للغاية، مستعينًا بالتعنت الإسرائيلى بعدم الانسحاب من جنوب لبنان، وبمخاوف تفجّر صراع طائفى جديد يعصف بالأمن والاستقرار فى لبنان. وذلك على ضوء تحذيرات أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، بقوله إن الحكومة اللبنانية اتخذت قرارًا خطيرًا وخالفت العيش المشترك، وحمّلها مسئولية حدوث فتنة داخلية بتنفيذها ما أسماه «الأمر الأمريكى الإسرائيلى» بإنهاء المقاومة، ولو أدى إلى حرب أهلية وفتنة داخلية.

يواجه لبنان مأزقًا خطيرًا ما بين حق الدولة القانونى والسيادى بحصر السلاح فى يدها، وبين حزب الله الذى نشأ منذ 1982 وتطور باستقلالية فى التسلح واتخاذ قرارات المواجهة مع إسرائيل، معتمدًا بالدرجة الأولى على إيران، ومطالبته الآن، وفى خلال نحو أربعة أشهر، بتسليم سلاحه.

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2025 - جميع الحقوق محفوظة