كل شىء سياسة حتى الأدب - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 9:59 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كل شىء سياسة حتى الأدب

نشر فى : السبت 24 فبراير 2018 - 9:40 م | آخر تحديث : السبت 24 فبراير 2018 - 9:48 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب «أحمد خميس»، يتناول فيه العلاقة الوثيقة بين الأدب والسياسة، حيث لعبت الرواية دورا مهما فى التعبير عن القهر السياسى والإرهاب الفكرى والتعذيب المادى والمعنوى الذى عانت منه الشعوب العربية فى ظل الاستعمار.

يبدأ الكاتب حديثه بالإشارة إلى المقولة الشهيرة للروائى السويسرى جوتفريد كيلر «كل شىء سياسة»، كان مُدركا مدى الارتباط الوثيق بين الأدب والسياسة. فكل فعل أو رد فعل أو فكر أو عاطفة أو سلوك يرتبط بحياة الإنسان وبصراعات المجتمع والدولة، أى يرتبط بالسياسة، سواء كان ذلك عن وعى أم عن غير وعى. فقد ظل الأدب هو المتنفَس الوحيد للنقد الاجتماعى والسياسى، وخصوصا فى الدول ذات الأنظمة التسلطية أو الشمولية أو حتى الهجينة.

الأدب أداة من أدوات التغيير السياسى والاجتماعى، ويعبِّر عن روح الأمة وأزماتها وطموحاتها، من خلال تنوير الجماهير والقادة على حد السواء بحقيقة الأوضاع السياسية والاجتماعية، وتجسيد أزماتها العامة، وتصوير كيفية الخلاص، بحيث يتم ذلك فى الرواية مثلا من خلال الشخصيات.

ولقد زخر تاريخ الأدب الروسى بالعديد من النماذج الدالة على ذلك، وحقَّق هذا الأدب العالمية من خلال اهتمامه بالأوضاع السياسية والاجتماعية ونقدها، والتوجه نحو تصور مستقبل أفضل. فكان الكُتاب الروس مُعلمى شعبهم وقادته. وكذلك الحال بالنسبة إلى الأدب العربى، الذى لم يكُن بمعزل عن السياسة منذ نشأته، إذ اهتم بالأحوال السياسية والاجتماعية للشعوب والقادة العرب على السواء. فرواية «عودة الروح» لتوفيق الحكيم أثَّرت فى تشكيل فكر الزعيم الراحل جمال عبدالناصر وفى تكوينه.

كما تناول الأدب العربى مختلف القضايا والأزمات التى تعرَّض لها العالَم العربى كمقاومة المحتل أو المُستعمِر القديم والجديد، ونقد القهر السياسى ونقضه، وطالَب بالحرية. وبالتالى كان الأدب بمنزلة أداة للوعى السياسى وللتغيير فى الوقت ذاته.

• الأدب أداة للوعى السياسى

عبَّرت الرواية العربية عن أساليب القهر السياسى من خلال تصويرها واقع القمع والاضطهاد والتعذيب الذى سيطر على الحياة السياسية العربية وقامت بإبرازه. هذا القمع الذى كبَّل الإنسان العربى، وغيَب حقوقه الإنسانية العامة والخاصة، ومنعه من تناول أمور مجتمعه ووطنه بحرية وديمقراطية. فناهضت الرواية العربية القهر السياسى والإرهاب الفكرى والتعذيب المادى والمعنوى. وعلى الرغم من مصادَرة المستعمِر الصحف، والكتابات الوطنية المُباشرة، فإن الرواية لعبت دَور البديل عن الصحافة المُصادَرة، بما تملكه من أدوات تعبيرية، بحيث عبرت عن رفض الشعب العربى للاستعمار وحثَت على مقاومته. فصوَرت الرواية العربية مقاوَمة المحتل بصوَر عدة، أبرزها: المقاوَمة الكلامية، ومقاوَمة الشعب، والأعمال الفدائية، والنضال السياسى والحزبى.

لقد قدَّم الروائى عبدالكريم غلاب نموذجا عن ارتباط الرواية بحركة المقاوَمة الوطنية من خلال سيرته «سبعة أبواب» وثنائيته الروائية «دَفَنا الماضى»، و«المعلم على». وجاء تصويره لمدينة فاس المغربية، مدينة التراث العربى والإسلامى، تعبيرا عن صلابة المقاوَمة المغربية. وفاس هى العاصمة الأولى للمغرب، وفيها أقدم جامعة عربية إسلامية فى العالَم فى جامع القرويين، وخرج منها عظماء المسلمين أمثال ابن خلدون، وابن الخطيب، والبطروجى، وابن باجه، وابن ميمون.

ينقل غلاب كلمات المحقِق الفرنسى (المحتل) معه فى السجن وانطباعاته عن قوة فاس وتأثيرها الكبير فى أعدائها، فى روايته «سبعة أبواب» (1965)، كما يلى:

– «اسمك..؟ اسم أمك؟ اسم أبيك؟ محل ولادتك...؟
– فاس.
– آه.. أنتَ من فاس.
ــ وبرقت عَين الرجل، وما استطعت أن أفسر المعانى التى تداعت فى نفسه وهو يسمع كلمة فاس، ويردِد الكلمة فى حنق وغيظ. فلمدينة فاس فى قلوب هؤلاء المحتلين ذكريات سيئة، ولأهل فاس فى نفوسهم مكان غير مكان المُدن الأخرى».

ويطرح الروائى مبارك ربيع فى روايته «الريح الشتوية» (1977) معاناة الإنسان المغربى من جراء سيطرة الاستعمار الفرنسى على أرضه واقتصاده، ويُطلق على بطل الرواية اسم «العربى» إدراكا منه للقضية الوطنية المتمثلة فى ضرورة تخلص العالَم العربى من المحتل أيا كان. ويؤكد على معنى «فشل العربى فى استرداد أرضه عن طريق العدالة الفرنسية»، فيصوِر تجمع الفلاحين المغاربة عند لجوئهم إلى ساحات المَحاكم وقُضاتها الفرنسيين بحثا عن العدل، بينما يعلو تمثال بطل فرنسى يجلس تحته الفلاحون بانكسار، فيتم التقابل بين عظمة التمثال، وضآلة المنتظرين لمصيرهم.

وفى رواية «شرق المتوسط» لعبدالرحمن منيف، ثمة عبارة بكلمات قليلة ومعانٍ كبيرة: «هذا واحد من شعب سجين»؛ عبارة قالها الطبيب الفرنسى الذى سأل البطل عن أسباب أمراضه وتاريخها، فأرجعها الأخير إلى التعذيب الوحشى فى السجن.
هكذا، مثَل الأدب بحق أداة للوعى السياسى العربى سواء فى تصوير سلوكيات المحتل البربرى والعدوانى والغشيم وتصرفات، أم فى تصوير مقاومته.

• الأدب أداة للتغيير السياسى

بعد رفع درجة الوعى السياسى تأتى المُناداة بالحرية، والاستقلال. بمعنى آخر، تأتى مرحلة التغيير التى ينعم فيها العرب بحريتهم وبمستقبل أفضل. وفصل الأدب كأداة للوعى السياسى عن الأدب كأداة للتغيير ما هو إلا فصل تجريدى، الهدف منه فهم عميق للأداتَين، مع الاعتراف بأن الواقع لا يعرف هذا الفصل. فنجد «حمزة» بطل رواية يوسف إدريس «قصة حب» يتمسك بمصر وشعبها عن يقين وثقة بتوافر عناصر المقاوَمة الوطنية التى لا تنتظر سوى التنظيم. وعندما يهرب من أيدى السلطة لا يفعل ذلك خوفا من العقاب، بل حرصا على استمرار المقاوَمة الوطنية الصلبة التى لا تلين، فحمزة عضو فى اللجنة العامة للكفاح المسلح.

فى رواية «قصة حب» أيضا، يبدو الشعبُ مصدرَ إلهام بطل الرواية «حمزة» ومصدر إيمانه؛ إذ اتخذ من الحب وسيلة لامتزاجه بوجدان الشعب وانتمائه للمجتمع. كما أن ازدياد الإرهاب كان حافزا لاشتداد النضال والعمل على التنظيم وازدياد الثقة بالناس.

فى رواية «العودة إلى المنفى» لمحمد أبو المعاطى، قام البطل المُقاوِم عبدالله النديم بمهمة تثوير الجماهير، وتسيسها، وتطوير أفكارها، من خلال «الطائف» الجريدة الشعبية التى أصبحت الجريدة الرسمية للثورة، ونادى بضرورة قيام قادة الثورة بالحسم وعدم التردد مع أعدائهم فى الداخل أو الخارج. إذ يتساءل: «ترى هل جاء الوقت ليقف هؤلاء الرجال على أرجلهم، مُنتصبين فى وجه الشمس؟ ترى هل جاء عصر الحشود الكبيرة، العامة؟».

ونادى أيضا بأن «الجنة للشهداء، ومصر للمصريين، مصر التى حلم بها دائما، وأثارها فى أحلامهم: مصر بلا ديون، وبلا سخرة، وبلا ضرائب ظالمة، ومصر الجيش للجنود، ومصر الأرض للفلاحين، ومصر الوظائف والإدارات للمتعلمين، ومصر المَدارس والمصانع للأطفال والشباب، ومصر الحرية والكرامة للجميع».

وتمثِل رواية «بين القصرَين» للأديب المصرى والعربى والعالَمى نجيب محفوظ، إدراكا لحقيقة الواقع ومناداة بضرورة تغييره لتحقيق الاستقلال. فيقول «الشيخ متولى» إحدى شخصيات الرواية إن «الإنجليز لن يخرجوا إلا بالقتال وليس بالوفود المُسافِرة إلى الخارج».

وتمثل رواية «القطار» لصلاح حافظ أداة للوعى والتغيير السياسيين فى الوقت عينه، إذ أشارت إلى أحداث ثورة 1919، حيث جاء فيها: «والله إن جابوا عسكر البلد كله، ما ينفع إحنا عملنا جمهورية من ثلاثين سنة»، فضلا عن تقديمها صورة المسجونين الثوريين فى مواجَهة أزمة الحرية: «ويطالبون بأشياء كثيرة مزعجة، وكاد المدير يجن ولكنه لم يستطع أن يفعل شيئا، وقد وافق على كل ما أرادوه، وتحول السجن إلى فوضى، ولم يعُد أحد يدرى كيف يكلِم المسجونين». وكان الحل الوحيد للتخلص منهم حملهم فى قطار إلى المنفى فى أقصى الجنوب.

كما بشَر الكاتِب بانتصار الثوار ونجاحم فى قيادة الجماهير المصرية طولا وعرضا، على الرغم من أنهم محبوسون فى قطار، مقابل انتظار الجماهير فى آخر محطة للقطار فى الجنوب، وكثافة وجود العساكِر حول المحطة ومنْعهم من اقتراب أى شخص منها: «فهمتُ أن هناك خيرا ستصيبه إذا دخلت المحطة… وإلا فلماذا يضرب العساكر الذين يقتربون؟ إن مهمة العساكر دائما هى أن يمنعوا الخير عن الناس… وعلى الناس عندئذ أن يُقاتِلوا… وهكذا اندفعت الموجة الجديدة كالطوفان… فاكتسحت فى طريقها العملاق الأسمر… وتعالت الأصوات بالشعار الثورى كالرعد: الأرض للفلاحين».

ويختتم الكاتب حديثه قائلا: «هكذا تعددت الروايات التى عبرت عن الواقع والطموح، عن الآلام والأحلام، عن الكابوس والغد المُشرِق، فجاء تعبيرها راصدا لواقعٍ سياسى مرير فى الكثير من الأحيان كأداة للوعى السياسى ــ وفى فترات كثيرة كأداة وحيدة ــ للجماهير والقادة، كما كانت أيضا أداة تنشد التغيير وترسم مساره ــ كأداة وحيدة فى أغلب الأحيان ــ إلى أن توصله إلى بر الأمان».

النص الأصلى: 

التعليقات