الذكاء الاصطناعى.. نعمة ونقمة فى آن واحد

الثلاثاء 7 مايو 2024 - 6:55 م

منذ بداية ثورة الذكاء الاصطناعى، تضاربت الأصوات ما بين محذر وداعم لهذه الثورة. يرى عدد من الخبراء، مثل جيفرى هينتون وإيلون ماسك وآخرين أن سلبيات الذكاء الاصطناعى أكثر من إيجابياته إذا اُستخدم دون قواعد وقوانين منظمة، فالبعض يخشى من قدراته التدميرية فى المجال العسكرى واستحواذ دول بعينها دون غيرها على هذه القدرات. كما يتوجس البعض قلقًا من وصول الذكاء الاصطناعى لمرحلة تفوق الذكاء البشرى، فتخرج الآلة عن حدود السيطرة البشرية. لكن يرى جانب آخر متفائل، أن هذه التحذيرات هى خوف زائد لا مبرر له استنادًا على تسهيل تقنيات الذكاء الاصطناعى لحياة الإنسان مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا بديل عن العقل البشرى المخترع لهذه التقنيات.
يدافع بعض الخبراء التكنولوجيين وكتاب الرأى عن الذكاء الاصطناعى بأن استخدامه وتعلم أسراره أثر إيجابًا على صعود بعض الدول مثل بنجلاديش. فتناول الكاتب البنجلاديشى أنير شودرى، فى مقاله المنشور فى جريدة «South China Morning Post»، تجربة صعود بنجلاديش بفضل الذكاء الاصطناعى الذى سمح لدكا -عاصمة بنجلاديش- بتحقيق قفزات تنموية فى مجالات عدة منها التعليم والصحة. فتمكن الذكاء الاصطناعى من الحفاظ على حياة العديد من المواطنين خلال أزمة فيروس كوفيد-19 فى بنجلاديش. فمثلًا، استطاع المواطنون من الإبلاغ عن أعراضهم باستخدام خط المساعدة الوطنى المجانى ثم إدخال هذه المعلومات فى خوارزميات الذكاء الاصطناعى وتتبع المرض وإدراته فى الشهور الأربعة الأولى بنجاح، ما ساهم فى تقليل أعباء الأعمال الورقية على الأطباء فى ظل محدودية العدد. أضف إلى ذلك، مساعدة الذكاء الاصطناعى لسكان الريف فى التقدم بطلب للحصول على وثائق تسجيل الأراضى أو الهوية من خلال التحدث ببساطة فى الهاتف، بدلًا من ملء مجموعة كبيرة من النماذج عبر الإنترنت.
لكن بنجلاديش ليست الدولة الوحيد التى تنبهت لمزايا تحسين المعرفة الرقمية، فالسعودية تدفع حاليًا باستثمارات ضخمة فى مجال الذكاء الاصطناعى. ويشير الكاتبان آدم ساتاريانو وبول موزور فى مقاليهما المنشور فى مجلة «The New York Times» إلى دفع المليارات من الأموال السعودية لدعم الصناعة التكنولوجية، حيث أنشأت الرياض صندوقًا بقيمة 100 مليار دولار هذا العام للاستثمار فى الذكاء الاصطناعى. وتأكيدًا على حديث شودرى عن دور الذكاء الاصطناعى فى تقدم الدول، يوضح الكاتبان إسهاماته فى تعزيز الأهمية الجيوسياسية للرياض.
أما فى مجال البيئة، يتناول مقال منشور فى جريدة «The Economist» دور الذكاء الاصطناعى فى مساعدة الإنسان لمكافحة الجراد الصحراوى (أخطر أنواع الجراد). قديما كان يتم القضاء على الجراد برصد أوكاره ورشها بالمبيدات إما يدويًا أو بالطائرات، لكن هذه الطريقة لا تجدى دومًا، أحيانًا يصعب القضاء على مجموعات الجراد بشكل كامل. الآن ساعد التقدم فى أجهزة الاستشعار عن بعد فى جعل البيانات أكثر دقة، وبالتالى صار استهداف مجموعات الجراد الصحراوية أكثر شمولية، إضافة إلى دور الطائرات دون طيار فى تغطية مساحة أكبر من الأرض المستهدفة.
• • •
لكن هذه المزايا السابق ذكرها لا تمحو تهديدات تقنيات الذكاء الاصطناعى على حياة الإنسان، فحذر شودرى فى مقاله من قدرة الذكاء الاصطناعى على إثراء مجتمعات أو محوها إذ لم تتم إدارته أخلاقيًا وقانونيًا. وهذا ما حدث مع إسرائيل التى استطاعت استهداف مجموعات من الفلسطينيين باستخدام تطبيق لافندر. يقول الكاتب إيشان ثارور فى مقاله المنشور فى جريدة «The Washington Post» إن إسرائيل استخدمت قاعدة بيانات مدعومة بالذكاء الاصطناعى لاختيار أهداف مشتبه بها تابعة لحماس وأهداف مسلحة أخرى فى قطاع غزة المحاصر. فإن الأداة، التى دربها علماء البيانات العسكريون الإسرائيليون، قامت بغربلة مجموعة ضخمة من بيانات المراقبة وغيرها من المعلومات لتحديد أهداف للاغتيال. وربما لعب هذا التطبيق دورًا رئيسيًا فى حرب غزة الحالية، خاصة فى المراحل الأولى منها، حيث شنت إسرائيل موجات لا هوادة فيها من الغارات الجوية على المنطقة، ما أدى إلى تسوية منازل وأحياء بأكملها بالأرض.
للتوضيح أكثر، نشر الصحفى والمخرج الإسرائيلى يوفال أبراهام كشفًا مطولًا عن استخدام برنامج لافندر فى الحملة الإسرائيلية على غزة، التى أعقبت الهجوم الذى شنته حماس فى 7 أكتوبر على جنوب إسرائيل. استند تقرير أبراهام إلى شهادة ستة ضباط مخابرات إسرائيليين مجهولين، جميعهم خدموا خلال الحرب. وتفيد الأقوال بأن للذكاء الاصطناعى «مشاركة مباشرة» فى الحرب لاختيار الأهداف المراد القضاء عليها. ووفقًا لأبراهام، حدد لافندر ما يصل إلى 37 ألف فلسطينى –ومنازلهم– للاغتيال ( نفى الجيش الإسرائيلى وجود «قائمة القتل» هذه، ووصف البرنامج بأنه مجرد قاعدة بيانات مخصصة للرجوع إلى مصادر الاستخبارات). دليل آخر على استخدام إسرائيل السيئ للذكاء الاصطناعى فى حربها على غزة، يوضح أبراهام أن إسرائيل استخدمت قنابل غير موجهة على أهداف يُزعم أن لافندر اختارها ما تسبب فى أضرار جسيمة وخسائر فى أرواح المدنيين.
لكن ما يثير قلق نشطاء حقوق الإنسان هو أن ما حل بمدينة غزة ناتج عن استخدام بسيط لقدرات الذكاء الاصطناعى المتطورة بشكل متسارع يصعب توقع مدها، ما ينبئ بمستقبل أكثر قتامة إذا لم يتم وضع قوانين منظمة لعمل هذه التكنولوجيا تمتثل لها كل الدول. وأضاف عادل حق، خبير القانون الدولى فى جامعة روتجرز، أن لافندر هو «الكابوس الذى يواجهه كل محامٍ إنسانى دولى يأتى إلى الحياة».
كما أوضح جيسون ماثينى، الرئيس التنفيذى لمؤسسة راند البحثية، فى حوار أجراه مع الكاتبة لورين جود المنشور فى مجلة «Wired» أن التقدم فى الذكاء الاصطناعى يجعل من السهل تعلم كيفية صنع الأسلحة البيولوجية وأدوات التدمير الأخرى. لذا دعا ماثينى إلى التوصل إلى كيفية الموازنة بين المخاطر والفوائد المترتبة على الأدوات القادرة على خلق معرفة متخصصة للغاية، بما فى ذلك المعرفة حول أنظمة الأسلحة.
ويقول الكاتب مايك بريتون فى مقاله المنشور فى مجلة «SC Media» إن تطور الذكاء الاصطناعى السريع ينبئ بمخاطر غير قابلة للإدارة، لذا يدعو الكاتب الجهات المختصة بالاستعداد لهذه المخاطر وترتيبها حسب الأولوية قبل أن تتفاقم. ويشاركه الرأى الكاتب محمد سالم، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، فى مقاله المنشور فى جريدة الشروق إلى أن التهديد الحقيقى لهذه الثورة التكنولوجية يكمن فى وصول الآلة إلى مرحلة «التفرد التكنولوجى» بسبب التطور السريع أى تفوق الذكاء الاصطناعى على الذكاء البشرى وخروجها عن حدود سيطرة مخترعيها.
إضافة إلى التهديدات التى ذكرها كل من إيشان ثارور وجيسون ماثينى، ومحمد سالم أشار بريتون إلى عدد آخر من مخاطر الثورة التكنولوجية الجديدة وهى التزييف العميق، انتهاك خصوصية بيانات المستخدمين، تهديد 40% من الوظائف على مستوى العالم.
خلاصة القول، فى ظل انقسام الآراء بين متخوف ومستبشر لا مفر من الاستعداد التام للتعامل مع تهديدات الذكاء الاصطناعى لإتقاء شر أى خسائر مستقبلًا. إن أسلم حل لمواجهة المشكلة هو الإلمام بكل خفاياها وأسرارها. فلا بد من التسليم بأن تقنيات الذكاء الاصطناعى أصبحت أمرًا واقعًا لا مفر منه، لذا يجب أن تُصاحب هذه التحذيرات استعدادات وترتيبات لمواجهة هذه المخاوف. ويُستدل من آراء الكُتاب السابقين أن الذكاء الاصطناعى قادر على نفع البشر وتدميرهم فى نفس اللحظة اعتمادًا على استخدام الإنسان ما يلزم تشريع قوانين منظمة لعمل برامج الذكاء الاصطناعى فى كل المجالات بما لا يضر حياة الأفراد وأمن الدول.


إعداد: وفاء هانى عمر

النصوص الأصلية:
https://bit.ly/3w8amXT
https://bit.ly/4a4TIpT
https://bit.ly/3wimDsC
https://bit.ly/3wpTVGf
https://bit.ly/3JKsIBk
https://bit.ly/3JO1Xf6
https://bit.ly/44ySvG0

 

مقالات اليوم

قد يعجبك أيضا

شارك بتعليقك

بوابة الشروق 2024 - جميع الحقوق محفوظة