الحريري في أحضان الأسد - عماد الدين حسين - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 3:57 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحريري في أحضان الأسد

نشر فى : الأربعاء 23 ديسمبر 2009 - 10:13 ص | آخر تحديث : الأربعاء 23 ديسمبر 2009 - 10:13 ص

 هل هناك ما ينبغى علينا أن نتعلمه فى مصر من زيارة سعد الحريرى رئيس الحكومة اللبنانية إلى العاصمة السورية دمشق قبل يومين؟
نعم.. خصوصا بعد الأزمة الطاحنة مع الشقيقة الجزائر فى أعقاب مباراة 18 نوفمبر فى السودان..

معلوم أن رفيق الحريرى رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق والملياردير العربى الأشهر قد تم اغتياله فى قلب بيروت ظهر 14 فبراير 2005.. أسرته وحلفاؤه من قوى 14 آذار والسعودية وأمريكا وإسرائيل، اتهموا سوريا وحلفاءها خصوصا حزب الله بالجريمة.

بعد الاغتيال جرت فى النهر مياه كثيرة انتهت بالخروج السورى من لبنان، وانقسام اللبنانيين، بل وانقسام العرب أنفسهم، ثم تشكلت محكمة دولية للتحقيق، لم ينته عملها حتى الآن. المهم أن عائلة الحريرى وأنصاره، لم تترك تهمة إلا وألصقتها بالسوريين.. قالوا فى السوريين أكثر مليار مرة مما قاله مالك فى الخمر، ورد السوريون بطبيعة الحال وألصقوا بعائلة الحريرى كل التهم الممكنة وغير الممكنة من سرقة أموال لبنان إلى العمالة لكل أجهزة المخابرات من السى آى إيه والموساد إلى السعودية والخليج.

لم يكن عربى يتخيل أن تصافح يد سعد الحريرى يد بشار الأسد بعد كل ما حدث.. لكننا نحن العرب فقط الذين نتخيل ذلك، بسبب أننا لم نمارس السياسة ولا نريد أن نتعلم أسسها ومبادئها وطرقها. الذى حدث أن الحريرى زار دمشق، وبات فيها، وركب سيارة الأسد الشخصية، والتقى معه فى ثلاث جلسات طويلة، خرج بعدها ليقول إن الزيارة تاريخية، وإن نتائجها ستنعكس على شعبى البلدين قريبا، وناشد الإعلام ألا يفتح الجروح بعد أن تم طى صفحة الماضى تماما.

جانب كبير من إعلامنا العربى لايزال يتعامل مع الخلافات وكأنها أبدية، لا يؤمن أن هناك حلولا وسطا، وأن كل القضايا نسبية، وفى عالم السياسة لا يوجد خير محض وشر محض، لا يمكنك أن تلغى خصمك ومنافسك وحتى عدوك من الوجود لمجرد أنك لا تحبه، أو اختلفت معه فى قضية ما. الكويت لا يمكنها تغيير الجغرافيا بحيث تكون جارتها السويد وليس العراق، وكذلك الأمر بين البحرين وإيران أو بين تركيا والأكراد أو بين إثيوبيا والصومال، أو بين أمريكا والمكسيك، أو بين مصر والسودان. حتى الأعداء بعد حروبهم الطاحنة يجلسون معا، ويتفاوضون، وحرب داحس والغبراء بين قبيلتى عبس وذبيان والتى استمرت أربعين عاما ينبغى ألا تكون نموذجا لنا.

الكلام المعسول والأحضان الدافئة بين الأسد والحريرى ينبغى أن تكون رسالة لكل السذج والمندفعين الذين طالبوا بإلغاء الجزائر من الوجود، وأن تكون رسالة للحكومة بأن علاقتها التاريخية مع دمشق ينبغى أن تحتل الأولوية على حساب المشاعر الشخصية وألا تنتظر ضوءا أخضر من العاصمة كى تصالح السوريين أو الإيرانيين.

وإذا كانت حكومتنا صافحت ــ ولاتزال ــ الشيطان نفسه ممثلا فى الإسرائىليين، ألا ينبغى أن تطبق نفس القاعدة مع الأشقاء.

عماد الدين حسين  كاتب صحفي