لماذا تراجعت العلاقات المصرية الروسية؟ - علاء الحديدي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تراجعت العلاقات المصرية الروسية؟

نشر فى : الإثنين 24 يوليه 2017 - 9:30 م | آخر تحديث : الإثنين 24 يوليه 2017 - 9:30 م

فى أقل من أسبوع، أثير مرتين موضوع سقوط الطائرة الروسية فى سيناء وتوقف حركة السياحة بين البلدين. إذ نشرت جريدة «المصرى اليوم» مقالا بعنوان «عفوا مستر بوتين» يوم الجمعة ١٤ يوليو الماضى للكاتب الصحفى الأستاذ محمد أمين، أعرب خلاله عن الاستياء والغضب من توقف حركة السياحة الروسية لمصر رغم تلبية جميع المطالب الروسية الخاصة بتأمين الطائرات والمطارات بعد حادثة سقوط الطائرة الروسية فى سيناء. من ناحية ثانية أشارت جريدة «اليوم السابع» فى ٢٠ يوليو الماضى إلى انتقاد عدد من أعضاء مجلس النواب المصرى لما نقلته وكالة سبوتنك الروسية للأنباء عن مصادر دبلوماسية فى موسكو من أن مصر قد أصبحت غير آمنة. وقد انتقدت الوكالة الروسية، وفقا لما ذكره موقع اليوم السابع، ما قالت إنه التأخير فى التحقيق فى سقوط الطائرة الروسية فى سيناء. وعليه يصبح السؤال المطروح الآن ما إذا كان سقوط الطائرة الروسية وتوقف حركة السياحة قد أثرا سلبا على العلاقات بين مصر وروسيا بشكل عام بعد الزخم الذى شهدته فى أعقاب ثورة ٣٠ يونيو. وإذا كان ذلك صحيحا، فهل يعود فقدان هذا الزخم إلى ما يشهده تحديدا هذان الملفين (الطائرة والسياحة) من مشاكل وصعوبات، أم أن هناك أسبابا أخرى يجب العمل على معالجتها؟
بداية، يجب أن نشير إلى أن حجم وتشعب العلاقات بين مصر وروسيا يتخطى بكثير ملف السياحة الذى يمثل جانبا واحدا فقط من هذه العلاقة. فالشاهد أن التعاون قائم ومستمر فى مجالات أخرى عديدة لسنا بمعرض ذكرها الآن، ولكنها تتضمن على سبيل المثال لا الحصر التعاون العسكرى بين البلدين، والاتفاق على إقامة منطقة صناعية روسية فى محور قناة السويس، والاتفاق على بناء المفاعل النووى فى الضبعة، فضلا عن استمرار التنسيق السياسى بين البلدين إزاء العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك فى عالم مضطرب، وكان آخر مظاهر هذا التنسيق زيارة وزيرى الدفاع والخارجية الروسيين للقاهرة فى ٢٩ مايو الماضى للقاء نظيريهما من الجانب المصرى. إلا أنه رغم كل ذلك فإن حادثة سقوط الطائرة وما تلاها من منع للسياحة الروسية مازالت تلقى بظلالها وتعكر صفو العلاقات، وهو ما يتوجب معه أن ندرك ما تمثله هذه الحادثة لدى صانع القرار والرأى العام فى روسيا.
أذكر هنا إحدى أولى ذكرياتى فى موسكو بعد وصولى إليها كسفير لمصر فى مارس ٢٠١٠، وأقصد بها عملية تفجير إرهابية لإحدى محطات مترو الأنفاق والتى أسفرت عن وقوع العشرات من الضحايا، وهو الأمر الذى تكرر بعد ذلك بنحو عام فى مطار دوموديدفو الدولى. كان معنى ذلك انتقال نشاط المنظمات الإسلامية الإرهابية من شمال القوقاز إلى قلب العاصمة موسكو، وهو الأمر الذى أصاب فى الصميم الأمن الداخلى فى البلاد وشرعية النظام القائم. فإذا عرفنا أن أحد الأسباب الرئيسية لشعبية الرئيس بوتين وشرعيته هى بسبب نجاحه فى القضاء على الإرهاب، فلنا أن نتخيل مدى أهمية وحساسية هذا الموضوع لدى الرئيس بوتين شخصيا. ولعل ذلك يفسر أيضا التدخل العسكرى الروسى فى سوريا، باعتبار أن المعركة ضد الحركات الإسلامية الإرهابية فى الخارج ما هى إلا امتداد لذات المعركة فى داخل روسيا. وبالتالى فإن مكافحة الإرهاب فى سوريا تدخل فى صميم الأمن القومى للدولة الروسية، وليس فقط لتحقيق أهداف إستراتيجية فى الشرق الأوسط.
هناك بعد آخر ويدخل فى صميم معادلة الحكم داخل روسيا اليوم، ألا وهو انتماء معظم ضحايا حادثة سقوط الطائرة فى سيناء البالغ عددهم ٢٤٤ إلى مدينة سانت بطرسبرج، والتى ينتمى إليها أيضا معظم أعضاء النخبة الروسية الحاكمة وعلى رأسهم الرئيس بوتين نفسه. بعبارة أخرى، فإن هذه المدينة تمثل القاعدة الشعبية التى صعدت منها نسبة كبيرة من القيادات الحالية فى الكريملين. ولذلك هذه الحساسية الروسية الخاصة إزاء هذا الموضوع. هذا فضلا عن شعور الكثير من المسئولين الروس بأن الجانب المصرى لا يهتم سوى بعودة السياحة دون مراعاة لمشاعر أسر الضحايا.
يزيد الموقف تعقيدا ما لمسته وفى أكثر من مناسبة ما يمكن أن نطلق عليه وصف «عقدة السادات»، وهى ترتبط بقرار السادات طرد الخبراء الروس من مصر فى عام ١٩٧٢. فهناك دائما توجس روسى فى صدق النوايا المصرية، والتخوف من أن يكون أى تقارب مع روسيا ما هو إلا لهدف تكتيكى فقط، ألا وهو تعزيز المركز التفاوضى لمصر مع الجانب الأمريكى. وهنا أتذكر أيضا زيارة السيد المهندس حسن يونس وزير الكهرباء الأسبق لموسكو فى النصف الثانى من عام ٢٠١٠ لبحث إمكانية التعاقد على إنشاء مفاعل نووى روسى فى الضبعة، وكيف تم فى البداية تجاهل زيارة الوفد المصرى من قبل كبار المسئولين الروس، ثم الاعتذار وتغيير المعاملة بعد التأكد من جدية الموقف المصرى وأننا أتينا فعلا لغرض بحث موضوع التعاقد وليس لهدف آخر. لذلك يخطئ من يظن أنه بعد كل هذه السنوات أو تغير العلاقات أن عقدة السادات قد طواها النسيان أو توارت إلى غير رجعة، إذ إنها تطفو إلى السطح كلما ظهر ما يثير الشك لدى الجانب الروسى من بعض التصرفات المصرية التى قد لا يجد لها تفسيرا مقنعا من وجهة نظره.
الخلاصة إذن أن هناك حساسيات يجب أن تؤخذ فى الحسبان عند التعامل مع الجانب الروسى، وهو الأمر الذى يفرض علينا العمل على تبديد أية هواجس أو شكوك لدى موسكو، ومضاعفة الجهد فى هذا الشأن فى ضوء الأهمية التى توليها مصر لعلاقاتها المتشعبة مع روسيا. وهو ما سيلقى على الأرجح ترحيبا روسيا نظرا للأهمية الإستراتيجية التى توليها موسكو لمصر، ورغبتها الدائمة فى تعزيز العلاقات معها.

التعليقات