تجديد اللغة والمساواة - صحافة عربية - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 11:47 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تجديد اللغة والمساواة

نشر فى : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : السبت 22 سبتمبر 2018 - 9:50 م

لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات تغييرية لغوية جادة فى اتجاه تعابير أكثر عدلا ومساواة وإنسانية. دعى عنك من يقولون إن هذه مبالغات فى قراءة أثر اللغة وتأثيرها، فتأثير اللغة نعيشه ونعايشه كل يوم، ودع عنك من يحذر من أى تطوير للغة بحجة أنها لغة القرآن المقدسة التى لا يجب المساس بقواعدها، فالقرآن تحفظه صدور الناس وإيمانياتهم لا قوانين لغوية صارمة تعاند الزمن. اللغة التى لا تتطور تموت ولن ينقذها تقديس أو حماية، واللغة التى تميز بين الناس صانعة فروق وطبقات هى لغة مدانة بتدمير المجتمع، كما أنها مدانة بحمل آفات هذا المجتمع وتسويق خطاياه.
ليس المسلمون وحدهم هم أصحاب الإيمان بقداسة كتابهم وعليه بقداسة لغتهم ووجوب المحافظة عليها من كل تغيير. العديد من أصحاب الديانات الهندية القديمة على سبيل المثال، كان عندهم المعتقد ذاته، فكانوا يرون أن كتب The Vedas لا يمكن أن يطالها تغيير، وأن محاولة تحريفها ستستجلب كوارث طبيعية هائلة.
كان نتاج تقديسهم للغة كتبهم، وهى اللغة السانسكريتية، ورفضهم لأى تغيير أو تطوير ينالها، إن ماتت هذه اللغة وما عاد لها استخدام فى زمننا المعاصر. وعليه فإن المقاومة المستمرة لمجمع اللغة العربية وللآراء اللغوية العامة لأى مشروع تطويرى للغة العربية ولأى محاولة تعريب لأى كلمات غير عربية، هى ما تتسبب فى تهميش العربية الكلاسيكية وإبعادها تماما عن الاستخدام العام، هذا غير أن هذه المقاومة تسببت فى نفور الأجيال الجديدة من هذه اللغة، نظرا لصعوبة تعابيرها وتعقيدها الذى لا يتناسب وروح العصر الخفيفة والسريعة، وكذلك نظرا لصعوبة وتعقيد قواعدها التى تجعل من هذه اللغة واحدة من أصعب لغات العالم.
إلا أن التغيير الذى يجب أن يطال اللغة يتعدى الحاجة للتجديد والتبسيط وكرم استقبال الكلمات الأجنبية (والتى هى حاجة ملحة نظرا لأن اللغات الأوروبية تحديدا هى ليست فقط لغات العلم ولكنها لغات التواصل الإنسانى بمعانيه المختلفة اليوم)، تغيير اللغة العربية يجب أن يطال جذرها التمييزى بين الذكر والأنثى والذى خلق حالة فكرية تفريقية حقيقية فى حياتنا. فالجنين ذكرا، نشير له بهو، إلى أن تثبت إدانته الأنثوية، ثم الإنسان عموما ذكر فى كل إشارات اللغة العامة إلا إذا كانت هناك حاجة لمخاطبة أنثى مباشرة. العام ذكر والخاص أنثى، القاعدة ذكر والاستثناء أنثى، وهذه القاعدة اللغوية الخطيرة ساهمت إلى حد بعيد فى تنصيب الذكر النوع الإنسانى الأول، أو أنها ساهمت فى توزيع هذه الفكرة وتثبيتها، حيث إنه لم يتم البت تحديدا فيم إذا كانت اللغة تخلق الفكرة فى رءوس المتحدثين بها أم أنها تعكس ما فى رءوس المتحدثين، أى فيم إذا كانت اللغة تخلق الفكرة أم الفكرة تظهر فى اللغة وتصنعها.
فى كل الأحوال، تحتاج اللغة لتصفية حقيقية من التعابير والكلمات التمييزية فيها، فبين عانس وعازب، وسن اليأس وسن النضج، تتضح مكانة المرأة المتحدثة بالعربية والطريقة التى ينظر بها المجتمع لها. فاللغة العربية بتشكيلها الحالى هى «تذكر» المجتمع بأكمله، فكما قال الباحث المصرى حسام الحداد لـ«القدس العربي» منذ سنوات إنه «يمكن لرجل واحد أن يلغى مجتمعا من النساء فى تذكير الأفعال حيث يشار إلى هذا الجمع بصيغة المذكر». كما أن اللغة العربية ببعض تعابيرها الحالية تخلق أو تثبت تلك الكينونة العاجزة سريعة انتهاء الصلاحية للمرأة، والتى لن يتأتى تغييرها إلا مصاحبا لتغيير اللغة التى تعبر عنها. هذا ونتمنى أن نرى هذا التغيير منعكسا كذلك على اللهجات المختلفة والطريقة التى يتم التعبير فيها عن المرأة من خلالها، فالمرأة ليست «حرمة» واسمها ليس عورة كما هو مستخدم ومستشعر فى كل الدول الخليجية والعديد من الدولة العربية. إن تغيير مفردات اللغة وتعابيرها هو تغيير لمفردات المجتمع وطرائق تفكيره، فإذا ما بقيت اللغة متجمدة فى ثلاجة الخوف والقداسة، سيبقى المجتمع كله متثلجا كذلك معها، لا يستشعر دفء الحاضر ولا يرى شمس المستقبل. إنقاذ اللغة فى تطويرها وفى تليينها، والأهم فى تطويعها لمبادئ ومفاهيم العدالة والمساواة وحقوق الإنسان.

ابتهال الخطيب
القدس العربى ــ لندن

التعليقات