اتفاقيات مشاركة الإيراد يا صانع القرار - مدحت نافع - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 4:43 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

اتفاقيات مشاركة الإيراد يا صانع القرار

نشر فى : الإثنين 23 يوليه 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 23 يوليه 2018 - 10:20 م

إذا كنت ممن اصطدم بمعوقات تطوير مرافق الدولة أو المؤسسات والشركات المملوكة للدولة ملكية خاصة فستدرك جيدا اهمية البحث عن آلية للشراكة مع القطاع الخاص تحتفظ خلالها الدولة بملكية الأصل وتدع للقطاع الخاص مهمة تطوير وتأهيل ذلك الأصل، على أن تشترك معه فى تحصيل الإيراد الناتج عن عمليات التطوير والتأهيل. تلك الآلية يمكن أن تتواجد فيما يطلق عليه اتفاقيات مشاركة الإيراد revenue share agreements وهى صورة من صور المشاركة بين القطاعين العام والخاص، التى يتم خلالها تعظيم العائد من أصول مهملة لا يمكن للدولة استغلالها بأذرعها الفنية المحدودة، ومحفظتها المالية المنهكة، فى حين يملك القطاع الخاص المحلى والأجنبى أدوات فنية وفوائض مالية وبدائل تمويل رخيصة، مصدرها أوروبا تحديدا حيث يكون معدل libor بالسالب أحيانا، مما يجعله قادرا على تأهيل الأصول وتطويرها والاستفادة من اتساع السوق المحلية، وامتداد المرافق وتوافر العمالة الرخيصة، وتوافر الموانئ، من أجل تحقيق أرباح يقتسمها مع مالك الأصل.
القانون 203 لسنة 1991 يسمح لشركات قطاع الأعمال العام فى سبيل تنمية الاقتصاد القومى، تأسيس شركات مساهمة بمفردها أو بالاشتراك مع الأشخاص الاعتبارية العامة أو الخاصة أو الأفراد، وهذا يختلف عن الدعوة إلى مناقصات عالمية بغرض تطوير المصانع والشركات، لأن اتفاقية الشراكة تجبر المطور على تحمل نصيبه من المخاطر والأعباء التمويلية، فى حين أن المتناقص لا يعنيه سوى الانتهاء من المقاولة التى تقدم إليها وفى أحسن الأحوال يقدم بعض ضمانات التشغيل والتدريب وإدارة المشروع (بمقابل مالى كبير ودون مخاطر تذكر). لكن القانون عند وضعه لم يكن يرى سبيلا للشراكة بخلاف تأسيس الشركات الجديدة، لكن تطور بدائل وأدوات التمويل سمحت بظهور منتجات مالية جديدة مثل سندات الإيراد وصكوك التمويل التى تصدر بضمان مشروع بعينه أو أصل يتم استغلاله وليس بضمان الشركة مالكة المشروع أو الأصل.
ما زال هذا النوع من المنتجات المالية غير موجود فى بلادنا وإن كان قانون سوق رأس المال الصادر برقم 95 لسنة 1992 فى بابه المخصص للسندات والصكوك قد ترك الباب مفتوحا أمام ظهور صكوك التمويل وسندات الإيراد على اختلاف أنواعها.
***
من هنا وجبت إعادة النظر فى الإطار التشريعى الحاكم للشركات والأصول المملوكة للدولة ملكية عامة أو خاصة كى يسمح بدخول ممثلى حصة المال العام فى اتفاقيات مشاركة الإيراد التى تعد مخرجا سريعا وآلية مضمونة لتطوير وتأهيل مرافق الدولة وأصولها بأقل تكلفة، دون الوقوع ضحية لعمليات بيع غير مدروسة أو حتى تأجير بحق انتفاع يختفى خلاله دور الدولة كمالك للأصل لفترة زمنية طويلة، وكذلك ينخفض الإيراد كثيرا عما إذا كان المال العام «شريكا» فى تشغيل المشروع وليس مجرد مؤجر له.
بالتأكيد يجب تنظيم عمليات الشراكة كى تضمن حدا أدنى من كفاءة الأطراف التى تقبل الدولة بمشاركتها، وتضمن معايير واضحة ومحكمة لاتفاقيات مشاركة الإيراد، ولحالة الأصل أو المشروع أو المصنع.. الذى يتم تأهيله وفقا لتلك الاتفاقيات، كما تضمن آلية للتخارج من الشراكة تكون مرضية للطرفين وضامنة لعدم تعرض أيهما لخبرات سلبية تفسد التجربة برمتها عبر إشارات سلبية لا سبيل إلى التخلص منها بسهولة.
اتفاقيات مشاركة الإيراد تأخذ صورا عدة لكنها جميعا تتضمن اقتسام الأرباح والخسائر التشغيلية بين مجموعة من الشركاء. أحيانا يتم استخدام اتفاقيات مشاركة الإيراد كبرنامج تحفيزى، فأصحاب الأعمال من الصغار ومتوسطى الحجم يمكنهم أن يدفعوا حصة ثابتة من الأرباح لأطراف خارجية تساعدهم فى التسويق لمنتجاتهم، والشركات الكبرى يمكنها أن تعهد بعملية تطويرها بغرض زيادة مبيعاتها لشركات تسويق متخصصة مقابل حصة ثابتة من المبيعات لفترة زمنية تسمح بسداد فاتورة عمليات التطوير.
فى كل الأحوال فإن هذا النوع من الاتفاقيات يقوم على أساس واحد وهو استخدام أرباح المنشأة أو المرفق كأداة لتمكين أطراف خارجيين من زيادة كفاءات التشغيل وتحسين ظروف العمل والإنتاج والابتكار عبر وسيلة ترضى جميع الأطراف. لقد صارت اتفاقيات مشاركة الإيراد واسعة الانتشار تحت مظلة حوكمة الشركات لتشجيع الدخول فى شراكات، وزيادة المبيعات، ومشاركة التكاليف. الأمر لا يقتصر فقط على القطاعين الخاص والعام، لكن تعتمد كل من حكومتى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا على اتفاقيات مشاركة الإيرادات الضريبية بين مستويات مختلفة داخل الحكومتين.
حينما تقوم شركات مختلفة بإنتاج أو الترويج لسلعة بصورة مشتركة فإن عملية اقتسام الأرباح تتم بشكل يسمح بحصول كل شركة على مقابل مجزٍ لجهودها. كذلك، فإن الاتحادات الرياضية للألعاب الشعبية تتبع نظاما لاقتسام عائدات التذاكر بين الأندية المختلفة عبر نظام مشابه. مشاركة الإيراد يمكن أن تتم أيضا داخل المنشأة الواحدة، فاقتسام الأرباح والخسائر بين أصحاب المصالح وحملة الأسهم يمكن أن يتبع نظاما اتفاقيا يختلف عن آليات التوزيع التقليدية للأرباح، وذلك بالطبع عبر اتفاقات تعاقدية بين الأطراف.
مما ساهم أيضا فى اتساع نطاق اتفاقيات مشاركة الإيراد زيادة أنشطة الأعمال والتسويق والدعاية عبر الإنترنت. بات هناك ما يعرف بنموذج مشاركة الإيراد لتكلفة المبيعات cost per sale revenue sharing والذى بموجبه يتم اقتسام إيراد أى مبيعات ناتجة عن إعلانات على الإنترنت بين الشركة مقدمة الخدمة أو السلعة والشركة صاحبة موقع الإعلان. كذلك فإن حصول مطورى صفحات الإنترنت على إيراد نظير كثافة التردد على تلك الصفحات يشار إليه كإحدى صور اقتسام الإيراد.
***
كثير من المشروعات تتم اليوم ومنذ سنوات عبر آليات مختلفة لاقتسام الإيراد. العلاقة بين المؤلف والناشر كثيرا ما تحكمها اتفاقية اقتسام إيراد أساسها تحقيق حجم معين من المبيعات، لكن ما يفسد هذا النمط ويحد من انتشاره هو غياب الإفصاح الوافى عن حجم المبيعات وتكاليفه وصافى الأرباح المحققة... إلى غير ذلك من معلومات مهمة حتى يحصل كل طرف على نصيبه من الاتفاق.
الكثير من المصانع والأراضى والعقارات التى تمتلكها الدولة عبر وزاراتها أو شركاتها القابضة التابعة لقطاع الأعمال العام يمكن استغلالها سريعا وبكفاءة عالية عبر آلية مشاركة الإيراد. الشركة الخاصة التى تمتلك جميع مقومات التطوير والتأهيل لتلك الأصول يمكنها أن تلقى حجرة فى المياه الحكومية الراكدة، يمكنها أن توفر التمويل، أن تتحرك بغير قيود تذكر للحصول على عروض فنية للتأهيل، أن تقوم بالتشغيل أو تعهد به إلى أطراف مختصة لتحقيق حجم وقيمة إيرادات محددة سلفا وتعاقديا مع الجهة المالكة، وذلك كله نظير حصة من الإيراد. قديما عرفت الحكمة الشعبية الخالصة مثلا مضمونه: «أعط الخبز لخبازه وإن أكل نصفه» هذا هو البديل الوحيد المقبول إن أردت أن تأكل شيئا من الخبز، وإلا فعليك أن تحاول عبثا إنتاج رغيف عن غير علم ولا اختصاص فتضيع أموالك وتهدر أقماحك ويفسد منتجك فلا تأكل شيئا.
***
نداء إلى صانع القرار ومن ورائه متخذ القرار، إن أردتم إدرارا لأصول ميتة لا تتحرك، فهناك شغف ورغبة جارفة لدى أطراف محلية وأجنبية لتحقيق ذلك، وهناك فوائض تمويلية فى أسواق التمويل الدولية لن تظل كذلك طويلا، فتلك نافذة مفتوحة الآن وربما لن تنفتح مجددا بذات الكيفية.
التنظيم الجيد يبدأ بمراجعة التشريعات والتى أدعو البرلمان على أن يتصدى لها بالتعاون مع التنفيذيين من الوزارات المعنية. ثم يلى ذلك تصميم تعاقدات مرجعية، وتحقيق قصص نجاح تفتح شهية الدولة والمستثمرين معا على رفع كفاءة مختلف الأصول عبر آلية المشاركة فى الإيراد.

مدحت نافع خبير الاقتصاد وأستاذ التمويل
التعليقات