لا يبتعد كثيرا تاريخ الطاقة فى مدينة القصير عن تاريخ الطاقة فى العالم كما نقرأ فى كتاب فاتسلاف شميل عن تاريخ الطاقة والحضارة. ويمهد هذا التاريخ لفهم أفضل لتحديات الطاقة الحالية فى المدينة خاصة بعد زيادة عدد سكان المدينة بأكثر من عشرة أضعاف حتى منتصف القرن العشرين تقريبا. ويظهر بوضوح كيف أن توفير المياه الكافية للاستخدام البشرى وغيره مرتبط بتوفير الطاقة الكافية لتحلية مياه البحر والتى يجب أن تتم بصورة لا تؤثر على الطبيعة البحرية بصفة خاصة. ويرتبط هذا أيضا بإمكانية زراعة الطعام الذى يحتاجه سكان المدينة.
بدأت دراستنا لمدينة القصير وكيف يمكن لها أن تواجه التغير المناخى فى خريف ٢٠١٦، ركزنا فى دراستنا تلك على المنظومات الثلاثة؛ الطاقة والطعام والماء. وفى ربيع ٢٠١٧ قمنا بالتركيز على كيفية إعادة استخدام أرض مصنع الفوسفات كأساس للتعامل مع تلك المنظومات فى المدينة وقام الطلاب باقتراح مجموعة من المشروعات لتوطين إنتاج الطاقة المتجددة والطعام المستدام وتحلية المياه فى أرض المصنع لتحويله لمحرك أساسى لاقتصاد المدينة مع خلق وظائف كافية للسكان المحليين.
قمت بعد ذلك بدراسة أكثر تطورا استمرت لمدة عام لبلورة مقترح أكثر تماسكا كما قمت بعرض هذا المقترح على عدد من أصحاب المصلحة وخاصة رؤساء شركة النصر للتعدين، مالك أرض المصنع آنذاك قبل نقلها لتبعية هيئة تنمية المثلث الذهبى.
المخطط العام المقترح لأرض مصنع الفوسفات طبقا للدراسة التى قمت بها فى ٢٠١٨.. المصدر نبيل الهادى.
مقترح استخدام أراضى المناجم والتى خرجت من الإنتاج منذ عقود لإنتاج الطاقه التى تحتاجها المدينة فى الأنشطة المختلفة، طبقا لمسودة الدراسة الثانية لمدينة القصير قيد الإعداد.. المصدر نبيل الهادى.
ثم حاولنا فى خريف ٢٠٢٢ الوصول لمقترحات تتوافق مع العلامات الرئيسية التى حددتها اللجنة الدولية للتغير المناخى. وطبقا للدراسة التى قام بها فريق من طلابى وطالباتى فى خريف ٢٠٢٢ فإنه يمكن تقدير الانبعاثات الناتجة عن استخدام الطاقة الثابتة (المبانى السكنية، المبانى التجارية والمؤسسية، المبانى السياحية، محطات تحلية المياه سواء للسكان أو للسياح) بحوالى (مكافئ) مائة وثلاثة وسبعين ألفا وخمسمائة وواحد وثلاثين طن مترى من ثانى أكسيد الكربون. الانبعاثات الناتجة عن النقل سواء النقل على الطرق للسكان والسياح أو الطيران وهو أساسا للسياح تقدر بحوالى (مكافئ) مائة وسبعة وخمسين ألفا وأربعمائة وواحد وخمسين طنا متريا من ثانى أكسيد الكربون. وتمثل تلك الانبعاثات حوالى ٦٣٪ من إجمالى الانبعاثات الغازية فى مدينة القصير.
وطبقا للتحديث الأخير لكليميت تراكر Climate Tracker لمجهودات وسياسات مصر لمواجهة التغير المناخى والذى أخذت فيه النصيب العادل لمصر فى التغير المناخى بعين الاعتبار، فإن السياسات والمجهودات المعلنة من قبل الحكومة قد تقودنا إلى عالم يزيد بثلاث درجات عما هو عليه الآن، وهذا العالم طبقا للعديد من الدراسات هو عالم غير قابل للحياة وستتعرض فيه غالبية الكائنات الحية لظروف لن يمكنهم التكيف معها.
الرسم البيانى الذى يوضح موقف مصر من الاقتراب من العلامات الهامة لمواجهة التغير المناخى أحدها بدون احتساب النصيب العادل والأخرى عند احتساب النصيب العادل. المصدر كليمات تراكر.
• • •
من المهم للغاية تحديد التقدير الكمى لعلامات الطريق التى حددتها الهيئة الحكومية العالمية وماذا سيكون عليه الهدف بحلول العام ٢٠٣٠ بدلا من خفض الانبعاثات لما يقرب من النصف، هل يعنى التقدير المحدث لكليميت تراكر مثلا أنه بإمكاننا أن نخفض الانبعاثات فقط للثلثين فقط مثلا؟ وماذا عن الهدف حتى العام ٢٠٥٠ هل نحتاج لخفص الانبعاثات للثلث مثلا بدلا من الصفر؟ نحتاج دراسات وتقديرات علمية تمكن من بناء سياسات لها أبعاد كمية وخطة واضحة لتحقيق تلك الأهداف.
لمحاوله الاقتراب من الوصول لأقرب ما يكون من تقديرنا لتلك العلامات الدولية سأقوم هنا بدمج ثلاثة مقترحات معا أولهم كان يقترح ربطا بين المنطقة التاريخية والمنطقة غير الرسمية (مع حل قد يكون أقرب للواقعية لها) بالمنطقة السياحية جنوب القصير. أما الثانى فكان يركز على أحد المنتجعات السياحية جنوب مدينة القصير غير البعيدة عن المنطقة التاريخية للمدينة كما أنه يقع بالقرب من أحد التجمعات غير الرسمية ويتعامل المقترح الثالث أساسا مع المنطقة السكنية غير الرسمية فى القصير والواقعة فى نطاق وادى العمبجى.
اقترح الطالب صمويل جونسون عددا من الحلول التى تسهم فى خفض استهلاك الطاقة فى المنتجع السياحى جنوب القصير مثل توفير أماكن مظللة خارجية وتحسين العزل الحرارى، كما أنه اقترح العمل على إطالة مدة إقامة السياح (مضاعفتها) وهو ما يعنى تقليلا كبيرا للانبعاثات الناتجة عن الطيران. اقترح أيضا استخدام أسطح بعض البيوت السكنية القريبة من المنتجع لتوليد معظم الطاقة التى يحتاجها المنتجع وربما بعض الطاقة التى يحتاجها السكان أيضا مع دفع مقابل استخدام الأسطح وهو ما يحقق منفعة كبيرة للطرفين. اقترح كذلك التعامل مع المخلفات السائلة عن طريق معالجتها باستخدام وسائل إيكولوجية وهو ما يوفر فى إنتاج المياه وبالتالى فى الطاقة المستخدمة فى التحلية. كما اقترح تحويل المخلفات الصلبة العضوية للمنتجع والمناطق المحيطة إلى سماد عضوى يستخدم فى إنتاج الطعام محليا بصورة تقلل من الاعتماد على استيراد الطعام من القاهرة، وهو ما سيسهم فى توفير نسبة من الطاقة المستخدمة فى المدينة.
هذه الفكرة اعتمدتها أيضا مجموعة أخرى من الطلاب فى تعاملها مع المناطق غير الرسمية وتحويلها لمناطق منتجة للطاقة الكهربية المتجددة التى تحتاجها مناطق أخرى فى المدينة، مما يسهم فى تحسين حالة السكان. كما اقترحوا أيضا إدماج مناطق لإنتاج الأسماك على البر فى أحواض يمكنها سد احتياجات المنتجعات السياحية والسكان وخلق فرص عمل للسكان، كما يوفر فى استخدام الوقود المستخدم فى السفن الكبيرة التى تتجه للصيد فى البحر بصورة مبالغ فيها مما يضر التوازن البيئى فيه.
نظرا لوجود العديد من المحددات المادية لما يمكن أن نقوم به فإنه بالرغم من زيارتنا المتعددة للأماكن التى تشكل الإقليم الذى تقع فى إطاره مدينة القصير (زرنا الغردقة وسفاجا شمالا، كما زرنا مرسى علم جنوبا، وزرنا قنا وقفط غربا) فإننا لم نستطع تحديد الارتباطات الإقليمية بدقة (وإن كنا حسبنا تأثيراتها فى استهلاك الوقود) كما قمنا بحساب الارتباطات الدولية كما ظهرت فى سفر السائحين والسائحات بالطيران، إلا أنه من المهم إدراج الأبعاد الإقليمية والدولية الأخرى فى دراسات التحول العادل للطاقة فى مدينة القصير.