بوتين وروسيا.. خط مباشر - صحافة عربية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 1:21 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

بوتين وروسيا.. خط مباشر

نشر فى : الجمعة 22 يونيو 2018 - 9:25 م | آخر تحديث : الجمعة 22 يونيو 2018 - 9:25 م

كعجائز ثرثارات لا يتوقفن عن الكلام، ولو لسماع ما يقلنه، لأنهن يتكلمن أصلا حتى لا يسمعن ولا يفكرن. هذه علة الإعلام الغربى الليبرالى مع «بوتين» وروسيا، فكيف ننتظر منه متابعة خط بوتين المباشر مع الجمهور، وقد استغرق أربع ساعات و20 دقيقة، حيث وجَّه له مواطنوه مليونين ونصف مليون رسالة عبر الهاتف و«اليوتيوب» ووسائل التراسل الاجتماعى. وشارك فى «الخط المباشر» وزراء ومسئولون، حسب طلب الجمهور، وأدار العملية 7 آلاف شخص فى الموقع، ومراسلون عبر أصقاع روسيا، الممتدة على قارتين. وقد تابعتُ «الخط المباشر»، وانتهيتُ إلى مشكلة فلسفية فى تفسير ما أرى. ولا يمكن فهم بوتين ولا روسيا دون فلسفة، وهذه مفارقة بحجم روسيا، التى تخلت عن الفلسفة الماركسية، وهى الآن فى بحار مفتوحة تعمى أنوارها العيون.
وأهم ما يميز أسلوب خطاب بوتين أنه غير خطابى، فهو يتكلم بصوت خافت، يضطرنى غالبا إلى رفع صوت التلفاز. وأكثر ما تدهشنى ذاكرته الخارقة فى متابعة تفاصيل اختراعات علماء «معهد كورتشاتوفسكى»، وأوضاع «قرى وأقاليم نائية، يعرف بالأسماء مسئوليها، ويقيِم أداءهم مباشرة، ومشاكل قلة المواليد، وأزمة السكن، والرعاية الصحية العامة، وحماية البيئة، والقضاء على الفقر. وفيما يلى مقتطفات من «الخط المباشر» تعكس سعة المواضيع التى طرحت على بوتين:
سؤال: «هل تؤدى الأوضاع المتوترة مع الغرب إلى حرب عالمية ثالثة، تُستخدمُ فيها الأسلحة النووية؟». بوتين: «أتذكر جواب أينشتاين عن سؤال حول ما إذا كانت الأسلحة النووية ستستخدم فى الحرب العالمية الثالثة، وفيه قال: لا أعرف ماذا سيستخدم فى الحرب العالمية الثالثة، لكن أعرف أن السيوف والرماح ستستخدم فى الحرب العالمية الرابعة!..». واستبعد بوتين وقوع الحرب العالمية الثالثة لوجود «توازن الرعب»، والذى يستهجن مصطلحه.
سؤال: «ماذا سنفعل بعشرات ملاعب الكرة التى أنشئت بمناسبة المونديال؟». بوتين: «نبقيها ملاعب لإطلاق حركة رياضية عبر روسيا، ولا نحوِلها بأى حال إلى أسواق».
سؤال: «وماذا بشأن عقوبة تجميد المصارف الغربية حسابات الرأسماليين الروس؟». بوتين: «حذرناهم من ذلك منذ أزمة عام 2008 التى خسروا فيها أموالا طائلة، ونصحناهم بوضع أموالهم فى البنوك الروسية». ثم أضاف: «هذه الإجراءات ضد الأموال المستثمرة بالدولارات تُحطم الثقة بالدولار على المدى البعيد، إنهم يقطعون الغصن الذى يجلسون عليه».
وفى الحديث عن «بوتين» فى الغرب تتعارض وجهة النظر السائدة مع أحكام كُتاب يخرجون عن الخط العام، مثل «ديفيد بروكس»، معلق «نيويورك تايمز»، الذى يتساءل فى مقالة عنوانها «من هو الرجل الأكثر نفوذا فى العالم»، ويجيب: «شخصيا سأصوت لفلاديمير بوتين». وقد سبقه الكاتب الفرنسى «جان بارفيولسكو» الذى اعتبر بوتين «رجل الأقدار» فى كتابه «بوتين والإمبراطورية الأوروآسيوية». ظهر الكتاب مطلع تسعينيات القرن الماضى، وكان «بارفيولسكو» قد تنبأ فى السبعينيات بانهيار الاتحاد السوفييتى، وتوقع أن يظهر عاجلا أو آجلا شخص من المخابرات السوفييتية يبعث الإمكانية الجيوسياسية لروسيا بعيدا عن الأيديولوجيا الشيوعية!
وتحولات بوتين المستمرة ليست ذاتية، بل هى تحولات روسيا، حيث تتجاهل تيارات الوطنية الروسية، والليبرالية الأطلسية، و«الأوروآسيوية» التى تبدو وكأنها العقيدة الاستراتيجية لروسيا. يذكر ذلك الفيلسوف الروسى «ألكساندر دوغين» الذى عمل فترة كمستشار للرئيس الروسى، ويعتبره «المجهول العظيم» فى كتابه «بوتين ضد بوتين»، وفيه يرى «أهم ما فى» بوتين «أنه لا يقدم جوابا، بل يقوم بالمهمة التى ينبغى القيام بها». ويذكر كيف أوقف منذ رئاسته الأولى عام 2000 تفكك روسيا، وقضى على مافيات الطغمة المالية التى حولت ثروات البلاد إلى الخارج. ومعضلته الأليمة الآن «كالماشى على حبل مشدود، ويتوقف فى منتصف المسافة، لا يعرف هل يمضى إلى الأمام أم الخلف». ويختتم المؤلف كتابه بالعبارة: «ببساطة، إنه الأحسن».

الاتحاد ــ الإمارات
محمد عارف

التعليقات