سلة الأوهام..! - صحافة عربية - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 11:05 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

سلة الأوهام..!

نشر فى : الجمعة 26 مايو 2017 - 9:55 م | آخر تحديث : الجمعة 26 مايو 2017 - 9:55 م

إذا خسرنا معركة التغيير فسيتم إيقاف الحياة لعدة عقود.!.
يتوهم الليبيون ــ أهلى ــ أنهم قبليون، وأنهم وطنيون، وأنهم قريبون جدا من الله، دعواتهم مسموعة والأيدى التى تمتد إليهم بسوء مقطوعة، ويتوهمون ــ صباح مساء ــ أنهم أصحاب تاريخ مجيد وورثة أسلاف عظماء، كما يتوهمون أنهم أغنياء يدوسون ذهبا ويتنفسون عطرا ويسكنون جنانا.. ويتوهمون أنهم لا يتوهمون..!
إن كومة الأوهام التى تسد الأفق ويتحصن خلفها الليبيون ليست قدرا، بل تلوثا للوعى وفقرا!. إن استسلام المثقفين والمتثاقفين ــ المنتجين للفكر حصرا ــ إلى دوافع العاطفة وهيولاتها، وكذلك استسهالهم لعفوية الفكر بدل التعمق فى التفكير، وتلفيقهم السريع للحقائق القشورية الملوثة بدل استجلاء الحقيقة الجوهرية وفلسفتها، أسهم فى ترسيخ وعى زائف ومرضى، انتفت عنه كل صفات المثالية، وغرق بشكل طوعى ورغبة محمومة فى وحل الظواهر، التى كانت منذ البدء سبب تشكيل منظومة الوهم المتجسدة فى وعى خالٍ من المعرفة الحقة والمنطق العقلانى..!
ميثولوجيون ونوستالجيون وبراغماتيون كثر مثقفون أو معطوفون على الثقافة، يجتهدون فى إنتاج وعى زائف وتدعيمه بميثولوجيات مجوفة، ويعملون بإتقان فاتن على تجفيف منابع التجديد والتغيير، بعدما اعتادوا تعاطى المفاهيم الخاطئة، التى أنتجتها سياسات وأيديولوجيات الأنظمة المتهالكة لحماية وجودها وتبريره، فقد كانت ولازالت القومية والأممية وحب الوطن ــ السياج الأيديولوجى الافتراضى ــ لقاحات فعالة لإحباط التغيير ومكافحته، وسد ثقوب التنوير بأساليب ثقافية بائسة، وتحولت الأصنام الاجتماعية تدريجيا إلى أصنام ثقافية، وترسخ التسطيح وساد حتى أُنكر ما عداه وبات اغترابا، وتحول التعليم ذاته ــ بلهجة سودانية ــ إلى غذاء فاسد، وأداة سيطرة، ومهرب كلاسيكى من المنطق، وسدادة صدئة شديدة الإحكام تمنع تسرب التحليل والنقد، وترسخ التقليدية وتعممها وتمنح تراخيص قيادة الثقافة أو تمليك ركحها وخصخصته..!
داؤنا الخبيث هو التاريخ المملوء بالفنتازيا والكليشيهات الغرائبية، والخاضع بقوة للتسييس ورؤى الساسة، والمتورط فى الأيديولوجيات وحل المفاهيم الخاطئة والزائفة والمقعرة، الحقيقة أن تاريخنا مجرد هيكل براق، اعتادت السلطات المنصرمة على تأثيثه بما يروقها ويناسبها ويلائم أطماعها، ويسهم فى تقديسها وصبغها بميثولوجيات أرقى من الدحض أو التشريح..!
أجزم قطعا ــ أن تاريخنا بمجمله هو تاريخ استعمارنا، سير وأساطير تُؤَغْرِقُنا وتُفينقنا وتُرَوِّمنا ثم تُعثِّمنا وتُفشِّسنا..!
لا نملك ولا نعرف من الوطن سوى اللحاء ــ أمس واليوم وغدا ــ وجيوب الجهل تعم ثقافتنا، واحتفاؤنا المريب بمناخات التعصب والتعنصر، وانزواؤنا المفجع فى اللايقين، واكتساؤنا بالدعائية الهشة، والاجتهاد الفاضح لمنتجى الثقافة وأوليائها فى عمليات إنتاج الأفراد الأيديولوجيين المصفحين، مدمنى الجهوية والظهورية والأوهام، والارتكاز الميكافيللى على اللغة المضللة وأثاثها من المصطلحات الأميبية العاجزة عن توليد الفكر وتطويره، كل هذا جعلنا سكانا وملاكا مثاليين لزيف التاريخ والحاضر والمستقبل، وأدى بنا إلى نهج سبل العداء والمقاطعة لكل تطور، فانكفأنا على أنفسنا نلوك فتافيت تاريخ مجرثم، وثقافة منتهية الصلاحية، ويصيح كل منا على دمنته وصخرته كأعظم وريث للبَعَام – الشمبانزى ــ العريق..!
منطقيا.. ينبع الفكر ــ أى فكرــ من جهود الفرد ــ الشخص المفرد ــ التى يبذلها لفهم أو اختراق الواقع باتجاه حقائق مثلى، وإن كان الفكر ينطلق من معرفة كاذبة أو ظنية فى مبتدئه، إلا أنه ينحاز إلى المنطق، والمعرفة الصادقة، ويلتزمهما لتحقيق نقائه، أما تكرار لوك الأكاذيب والمفاهيم الخاطئة والأوهام، فلن ينتج سوى فكر هدام مفرغ، لا يصلح للاقتناء أو للتطوير، وسيعكف رواده على الأسطرة ــ صناعة الأساطيرــ وتوليد النوستالجيا، وإعادة تدويرها لسد جوع معارفى بوعى وبلا ضمير، وليكونوا نسيج ثقافة مفعم بالأوهام ومكتظ بالعلاقات السيئة بين حقائق بعضها ملوث، وبعضها مؤسطر، وبعضها سراب هوى وأمانيه..!
لا يمكن تنقية فكر أو ترميم ثقافة ما لم يشتعل فى المثقفين وعى قيمى، وينالوا أو ينتزعوا استقلاليتهم، وتنضج رؤى تحقيق التاريخ وتجديد بنائه والكشف فيه، ورفع ستر السرية عن بعض حقائقه المنسية بترصد وإصرار، ومنع انصياعه لمحددات الحاضر ونزعاته وتحيزاته، والابتعاد عن محاكمته تحت الذرائع الأيديولوجية.!.
كما أن عمليات تزييف التاريخ وصناعة الأوهام وأدلجة الأخطاء التى تتم الآن، يجب أن يضلع مثقفون ــ أصلاء ــ بمواجهتها ووقفها، إذ لا يمكن أن نركن لرؤى واهمين، طاب لهم مناخ الزيف، وأضحوا عاجزين عن رؤية الحقائق، أو ربما وجدوا متعة فى العيش على الأوهام..!
بلا شك.. التاريخ ليس معادلة خطية، وليس أرض معركة يقف فيها الخير على جانب، والشر على جانب آخر، بل هو واقع منصرم اختلطت خيراته وشروره..!

عبدالواحد حركات
ليبيا المستقبل ــ ليبيا

التعليقات