عفوًا.. الوزارة ليست وظيفة بمرتب - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:14 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عفوًا.. الوزارة ليست وظيفة بمرتب

نشر فى : الأربعاء 25 أبريل 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : الأربعاء 25 أبريل 2018 - 9:40 م

أسوأ ما أكده قرار مجلس النواب بزيادة مرتبات ومعاشات الوزراء، والمناقشات التى سبقت إقراره، هو تصور القائمين على صناعة القرار والتشريع أن الوزارة مجرد وظيفة يمكن جذب الكفاءات إليها بزيادة راتبها، وأن الوزير ليس أكثر من شخص ينظر إلى مرتب الوظيفة الوزارية لكى يقبلها أو يرفضها.

المأساة أن هذا التصور صحيح، وهو الحقيقة التى تحكم تفكير من يختار الوزراء، ثم تحكم تفكير الوزراء أنفسهم لتكون المحصلة مجموعة الموظفين الذين ينتظرون الأوامر والتعليمات لكى ينفذوها دون أى رؤية ولا ابتكار، على الرغم من أن جوهر العمل الوزارى هو الرؤية والابتكار.

هذه الحقيقة المؤسفة هى أحد أهم أسباب الفشل الحكومى المتكرر فى كل الملفات والتدهور المستور فى أوضاع البلاد والعباد على مدى عشرات السنين. فالوزير الموظف قد يملك المهارات المهنية والعلمية فى مجال تخصصه، فيكون وزير الصحة طبيبا ماهرا ووزير الرى مهندس رى فذا ووزير الإسكان مهندسا مدنيا ممتاز، لكنه لا يملك الرؤية السياسية ولا القدرة على ابتكار حلول للمشكلات التى تواجه البلاد وربما لم يكن من الأساس يفكر فى هذه المشكلات قبل استيزاره، وهذه هى كارثة حكوماتنا منذ سنوات، التى تجعلنا ننتقل من فشل إلى فشل.

والحقيقة أن الوزارة ليست وظيفة أبدا، والراتب لا يمكن ولا يجب أن يكون مؤثرا ولو بدرجة بسيطة فى قرار قبولها أو رفضها، بل إن العكس هو الصحيح، فالرجل الذى سيقبل الوزارة لمجرد أنها تضمن له راتبا مجزيا لا يصلح لهذا المنصب ولا يستحقه.

والواقع أن أى شخص لديه المؤهلات العلمية والمهنية التى ترشحه، هو بالضرورة يحقق من عمله غير الوزارى ما يزيد كثيرا على أى أجر سيحصل عليه مقابل الوزارة حتى لو كان وزيرا فى الحكومة الأمريكية أو اليابانية.

فدخل هيلارى كلينتون من المحاماة يفوق دخلها من الوزارة أو حتى من الرئاسة، ودخل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من عملها كأستاذة جامعية مرموقة يفوق راتبها كرئيسة للحكومة الألمانية، ودخل الرئيس الفرنسى ماكرون من عمله فى مجال إدارة الشركات يفوق راتبه كرئيس لفرنسا، وعلى الرغم من ذلك ولأنهم يملكون ميلا طبيعيا للعمل العام، فإنهم يضحون بهذه المكاسب المادية من أجل إشباع رغبتهم فى العمل العام الذى يضمن لهم تحقيق ذواتهم أكثر مما تحققه لهم أى ثروات مالية وهذا هو سر نجاحهم فى عملهم السياسى.

فالوزير فى أى دولة أو نظام سياسى طبيعى هو شخص يحب العمل العام ويحقق ذاته من خلاله، ومستعد للتضحية بمكاسب مالية وشخصية من أجل الالتحاق بالوزارة وتحقيق إنجازات تضمن له دخول التاريخ.

ويزداد الأمر سوءا عندما يأتى قرار زيادة مرتبات ومعاشات الوزراء ومعهم رئيسهم ورئيس مجلس النواب فى الوقت الذى تبشر فيه الحكومة الشعب فى كل ساعة بزيادة الأسعار وتخفيض الدعم وفرض الرسوم والضرائب وتطالبه بالتقشف والتحمل بسبب الظروف الاقتصادية، وتطعن على حكم القضاء الإدارى بحق الملايين من أصحاب المعاشات فى عشرات الجنيهات الإضافية كزيادة فى معاشاتهم.

المثير للسخرية أن يخرج علينا من كتائب التطبيل الإعلامى والتبرير العشوائى لكل ما يصدر عن السلطة الحاكمة من قرارات وما تتخذه من مواقف، فيقول أحدهم إن الدولة تواجه صعوبة فى إقناع العديد من المواطنين بقبول منصب الوزير بسبب ضعف الراتب، ويقول آخر إن زيادة الراتب تستهدف «ملء عين الوزير» حتى لا تمتد يده إلى الرشوة والسرقة وكأن 42 ألف جنيه تكفى لإقناع أى شخص برفض الرشاوى التى تصل إلى الملايين ما لم يكن الرجل شريفا فى ذاته وما لم تكن منظومة الرقابة ومكافحة الفساد كافية لردع من تسول له نفسه الحصول على رشوة أو سرقة ما ليس له بحق.

وإذا كان هذا المنطق المعوج صحيحا، فلماذا لا يطالب هؤلاء الطبالون بمضاعفة أجور مهندسى الأحياء الذين يواجهون كل يوم عروض الرشاوى بالملايين؟ ولماذا لا نضاعف أجور خبراء وزارة العدل ومسئولى المبيعات والمشتريات فى كل مؤسسة حكومية، وغيرهم الكثيرون الذين لا تكفيهم أجورهم الزهيدة، وتعرض عليهم الرشاوى بالملايين ليلا ونهارا؟

التعليقات