منزلقات التطبيع من الأبواب الرسمية - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

منزلقات التطبيع من الأبواب الرسمية

نشر فى : الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 11:40 م

السياق أخطر ما فى الزيارات الإسرائيلية المتزامنة لثلاث دول فى الخليج والتداعيات قد تضع المنطقة على مسار مأساوى جديد.
الزيارات ـ بذاتها ـ ليست مفاجئة، فقد أشارت تسريبات إسرائيلية متواترة منذ فترة طويلة نسبيا إلى قرب نقل ما هو جار من اتصالات فى الكواليس مع عدد من الدول العربية إلى العلن الدبلوماسى.
أكدت تلك التسريبات فض الارتباط بين التوصل إلى تسوية سياسية للقضية الفلسطينية والتطبيع مع إسرائيل اقتصاديا وعسكريا واستخباراتيا، كأنه عملية دفن غير معلنة للمبادرة العربية التى ترهن التطبيع الكامل بالانسحاب الشامل من الأراضى العربية المحتلة منذ عام (1967).
من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة أشار رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» بلا مواربة إلى تفاهمات تجرى، حميمية ولم تكن متخيلة، مع دول عربية رغم الصدامات الجارية فى فلسطين المحتلة.
يستلفت الانتباه فى تزامن الزيارات الإسرائيلية إلى عُمان والإمارات وقطر أن الدول الثلاث تتبنى كل منها موقعا يختلف عن الآخرتين من الأزمة الخليجية، كما لو أن التطبيع يوحدها.
هذه مأساة بذاتها.
كما يستلفت الانتباه فى ذلك التزامن تعدد اللافتات، أمنية سياسية فى زيارة «نتنياهو» إلى عُمان، ورياضية ثقافية فى الزيارتين الآخرتين.
لم تكن زيارة «نتنياهو» الأولى من نوعها، فقد سبقه مسئولون إسرائيليون مماثلون لعواصم عربية أخرى لا تربطها بالدولة العبرية أية علاقات دبلوماسية حيث جرى الحديث عن فرص بناء شرق أوسط جديد تدمج فيه إسرائيل اقتصاديا.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق «شيمون بيريز» رجل تلك المرحلة ومهندس فكرتها، التى أخفقت تماما حيث تصادمت مع حقائق الصراع العربى الإسرائيلى.
فى عام (1996) زار مسقط واستفاض فى شرح نظريته عن مستقبل الشرق الأوسط، وكان من رأيه أن التعاون الإقليمى اختصاصه فيما مفاوضات السلام اختصاص سلفه «إسحاق رابين»، الذى زارها قبله بعامين.
لا التعاون الإقليمى استقر على أرض ولا السلام ظهرت له علامة.
كان مثيرا فى زيارة «نتنياهو» الوصف الذى أسبغ عليها، تبادل الرأى فى قضية السلام، دون أن تكون هناك أدنى إشارة إلى أى سلام ممكن إلا أن يكون سلام القوة وسحق ما تبقى من حقوق فلسطينية.
كما كان مثيرا الوصف الذى أسبغته الدبلوماسية العُمانية على دورها من أنه ليس شريكا ولا وسيطا بل «مسهلا»، دون أن يكون واضحا نوع ذلك التسهيل الذى تقترحه.
فالفلسطينيون والإسرائيليون لا تنقصهم أماكن التفاوض، ولا هناك أية تسهيلات تشبه استضافتها للمحادثات الأمريكية الإيرانية التى استبقت الاتفاق النووى.
فكرة التفاوض خارج القاموس الإسرائيلى الآن، لا مرجعية يستند إليها ولا آليات تحكمها ولا جداول زمنية مطروحة.
ما الذى يغرى إسرائيل بالتفاوض إذا كان الحد الأقصى مما تطلبه تحصده بأقل كلفة ممكنة؟ ـ ضم القدس والكتل الاستيطانية إلى الدولة العبرية وعزل غزة عن الضفة الغربية وفرض التمييز العنصرى ضد فلسطينيى (1948) بقانون «القومية» ثم أن يكون بوسعها تطبيع العلاقات مع دول عربية عديدة مجانيا.
ليست هناك أية أوهام فى مسقط على دور ما فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى.
على الأغلب فإن استضافة «نتنياهو» تعبير عن درجة قلق عالية من سيناريوهات حصار إيران وتأثيره على استقرارها الداخلى بالنظر إلى موقفها المتوازن فى الصراعات الدائرة حولها.
لم تكن مصادفة أن يصطحب «نتنياهو» معه رئيس الموساد الإسرائيلى، ولا أن يكون الأمن موضوعه الأول فى مباحثات مسقط.
ولا كان مصادفة عبور طائرته المجال الجوى السعودى.
تطبيع أكبر سوف يجىء ومخاطر أفدح سوف تحل.
وقد كان عزف النشيد الوطنى الإسرائيلى فى مناسبتين رياضيتين بالدوحة وأبوظبى إعلانا رمزيا عن شىء ما يولد ومنزلقاته منذرة.
المنزلق الأول ـ المضى قدما فى استبدال العدو من إسرائيل إلى إيران.
حسب «نتنياهو» نفسه فإن السبب الرئيسى للتقارب الخليجى مع إسرائيل هو «العدو الإيرانى» المشترك.
إذا مضى المنزلق إلى نهايته فإنه سوف يفضى إلى فوضى لا نهاية لها فى الإقليم، اتهامات بلا سقف ونزيف داخلى فى الشرعيات وغياب أية قدرة عربية مشتركة على مواجهة أية تحديات محتملة.
إيران ليست عدوا.
هذه حقيقة رغم أية خلافات وأزمات يمكن حلحلتها بالوسائل السياسية.
وإسرائيل ليست صديقة.
هذه حقيقة أخرى رغم محاولات القفز عليها.
أخطر ما قد يحدث بناء «ناتو عربى» يضم دولا لها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل مثل مصر والأردن ودولا أخرى من منطقة الخليج ليست لها مثل هذه العلاقات أولها السعودية ـ على ما يقترح الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب».
أين الجبهة؟
السؤال لا يمكن تجنبه.
السيناريو نفسه أقرب إلى الكوابيس حيث لن يبقى حجرا على آخر فى الإقليم المنكوب.
المنزلق الثانى ـ الانخراط فى «صفقة القرن» واستحقاقاتها يستحيل تمريرها بلا أثمان مرعبة.
الفلسطينيون يرفضونها على اختلاف فصائلهم ويبدون استعدادا نهائيا لمقاومتها أيا كانت التضحيات، والإسرائيليون يتصورون أنه يمكن تمريرها بخلق الحقائق على الأرض خطوة بعد أخرى رهانا على تخاذل العالم العربى فى نصرة القضية الفلسطينية، التى كانوا يصفونها فى أوقات سابقة بـ«المركزية».
من المفارقات الماثلة تزايد الضغوط الدولية لوضع حد للمأساة الإنسانية المروعة فى اليمن، وهذه مسألة توافقات سياسية إيران طرف فيها بالضرورة فيما مشروع «الناتو العربى» مسألة صدام مسلح يفاقمه الدخول الإسرائيلى ولا طاقة لأحد بنتائجه الوخيمة.
ومن المفارقات الماثلة أن الأردن إحدى الدول المدعوة لـ«الناتو» العربى تجد نفسها أمام أزمة كبيرة مع إسرائيل على خلفية قرارها استعادة «الباقورة» و«الغمر» إلى سيادتها المباشرة وفق نص اتفاقية «وادى عربة».
رغم الحق القانونى الملزم توعدت إسرائيل الأردن بإجراءات عقابية تخص حصتها فى المياه.
من العدو؟.. وأية مصلحة للأردن فى تحالفات عسكرية من هذا النوع؟
كما أن بلدا فى حجم مصر له تاريخ طويل فى مقاومة التطبيع بجميع صيغه على مدى أربعة عقود يصعب عليه تقبل مثل هذه التحالفات أو استبدال «العدو الإسرائيلى» بـ«العدو الإيرانى».
وقد كان الاعتداء الوحشى فى القدس المحتلة على الرهبان المصريين فى «دير السلطان» تعبيرا جديدا عن فجوات هائلة يستحيل تجاوزها إذا لم تستعاد الحقوق المهدرة.
بقدر آخر تكشف المقاطعة التى أبداها أهالى الجولان السورية لانتخابات محلية حاولت سلطات الاحتلال فرضها عليهم وحجم العنف الذى استخدم ضدهم حقائق الموقف.
سورية الجولان المحتل لا تنازل عنها بإرادة أهله وإن طال المدى.
ومن المفارقات الماثلة بالتوقيت نفسه ما أصدره المجلس المركزى لمنظمة التحرير الفلسطينية من قرارات تتبنى تعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمنى معها إلى حين الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود (1967) وعاصمتها القدس الشرقية.
رغم أن هذه القرارات شبه متكررة بلا آلية تضعها فى التنفيذ إلا أنها تؤشر على الجو السياسى الفلسطينى، وهو يناقض بالكامل موجة التطبيع الأخيرة من الأبواب الرسمية.
باليقين يصعب الرهان على جدوى أى ضغط عربى محتمل لتليين الموقف الفلسطينى، فالقضية أكبر من الفصائل، كما لا أحد بوسعه أن يتفاوض باسم الفلسطينيين.
بقوة الحقائق، أيا كانت خطورة المنزلقات والتداعيات، فإن النتائج الأخيرة مقررة سلفا.