عندما يسألني أحد عن تخصصي وأقول تصميم الحاسبات يبدأ الجميع في الحديث معي كأني أقوم إما بالبرمجة أو الصيانة، فقبل أن نبدأ في مقال اليوم وشرح ما أقصده من العنوان يجب أن أشرح ما أفعله بالضبط، أولاً لست بمبرمج وقبل أن نسترسل في هذه النقطة دعني أقول لك أن هناك نوعين من البرامج: النوع الأول هو ما نطلق عليه أنظمة التشغيل (مثل الويندوز واللينكس وما شابه) وهي البرامج الوحيدة المسموح لها بالحديث مع الكمبيوتر نفسه أو التحكم فيه، النوع الثاني هي كل البرامج الأخرى وغير مسموح لها بالحديث مع الكمبيوتر، فإذا أراد برنامج ما إظهار صورة على الشاشة فإن هذا البرنامج يطلب من نظام التشغيل إظهار الصورة ونظام التشغيل يتعامل مع جهاز الكمبيوتر لإظهارها، عملي هو تصميم جهاز الكمبيوتر نفسه وفي ما يتعلق بالبرمجيات أتعاون في بعض الأحيان مع مصممي أنظمة التشغيل، ولا علاقة لي بأية برامج أو برمجيات أخرى.. إذا إفترضنا أن الكمبيوتر نفسه كجهاز هو السيارة فالمبرمجين بعامة (وليس مبرمجي أنظمة التشغيل) هم ما يقومون مقام السائق، من صمم السيارة قد لا يقودها بمهارة سائق لا يعرف شيئاً عن مكوناتها.. ننتقل الآن لكلمة كمبيوتر، عندما تسمعها أول أو قد يكون كل ما يخطر ببالك هو اللابتوب الذي تعمل عليه أو جهاز التابلت ولكن الموضوع يتجاوز ذلك بكثير: الكمبيوتر هو تليفونك المحمول، الكمبيوتر يوجد داخل الطائرات بل وعلى أجنحة الطائرات، الكمبيوتر يتحكم في أجهزة روبوت تساعد في بعض العمليات الجراحية، الكمبيوتر يتحكم في مركبة مثل كيريوزيتي (Curiosity) التي أنزلتها ناسا على سطح المريخ لجمع عينات وتحليلها، عندما تدخل على حسابك في فيسبوك أو تويتر أو ما شابه فأنت تكلم أجهزة كمبيوتر عملاقة موزعة في أنحاء العالم، الكمبيوتر يراقب التربة ويحلل نسبة الأملاح ويحدد كمية المياه اللازمة للري ونوعية السماد لنبات صحي وبدون تدخل من الإنسان، بمعني آخر: الكمبيوتر يهيمن على أغلب أنشطة حياتنا حتى وإن لم نعرف ذلك.. الكمبيوتر هو من يساعد، بعد الموهبة طبعا، في صناعة محترفين مثل محمد صلاح.

لا نستطيع أن ننكر أن كرة القدم هي اللعبة الشعبية الأولى في العالم وبإمكانها تحريك شعوب وتعتبر في بعض الأحيان أداة في يد الساسة، وهذه الساحرة المستديرة تعتبر "ساحرة" نتيجة أداء اللاعبين المحترفين على أرض الملعب، لكن كي نحصل على هؤلاء المحترفين يجب أن نصنعهم، نعم إنها صناعة، يجب عليك اكتشاف المواهب من سن صغيرة ثم رعايتها بدنيا ونفسيا حتى تصل للمستوى المطلوب، هذه الرعاية تتطلب قياسات على مدار الساعة للتنفس والنبض وحركات العضلات بل وتحركات العينين وجودة النوم وسرعات الاستجابة ثم يقوم الكمبيوتر بتحليل كل ذلك ليخرج بخطوات تساعد على تحسين أداء هذا الشخص بدنيا ونفسيا وتحسين أداءه في الملعب مع فرقته، كأن الكمبيوتر يكتب "روشتة" لكل لاعب على حدة، إذا نظرنا إلى لعبة مثل التنس فنجد الكمبيوتر يحلل ضربة البداية لللاعب ويرى كم الوقت الذي يستغرقه المضرب حتى يرتطم بالكرة وفي أية بقعة من المضرب وما هي الزاوية وهل يمكن تحسين كل ذلك، إذا قياسات مستمرة وتحسين على مدار الساعة.. هكذا يُصنع المحترفون مثل محمد صلاح وميسي ورونالدو في كرة القدم وهذه أحد فروع الحياة التي غزاها الكمبيوتر، بدونه (وبدون عوامل أخرى ليس هنا مجال ذكرها) لكانت الأرقام القياسية في مختلف الرياضات منذ مائة عام أشبه بالأرقام في أيامنا هذه.

حيث أننا نتكلم عن كرة القدم وهذه الأيام حديث الساعة عن فريقنا القومي في كأس العالم فقد أخذت أفكر لماذا كرة القدم بالذات وليست رياضة أخرى ومن فضلك لا تذكرني بنتائجنا الأفريقية في كرة القدم فنتائجنا في كرة القدم منذ بدء اللعبة في مصر لا تساوي شيئا بجانب نتائجنا في الإسكواش مثلا فنحن نتصدر العالم حاليا وبلا منافس: هل تعرف أن أربع من العشر الأوائل في العالم سيدات من مصر، منهن أول ثلاث؟ وفي تصنيف الرجال ستة من العشر الأوائل من مصر منهم الأربعة الأوائل؟ هل تعلم أن من فازوا بأغلب البطولات الدولية في الإسكواش في السنين الماضية أغلبهم من مصر وفي بعض الأحيان يكون النهائي مصري خالص وهذا يدل على قدراتنا على العمل والتدريب باحترافية، أعتقد أن كرة القدم هي فقط ما تعودنا عليها وهي سهلة المتابعة بعكس اللعبات الفردية.. وهذا أيضا يقول إننا يمككنا إن أردنا أن نتدرب ونلعب باحترافية ولكننا لا نملك روح الفريق لذلك نتائجنا جيدة في بعض اللعبات الفردية وليست اللعبات الجماعية.

السؤال الذي يحيرني: لماذا لا نبرع في لعبة مثل التنس والبينج بونج مثلا؟ هل لا يقوم الكمبيوتر بواجبه؟ هذا يحتاج إلى دراسة حتى نبرع في عدة رياضات وليس رياضة واحدة بمجهود فردي ونستخدم الكمبيوتر بشكل احترافي.