وراك وراك دايما - نيفين مسعد - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:52 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

وراك وراك دايما

نشر فى : الخميس 31 يناير 2019 - 8:55 م | آخر تحديث : الخميس 31 يناير 2019 - 8:55 م

كان معرض الكتاب ساكن قصادي وباحبه في أرض المعارض بالجزيرة، ثم انتقل إلى أرض المعارض بمدينة نصر فانتقلت إليه، وأخيرا ها هو يحط في التجمع الخامس ومازلت وراه وراه دايما واتبع خطاه دايما، كما يقول فريد الأطرش في أغنية "دايما معاك" . كل هؤلاء الذين وقفوا في طوابير أمام البوابات لشراء تذاكر دخول المعرض في دورته الخمسين هم أيضا وراه وراه دايما.. دايما معاه دايما. يوجد حاجز بين كثير من المصريين والتجمع، ربما نشأ هذا الحاجز لأسباب طبقية لأنه حي الأغنياء، وربما نشأ هذا الحاجز لأسباب اجتماعية لأن التجمع أخذ منّا الجيران والأصدقاء والأحبّة فخلت الدنيا من حولنا. لذلك لم يكن هناك شعور عام بالبهجة مع نقل معرض الكتاب إلى التجمع الخامس، فمن سيذهب للتجمع وكيف سيعود وبأي تكلفة، ولكن.. مع هذا الزحام وهذه الضجة وهؤلاء الناس بدت أغنية فريد الأطرش ملائمة تماما فالمصريون يحبون معرض الكتاب، وهذا بديع. أعود بذاكرتي إلى أول معرض للكتاب بعد ٣٠ يونيو حين كانت القنابل على النواصي وفي الحدائق وفي كل مكان، وقتها قيل إن أحدا لن يزور المعرض وإن الخوف سيكون سيد الموقف، ثم إذا بالكاميرات ترصد الزحام الشديد أمام البوابات وكأن أغنية فريد الأطرش إياها وُضِعَت لتناسب الحدث، فبعض كلماتها يقول : تعمل شيطان أعمل حاوي، وبالفعل تحدى المصريون شياطين الإنس وقصدوا المعرض.
***
خارج أبواب المعرض كان الزحام شديدا والبرودة أيضا، حركة سيارات النقل لا تهدأ وإلى الداخل تتهادى السيارات الخاصة. جاء الناس وجاء معهم الرواج وهذا قانون العمران، مر بِنَا بائع يحمل صندوقا زجاجيا على كتفه وينادي: الفريسكا.. الفريسكا، يا سلاااااام على الروقان نقف في الطابور ونتسلى بالفريسكا.. هذا شعب عجيب. ازدانت أسوار المعرض ببوسترات للاثنين اللذين وُلِدَت فكرة المعرض على أيديهما ونُفِذَت بإتقان: الدكتور ثروت عكاشة أفضل من تولى مسؤولية وزارة الثقافة في مصر، والدكتورة سَهير القلماوي الناقدة والأديبة الكبيرة. خلفي مباشرة كان يقف أب مع ابنته في حوالي الرابعة عشر من عمرها، أشارت الابنة إلى صورتّي عكاشة والقلماوي سائلة: مين دول ؟ رد الأب: الست ما أعرفهاش لكن الراجل له برنامج في التلڤزيون! يا للهول.. كل علامات التعجب لا تكفي للتعبير عن الدهشة فلقد خلط الأب بين ثروت عكاشة وتوفيق عكاشة حتى مع وجود الصورة على البوستر، هل أحس أحدنا بوخز في الضمير؟ هل أدركنا نتيجة التجهيل بالقمم وتمكين العملة الرديئة من طرد العملة الجيدة؟ مع ذلك سيسمع الأب بمناسبة المعرض عن صاحب المقام الرفيع ثروت عكاشة والأهم أن صبيته سوف تسمع.
***
تبدد سريعا القلق الذي يساورنا جميعا عند الاحتكاك بالجديد وتكونت علاقة ألفة مع المعرض في مكانه الجديد، صالاته الأربع ترتبط كل اثنتين منها بممر فإن أنت دلفت إلى الصالة الأولى يمكنك أن تنتقل بسهولة للصالة الثانية، ومن الثالثة تدخل إلى الرابعة، جيد هذا التنظيم. كان المنطق يقتضي وضع اللوحات التي تحمل أسماء دور النشر خارج الصالات الأربع، لأن من يقصد دارا معينة قد يُفاجَأ بعدم وجودها في الصالة التي دخلها بالصدفة ومر بإجراءات التفتيش كاملة ، لكن اللوحات كانت معلقة داخل الصالات بحيث إن من لم يحصل لسبب أو لآخر على الخريطة المطبوعة لتوزيع دور النشر أصابه ارتباك كبير.
***

منصات العرض ضخمة والمساحات مترامية، اللمسات الجمالية هنا وهناك وخصوصا في جناح الجامعة العربية ضيف شرف المعرض، يوجد تنسيق داخلي ممتاز فالصالات الأربع مقسمة إلى A-B-C والفعاليات الثقافية في الطابق العلوي، أما اللوحة الكبيرة التي تضم عددا من أبرز أدباء مصر فإنها هنا للتذكرة بأن تراب هذا البلد يخالطه عشق الحروف والكلمات. هذا جهد محترم يليق بحجم المناسبة التي نحتفل بها : خمسون عاما من وهج مصر الثقافي . يلفت النظر ذلك الحضور الكثيف لدور النشر السورية، كان الأمر كذلك حتى في عزّ شدة سوريا، لكن الجديد أن تصادف دارا أكثر محتوياتها عن أكراد سوريا.. هذا بعض من آثار الثورة، تخترق الأذن اللهجة الشامية المحببة لأحد العارضين وهو يقول : فيك تشوفا هونيك عالزاوية، يا الله! متي تعود لنا سوريا أو متى نعود نحن لها.

***
حسن تجميع محال الوجبات السريعة في مكان واحد بعد أن كانت تتناثر بشكل عشوائي، حسن جدا توفير حمامات للزائرين وتلك كانت إحدى البديهيات الغائبة عن المعرض القديم. في المجمل جاء التغيير إلى الأفضل، ولعل كل ما سوف يحتاجه منظمو المعرض في دورته المقبلة هو المزيد من الضبط لفرض احترام الطابور والالتزام بالمداخل والمخارج وعدم التعدي على حرمة الأجنحة المجاورة ( كان هذا التعدي ملحوظا من بعض دور نشر الكتب الدينية التي تعاملت مع المعرض كملكية خاصة فباشرت الدعاية بصوت مرتفع لمطبوعاتها / لأفكارها ) ، فضلا عن ضرورة نقل اللوحات بأسماء دور النشر إلى خارج الصالات.
***

زحف الظلام سريعا وأرخي الليل سُتُرَه ، صفرت الريح واشتدت برودة الجو فتحول خارج المعرض إلى خلية نحل لا تهدأ وعلت صيحات سائقي الميكروباصات: رمسيس .. رمسيس

نيفين مسعد أستاذة بكليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة جامعة القاهرة. عضو حاليّ فى المجلس القوميّ لحقوق الإنسان. شغلت سابقاً منصب وكيلة معهد البحوث والدراسات العربيّة ثمّ مديرته. وهي أيضاً عضو سابق فى المجلس القوميّ للمرأة. حائزة على درجتي الماجستير والدكتوراه من كليّة الاقتصاد والعلوم السياسيّة – جامعة القاهرة، ومتخصّصة فى فرع السياسة المقارنة وبشكلٍ أخصّ في النظم السياسيّة العربيّة. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت. عضو لجنة الاقتصاد والعلوم السياسية بالمجلس الأعلى للثقافة. عضو الهيئة الاستشارية بمجلات المستقبل العربي والسياسة الدولية والديمقراطية
التعليقات