ما بعد جولة نيويورك - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 8:32 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد جولة نيويورك

نشر فى : السبت 27 سبتمبر 2014 - 7:15 ص | آخر تحديث : السبت 27 سبتمبر 2014 - 7:15 ص

فى تقدمه بثقة إلى منصة الأمم المتحدة ليلقى كلمة بلاده أمام جمعيتها العامة كسب رهانه على اختراق أية حواجز دولية بأكثر من أية توقعات مسبقة.

الأداء ارتفع إلى مستوى تحدياته والخطاب بدا متقنا بأكثر من أى خطاب سبقه منذ ترشحه للرئاسة.

تحدث كـ«واحد من أبناء شعب عظيم»، قام بثورتين فى ثلاث سنوات لإنهاء حكم الفساد والفرد فى يناير وحكم الإقصاء وتهديد طبيعة الدولة فى يونيو.

أسس خطابه الأممى على شرعية يناير التى صححتها يونيو ولم تكن انقلابا عليها.

ورغم أن الدستور ينص على شرعية «يناير يونيو» فإن التأكيد عليها ساعد على إحكام الخطاب ورفع درجة صدقيته، فلا الأولى مؤامرة ولا الثانية انقلاب.

الالتزام واضح وصريح فلا يكون ممكنا استنساخ زواج السلطة بالثروة على ما جرى فى عهد «حسنى مبارك» أو التنكر لمفاهيم الدولة الحديثة كما حدث على عهد «محمد مرسى».

فى البناء العام لخطابه تزاوج بين بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ومكافحة الإرهاب بحزم.. أو بين قضيتى الحرية والأمن بلا تناقض بينهما.

من أول جملة إلى آخر الخطاب سرت روح المزاوجة بين القضيتين وأية لغة أخرى لم تكن لتساعده فى إثبات صحة انتسابه إلى روح التغيير فى بلاده وتقويض الصورة التى أريد إلصاقها به جنرالا انقلابيا التى تعد إهانة للشعب المصرى وثورته فى يونيو.

التناقض مع العصر وقيمه الرئيسية يفضى مباشرة إلى خسارة سياسية محققة وسلامة الفكرة من الأسباب الرئيسية فى كسب جولة نيويورك.

أن يضع التزاماته تجاه شعبه فى بناء دولة ديمقراطية حديثة موضوع حوار وطنى تأخر بأكثر مما هو طبيعى.

الحوار نفسه يخفض الاحتقانات العامة ويضخ شيئا من الحيوية فى شرايين السياسة المتيبسة، وفى تراجع السياسة كمائن خطر فى الحرب على الإرهاب.

كان معنيا أن يخاطب بلده من فوق المنصة الأممية، فقوته يستمدها من شعبه، أشاد به وأفرط فى تحيته وممثلى دول العالم الثالث قابلوا ما قال بتصفيق.

الرسالة أن هناك طلبا فى العالم الثالث فى عودة مصر إلى حيوية دورها، وهذا يستدعى ترتيبا آخر فى أولويات السياسة الخارجية.

اعترضته حواجز ارادت عرقلة مهمته غير أنها تجاوزها بإحكام الرؤى التى تبناها.

لم يكن الرئيس «باراك أوباما» على قدر الولايات المتحدة ولا كان الرئيس «رجب طيب أردوغان» على حجم تركيا فى التطرق إلى الشأن المصرى.

ليست القضية فى الآراء التى يتبنونها لكنها كانت هشة فى حالة الأول، فقضية الشباب فى مصر أكبر من أن يلخصها اسم ناشط سياسى واحد، والإشارة إليه تشهير به استدعت من جماعته أن تستنكره.. وفى حالة الثانى بدت مشوشة، خارجيته تطلب لقاء مع الوزير المصرى «سامح شكرى» بينما هو يستبق اللقاء بانتقادات عدوانية غلبتها عصبيته.

أعد لجولة نيويورك باهتمام وأخذ وقته فى التفكير بينما تصرف الآخرون بعشوائية وخفة، حاول بقدر ما يستطيع أن يحتذى المصالح الاستراتيجية العليا لبلاده فى الحرب على «داعش» وتجلى استقلاله فى إدارته لـ«العقدة السورية» داعيا إلى حل سلمى يثق فى إمكانية تحقيقه، وهو توجه يخالف بصورة كاملة المواقف الأمريكية والأوروبية والتركية والسعودية التى تبنت لأسباب مختلفة تدريب وتسليح المعارضة السورية لإسقاط «النظام» مع «داعش» وهو أمر لا تقدر عليه ويدخل المنطقة تحت سيناريوهات تفكيك دولها الوطنية.

لم يكن يحتاج لتأكيد نجاح مهمته إلى تزيد إعلامى فى التغطية.

لم يكن وحده فى نيويورك ولا نحن محور العالم.

قيمة إنجازه ينسب إلى اللحظة التى تحدث فيها بتفاعلاتها وتعقيداتها وما تومئ إليه من إشارات إلى المستقبل.

لا أحد يتحدث فى الفراغ الدولى ولا معركة تكسب خارج سياقها.

بحس المصريين اكتشفوا أن اختراقا ما جرى فى نيويورك رفع الغطاء الأخير فى العزلة الدولية التى أريد أن تفرض على مصر.

بقدر ما عبر عن طموحات شعبه للالتحاق بعصره مدركا قيمة البلد الذى يحكمه ارتفعت مؤشرات شعبيته هنا لأعلى درجاتها منذ انتخابه رئيسا.

يكرر مرة بعد أخرى أن قضيته الأولى «تثبيت الدولة» معتقدا أنها مازالت فى خطر غير أنها تحتاج أولا وقبل أى شيء آخر إلى تثبيت الشرعية بمعنى اتساع الرضا العام.

أمام زخم جديد للثقة العامة فإن السؤال الملح: ماذا بعد؟

تعهداته الديمقراطية التى قطعها على نفسه أمام شعبه قبل أى طرف آخر تستند من ناحية على الشرعية الدستورية وتستجيب من ناحية أخرى لضرورات الانتقال إلى نظام أكثر ديمقراطية وعدلا وقدرة على مواجهة الإرهاب.. وهذا وقت الحسم.

أمامه فرصة كبرى لتثبيت الدولة وتأكيد شرعية حكمها وأخذ زخم شعبيته إلى ميادين السياسة بإجراء انتخابات نيابية نزيهة وشفافة وفتح حوار وطنى مع القوى السياسية حول أية تعديلات ممكنة فى قانون الانتخابات، فكلما اتسعت قاعدة التوافق الوطنى تأكدت شرعية النظام الذى لم يستكمل مؤسساته بعد.

أزمة الدولة مع شبابها قضية أخرى ضاغطة، فتمدد الأزمة يعمق الفجوات ويؤشر أيا كانت موازين الحاضر إلى خسارة المستقبل.

لا تلخصها جماعات بعينها أو نشطاء بأسمائهم ومخاوفها تتجاوز قانون التظاهر إلى قضية الديمقراطية كلها.

تحديه الرئيسى أن يطور الخطوط العريضة فى خطاب نيويورك إلى سياسات تدعم الأمن لأقصى حد فى حربه مع الإرهاب لكنها تمنع تغوله على المجال العام.

هذا يستدعى إصلاحا جوهريا فى بنية جهاز الشرطة يرفع مستوى كفاءته دون إهدار لحقوق مواطنيه.

فى تواتر التفلتات الأمنية احتمالات خطيرة لتفكك التماسك الاجتماعى فى الحرب على الإرهاب.

بالإضافة إلى الملف الآمنى فإن هناك إصلاحا آخر ضروريا وفق القواعد الدستورية فى المؤسسة القضائية تأكيدا لاستقلالها بما يحفظ الثقة العامة فيها التى تضررت بفداحة فى السنوات الأخيرة.

الحديث فى إصلاح المؤسسات هو حديث فى الديمقراطية والحرب على الإرهاب معا بلا تناقض على ما أكد فى جولة نيويورك.