إلى الأستاذ «العزبى».. بعلم الوصول! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

إلى الأستاذ «العزبى».. بعلم الوصول!

نشر فى : الجمعة 22 ديسمبر 2017 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 22 ديسمبر 2017 - 9:25 م
يولد الأسلوب، ويظهر العالم الخاص للفنان أو الكاتب، كمحصلة طبيعية للإنسان نفسه، وكأنه عطر يخرج من زهرة امتصت من الأرض والماء والهواء أشياء كثيرة مختلطة، بل أحيانا، الأسلوب هو الرجل ذاته؛ بجانبيه الفنى والإنسانى، ولهذا فكل من اشتغل على موهبته، وثقافته الشخصية، صار له أسلوبه الخاص، الأسلوب نتيجة، وليس سببا كما يظن البعض.

وكل أساتذتنا الكبار فى الصحافة امتلكوا هذا الأسلوب، كل حسب ميوله وثقافته وتخصصه، وصار هناك إجماع على أن كل واحد من هؤلاء له مدرسته وسمته: محمد التابعى، فكرى أباظة، محمد حسنين هيكل، إحسان عبدالقدوس، مصطفى أمين، أحمد بهاء الدين، عبدالرحمن الشرقاوى، فتحى غانم، صلاح الدين حافظ، موسى صبرى، وأنيس منصور، وآخرون..

ويلحق بهذا السلسال الذهبى أحد نبلاء هذه المهنة وشيوخها الأجلاء، الأستاذ الكبير محمد العزبى، كما تجلى فى كتابه الأخير؛ الجميل الممتع، «صحفيون غلابة ــ الكتابة بنظر 6/ 60»، الصادر عن دار دلتا للنشر والتوزيع.

يدهشنى القدير محمد العزبى بهذه السلاسة والنصاعة والخفة التى كتب بها هذه «الفصول/ المقالات» الرشيقة الممتعة.

منذ زمن طويل لم أقرأ شيئا خالصا فى الكتابة الصحفية «البحتة»، بمفهومها الكلاسيكى، الأصيل، الفاخر، مثل هذه الفصول. 

صحافة حقيقية، وكتابة رائقة لا تخلو من المعلومة، وفيها التاريخ والذكريات، وفيها التحليل المشع، وفيها اللمحة الذكية اللامعة، وفيها السخرية اللاذعة التى تنخز ولا تجرح، صحافة تجافى النقل الماسخ، والركاكة الفجة السائدة الآن، وتنفر من التهويل والبروباجندا والانتفاخ الزائف.

كتابة تنتمى إلى الصحافة الأصيلة التى تحترم قارئها وتجله، ومن أجله يظل الكاتب يقرأ كما التلميذ «الشاطر» المجتهد، يقرأ ويتابع القراءة ويواظب عليها، حتى لو ضعف بصره، وكان له الحق فى أن يستريح.. تقرأ المقال فتشعر أنك ترغب فى معاودة قراءته للاستمتاع فقط، للبهجة التى تشيع فى روحك ونفسك، وأنت تتذكر أسماء صحفيينا الكبار وأساتذتنا العظام، الذين كان الواحد منهم يكتب مقاله، وهو يرتجف انتظارا لرد فعل قرائه على ما يكتب..

كان هناك صحافة، وكان هناك كبار، وكان هناك قراء!.

ثم فوق ذلك كله، يظهر بين ثنايا الفصول والمقالات الحرص على التواصل مع الأجيال الجديدة، يحرص على دعم الموهوبين منهم ومتابعتهم، يحيى تقليدا أصيلا كاد يندثر، ويعقد حلقة الوصل بينه وبين أجيال لم يعد كثيرون يأبهون لها. لكن هكذا أصحاب النفوس النبيلة والتكوين الأصيل، الذى تعود على الجودة والامتياز لا يستطيع الاستغناء عنهما، أبدا.

كم من مكالمة تليفونية غاية فى الرقة والتواضع والرقى سعدت بها من الأستاذ الكبير، أسعدنى بها وأخجلنى بإشاداته وتقديره ومتابعته الدقيقة الدءوب لما أكتبه هنا فى «الشروق»، وأنا الذى لم أتشرف بلقائه ولا سعدت برؤيته ولو مرة واحدة!.

ولعل أكثر ما يسعدنى ويضاعف الدين فى عنقى تجاه الأستاذ، وكل أستاذ تعلمت منه وتأثرت به وتتلمذت على يديه ــ بشكل مباشر أو غير مباشر ــ هو التأكيد على أن السعى وراء القيمة والبحث عنها بكل ما أوتيت من جهد واستطاعة لا بد فى النهاية أن يقدر، وأن يأتيك اعتراف جليل ــ هو فى الحقيقة وسام لا يقدر بثمن ــ يغنيك عن أى شىء آخر، ويحق لكل مخلص قابض على الجمر فى هذه المهنة أن يفخر بتواصله مع قيمة كبيرة وقامة جليلة وتاريخ عريض مثل الأستاذ محمد العزبى.

أشكرك أستاذى القدير محمد العزبى على هذه الواحة العذبة التى ظهرت فجأة فى صحراء قاحلة، كانت فى الأصل «جنة وارفة» ليس للأصفر فيها مكان، فانقلب الحال وتقلص اللون الأخضر وانحسر أمام طغيان الأصفر حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه!

وكل الشكر لدار دلتا، ومدير نشرها الصديق الواعى والتلميذ المخلص لهؤلاء الكبار، محمد هشام عبيه.. يثبت دائما ــ كما كنت أراه ــ أنه «قائد فريق ذكى» و«مدير ناجح» و«مشرف ممتاز» على البحث عن الأفكار الملهمة وتنفيذها.