روح البورسعيدى الباسلة - طلعت إسماعيل - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 1:48 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

روح البورسعيدى الباسلة

نشر فى : الإثنين 24 ديسمبر 2018 - 11:40 م | آخر تحديث : الإثنين 24 ديسمبر 2018 - 11:40 م

وقف جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى 26 يوليو 1956 معلنا قراره الشهير بتأميم شركة قناة السويس «شركة مساهمة مصرية» ردا على رفض البنك الدولى تمويل بناء السد العالى الذى تنعم مصر فى خيراته حتى اليوم، غير أن بريطانيا التى كانت قد غادرت قواتها مصر لتوها، وفرنسا التى كانت تعتبر القناة إرثا «لديليسبس»، وإسرائيل التى تخشى امتلاك مصر لمقدراتها الوطنية، أجمعت على الانتقام من هذه الخطوة التى أراد منها عبدالناصر تثبيتا لأركان الثورة المصرية.

وما بين 26 يوليو، وحتى 29 أكتوبر 1956، واجهت مصر سيلا من التهديد والوعيد على خطوة تأميم القناة، وتوقع عبدالناصر وأبناء الشعب المصرى، عدوانا ثلاثيا لبريطانيا وفرنسا وإسرائيل فى أى وقت، ومن أى مكان، خاصة من سواحل وحدود مصر الشمالية، وقد كان، فسرعان ما جاءت الضربة من سيناء على يد القوات الإسرائيلية فى 29 أكتوبر، وبعدها بأيام معدودات كان الإنزال البريطانى الفرنسى المزدوج على بورسعيد فى 5 نوفمبر، استكمالا لبدء تنفيذ المؤامرة الثلاثية.

البريطانيون الذين أنزلوا قواتهم فى مطار الجميل، والفرنسيون الذين نزلوا على الرسوة جنوب بورسعيد، اعتقدوا أن العدوان سيكون نزهة قصيرة يتم بعدها الاستيلاء على قناة السويس واغتنام المكاسب، والانتقام من الثورة المصرية التى طردت الاحتلال الإنجليزى بعد نحو 74 عاما، وراحت تساند ثورة الجزائر التى كانت فرنسا تعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيها، غير أن بورسعيد النضال والصمود كان لها رأى آخر.

بأسلحة خفيفة، وبروح وطنية وثابة، انتظر أبناء المدينة الباسلة القوات المعتدية، وراح التاريخ يسطر بأحرف من نور كفاح شعب تعلم كيف يدافع عن الأرض والعرض، وشاهدنا أسماء تلمع فى سماء النضال الوطنى، مثل السيد عسران الذى قتل الميجور جون وليامز رئيس مخابرات القوات البريطانية فى بورسعيد، الذى كان بدوره وراء استشهاد محمد شقيق السيد، أحد ابطال المقاومة الذين خطفوا الضابط انطونى مور هاوس ابن عم الملكة اليزابيث ملكة بريطانيا.

وفى قائمة المناضلين العظام محمد مهران الذى فقد إحدى عينيه تحت وقع تعذيب قوات الاحتلال، فى محاولة لانتزاع أسرار المقاومة الشعبية، غير أن مهران الذى قاوم القوات الغازية فى منطقة الجميل، كان من الصلابة والقوة أكثر من معذبيه فلم ينالوا ضالتهم، رغم إمعانهم فى تعذيبه.. وهناك فتحية الأخرس، أو أم على، التى كانت تعمل ممرضة فى عيادة حولتها إلى مكان يأوى الفدائيين، ويبعد أنظار جنود الاحتلال عنهم.

تلك عينة من بطولات مدينة استحقت لقب «الباسلة»، عن جدارة بكفاحها الذى ساهم فى إجبار المحتل على أن يحمل فى 23 ديسمبر 1956، خيبته الثقيلة ويرحل عن أرضنا، التى ستظل دوما مقبرة للغزاة، طالما بقيت جيناتها تتنقل بين الأصلاب والأرحام التى أنجبت أبناء بورسعيد، الذين يقدمون دوما النموذج فى الإخلاص والعطاء حتى اليوم، رغم الظروف الاقتصادية التى تمر بها مدينتهم.

على مدى سنوات عملى الصحفى الطويلة، زرت بورسعيد العديد من المرات، ولى بين جنباتها من الأصدقاء الذين يواصلون الدرب على طريق العمل الوطنى، وإن كان فى ميادين مختلفة، وفى كل مرة أزور فيها المدينة الباسلة، كنت أفتش عن الروح التى خرجت من بين جدرانها إبان العدوان الثلاثى، والتضحيات التى دفعتها بعد نكسة 1976، وتلك التى قدمتها عن طيب خاطر من أجل النصر العظيم فى 6 أكتوبر 1973.. لم يكن الأمر عسيرا ففى الوجوه وعلى الجباه تعلو إرادة التحدى، وتنبض فى العروق كرامة لا تعرف المساومات.

فى 23 ديسمبر الذى احتفلت فيه محافظة بورسعيد بعيدها القومى، ذكرى انتصار مصر كلها على العدوان الثلاثى يوم «عيد النصر»، نحن أحوج ما نكون إلى الروح ذاتها التى خرجت فى شوارع المدينة الباسلة، لتؤكد أن البورسعيدى «لا يعرف إلا شيئين» يرقدان تحت جلده، هما: حب الوطن، والدفاع عنه.

التعليقات