عيار ناري.. الانتصار للإنسانية - عمرو عز الدين - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيار ناري.. الانتصار للإنسانية

نشر فى : الأحد 21 أكتوبر 2018 - 10:55 م | آخر تحديث : الأحد 21 أكتوبر 2018 - 10:55 م

خرجت من قاعة العرض ذلك المساء المعتدل طقسه، كابحا جماح مشاعري تجاه نهاية فيلم «عيار ناري»، التي لم أتوقع أن تؤثر بي لهذه الدرجة.
في أوج ثورة 25 يناير وخلال الـ18 يوما حتى 11 فبراير 2011، دارت معارك طاحنة بين الناس، على هامش المعارك الدموية في الميادين المختلفة بالبلاد، وتراشقوا فيما بينهم بالاتهامات والإدانات والشتائم، حتى ضربت الفتنة الأسرة الواحدة، الابن قد يهاجم أبيه والصديق يخسر صديقه بمنتهى السهولة، فقط لأن كل فريق يظن أنه يمتلك الحقيقة والآخر لا يفقه شيئا، وامتدت تلك المعارك أيضا إلى ما بعد ذلك، مرورا بثورة 30 يونيو وبيان 3 يوليو وحتى الآن، فهل فقدنا إنسانيتنا خلال تلك المسيرة الشاقة؟.

• هنلّم المتكسر بعدين
في بداية الفيلم نرى علاء «أحمد مالك» ممدا بين ذراعي أخيه خالد «محمد ممدوح» ينزف دما ويلفظ آخر أنفاسه، بينما الأم سيدات «عارفة عبد الرسول في أحد أعظم أدوارها» تلملم بقايا طعام وأطباق قائلة: «هنلم اللي اتكسر بعدين».

بعد مرور 8 سنوات تقريبا على ثورة 25 يناير، لا أرى أن هناك محاولات جادة كي «نلّم المتكسر» مؤجلين ذلك لـ«بعدين».

يخاصم المرء أهله لأنهم لا يتفقون مع الحقيقة التي يراها، دون الانتباه أو البحث عن مدى دقة هذه الحقيقة. يشير الفيلم إلى ذلك في علاقة الطبيب الشرعي ياسين المانسترلي «أحمد الفيشاوي» بأبيه المتهم بالفساد. قطيعة كاملة وحكم غير قابل للنقض وهروب للخمر حتى ينسى وصمة العار التي تلاحقه، في حين يؤرق الوزير السابق -الذي لم يهتم السيناريو بإثبات فساده أم لا لهامشية الأمر تماما- عدم تصديق ابنه له، ولا يفيق الابن من تلك المعضلة إلا حين يجد نفسه هو الآخر متهما من المجتمع والرأي العام بمحاباته لوزارة الداخلية وكتابة تقرير ضد التيار ينصفها ويدين مَن يقال عنه أنه «شهيد»، وفي هذه الأزمة لا يجد من يصدقه «عمياني» سوى أبيه.

يناقش الفيلم بشكل واضح قضية الحقيقة الواحدة ووجوهها الكثيرة، في خطوط الأحداث المختلفة، هل علاء أبو زيد شهيد أحداث محمد محمود فعلا أم لا؟ هل وزير الصحة السابق «أحمد كمال» والد ياسين المانسترلي فاسد أم لا؟ هل فعلا تمتلك الصحفية الشابة مها عوني «روبي» الصورة الكاملة لكتابة مقال رأي أم لا؟ إلا أنه يتجاوز البحث عن إجابات تلك الأسئلة إلى ما هو أعمق.

(تحذير: السطور التالية ربما تكشف بعض أحداث الفيلم)

• هي.. التي لا يهتم بها أحد

في رأيي، فإن بطلة الفيلم الرئيسية والذي تعمد السيناريو وضعها في الظل تماما، في إشارة واضحة لعدم اهتمام المجتمع بـ«الإنسانية» على حساب ما يظنونه الحقيقة، هي سلمى خطيبة الشاب علاء أبو زيد «أسماء أبو اليزيد»، التي حملت سفاحا منه وحركت الأحداث من البداية. علاء ذو السمعة السيئة يريد ستر فضيحته وفضيحتها بالزواج، رغم أن شابا بصفاته التي أشار لها السيناريو عبر شهادات الآخرين لم يكن ليهتم بالأمر والأسهل أن ينكر كل شيء، إلا أن الزواج يتطلب منزلا وهو مُعدم، وهكذا حتى نصل لانفجار القنبلة في وجه الجميع.

المجتمع الفاقد لإنسانيته سيتهمها بالفجور دون النظر لأي اعتبارات أخرى، كأن الجميع ملائكة، وقد شاهدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الأحكام المطلقة حيث يكتبها أصحابها من خلف حجاب ثم يقومون للنوم ببال راض عن أداء دورهم في إعلاء كلمة الحق، فهل كان على الطبيب الشاب والصحفية الثورية أن يلقيان بها في حفرة الجحيم انتصارا للحقيقة أم يشاركان في سترها انتصارا للإنسانية؟.

• نهاية مغايرة

النهاية التي أثرت بي كانت مغايرة لما هو متوقع من فيلم يحمل الصبغة البوليسية، طوال الأحداث نحن في انتظار انتصار الطبيب الشرعي وإثبات صحة تقريره ووصوله للجاني الحقيقي أيا كانت النتائج، حتى يجد الطبيب نفسه أمام خيارين: الانتصار لذاته أو التضحية لإنقاذ حياة أخرى.

إنقاذ حياة الإنسان لا يعني بالضرورة فعل مادي، بل هو فعل معنوي في الأساس جاء في الفيلم عن طريق «ستر فضيحة إنسانة»، والإنسان مخلوق ليصيب حينا ويخطئ أحيانا، ولسنا مخولين بنصب المشانق لمن يخطئ، إلا أن الحياة علمتنا أن من السهل اغتيال الخاطئين معنويا ودفعهم إلى التمادي في الخطأ أو السقوط في آبار عميقة ربما لا يخرجوا منها مطلقا، وكم من أبناء وبنات آدم قابلناهم في حياتنا ليسدوا الطريق أمامنا ناسين أن «من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر».

ياسين المانسترلي قرر في النهاية ألا يكون سببا في فضيحة سلمى التي لا ذنب لها في كل ما يحدث سوى «لحظة خطأ». خالد شقيق علاء يتزوج بها وهو لا يحبها ولا تربطه بها أية مشاعر تضحية منه لسترها، الأم تفقد ابنها في لحظة «ثورة فجائية» فلا تريد أن تفقد الابن الآخر وتدمر الفتاة الضائعة، وتدعو لـ«لملمة المتكسر» والحفاظ على ما تبقى.

هل الفتاة هنا هي إشارة لكيان أكبر وأعظم تناسيناه وسط معارك «ثورة أم فوضى» «شهداء أم بلطجية» - «ثورة أم انقلاب» - «مدنية أم دينية» - «الحرية المطلقة أم التشدد التام»؟ هل شاركنا جميعا في فضح هذا الكيان العظيم بدلا من التضحية من أجله أم لا؟ هل انحرفت بوصلتنا خلال كل هذا الارتباك؟ أترك لكم الإجابة.

***

فيلم «عيار ناري»، الثاني على التوالي للسيناريست هيثم دبور، والأول للصديق المخرج الواعد كريم الشناوي، يكرس لقيمة «الإنسانية» طوال أحداثه، بعيدا عن الأجواء المشحونة التي واجهته بعد عرضه الأول خلال الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، وقد كتب الكثيرون قبلي يدافعون عن الظلم البيّن الذي وقع على الفيلم واتهامه بمعاداة ثورة يناير، وهي رؤية غير دقيقة تحمل مزايدة لا تليق بفيلم فني يمكن الاتفاق مع أو الاختلاف حول ما يطرحه «فقط» دون الذهاب إلى أبعد من ذلك.

عمرو عز الدين كاتب وصحفي مصري
التعليقات