ثقافة مصر فى العصور الوسطى! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 12:22 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثقافة مصر فى العصور الوسطى!

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 8:50 م | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 8:50 م


رحم الله كاتبنا الكبير الراحل جمال الغيطانى، بسببه وقعت فى غرام وعشق كتب الحوليات والتاريخ القديمة، وخاصة كتب تاريخ مصر الإسلامية التى ألفها مؤرخو مصر العظام؛ تلك السلسلة الذهبية من كبار المؤرخين بدءًا من ابن عبدالحكم المؤرخ صاحب (فتوح مصر وأخبارها)، والكندى صاحب كتاب «ولاة مصر»؛ مرورًا بنخبة النجوم اللامعة التى تضم كلًا من: «المقريزى»، بدائرة معارف كتبه التاريخية الأصيلة، وابن تغرى بردى و«نجومه الزاهرة فى تاريخ مصر والقاهرة»، والسيوطى فى «حسن المحاضرة»، وصولا إلى آخر العنقود فى هذه السلالة العبقرية، ابن إياس المصرى فى موسوعته العظيمة «بدائع الزهور فى وقائع مصر والدهور»..
ربما كان غرامى بقراء هذه الكتب فى سن مبكرة أحد الدوافع الأصيلة لولعى بمادة (أدب مصر الإسلامية) التى درستها فى كلية الآداب على يد أساتذة كبار مثل المرحوم حسين نصار، والدكتور إبراهيم الدسوقى جاد الرب، والدكتور عوض الغبارى..
وكان ذلك أيضا دافعًا فيما أظن لقراءة كل ما وقع تحت يدى من كتب ودراسات قديمة أو حديثة عن تاريخ مصر الإسلامية، ليس التاريخ السياسى فقط الذى لم يكن يستهوينى فى أحواله الغالبة، بل التاريخ الاجتماعى والثقافى والأدبى الذى أظنه التاريخ الحقيقى بطبقاته المتراكبة المتعددة، وثرائه المهول واحتوائه على العناصر التكوينية لأى أمة أو شعب عبر العصور.
وجذبنى بشكل خاص تلك الكتب التى توفرت على دراسة الحياة الفكرية والثقافية؛ العلمية والأدبية، فى فترة من الفترات أو حقبة من الحقب بحسب التحولات السياسية، أو ما بات يعرف بـ «تاريخ الحركة الفكرية والثقافية» التى تتبعت ذلك النشاط الحضارى الباهر طيلة ثمانية قرون متصلة، تقريبًا، منذ أن دخل عمرو بن العاص مصر فى العام 22 من الهجرة، وحتى آخر عقلية عبقرية شهد ظهورها الفكر العربى كله، وهو ابن خلدون فى القرن الثامن الهجرى تقريبًا..
واستوقفتنى بشكل خاص حركة التأليف الموسوعية التى شهدتها مصر عقب سقوط بغداد وزوال الخلافة العباسية عام 656 هـ، وبهرنى ذلك الإنتاج الضخم الفخم المهيب الذى ساهم فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الكتب والمؤلفات فى كل العلوم والمعارف والفنون المعروفة آنذاك. وتمخضت تلك الحركة الزاهرة عن أعمال موسوعية جامعة قد يصل عدد مجلداتها إلى الأربعين مجلدا وقد تزيد!
ولولا هذه الأعمال لضاع من تراثنا ومروياتنا وسردياتنا ما لا يقدر بثمن!
خذْ عندك: «نهاية الأرب فى فنون الأدب» للنويرى، و«صبح الأعشى فى صناعة الإنشا» للقلقشندى، و«مسالك الأبصار فى ممالك الأمصار» لابن فضل الله العمرى، و«الكشكول» لبهاء الدين العاملى، وإذا أضفنا إليها كتب الحوليات والتراجم وتاريخ مصر الإسلامية، خاصة فى القرنين التاسع والعاشر الهجرى، لأدركنا أن مصر المحروسة كانت آنذاك هى مخزن الذاكرة الأثمن، والحافظة الأنشط، ليس لتراثها وإنتاجها الفكرى فقط إنما أيضا لكل ما حولها من بقاع ومراكز حضارية، شرقا وغربا، تتواصل من بغداد إلى قرطبة!
ولولا جهود الرائد المؤسس أحمد أمين فى عمله الموسوعى المرجعى «فجر الإسلام»؛ و«ضحى الإسلام»، و«ظهر الإسلام» لما ظهرت أعمال عظيمة أخرى تحتذى المسار ذاته فى الجمع والتصنيف والتبويب؛ فى الرصد والتحليل، فى البحث والاستقصاء. كانت الأعمال السابقة لأحمد أمين هى النواة التى تشكلت منها وتفرعت عنها أعمال كل من محمد كامل حسين، وعبداللطيف حمزة، ومحمود مصطفى، وشوقى ضيف، ومحمود رزق سليم، وزغلول سلام.. وغيرهم.
هذه المدرسة أنتجت حزمة من الكتب الممتازة الرائدة التى قدمت جهدًا رائعًا وعظيمًا فى بيان وتحليل وتأطير تلك الحركة المذهلة التى شهدتها مصر منذ أصبحت عربية اللغة إسلامية الثقافة إلى أن دخلها السلطان العثمانى سليم الأول غازيا فى الربع الأول من القرن السادس عشر الميلادى (القرن العاشر الهجرى). دراسات توفر لها من العمق والرصانة والثقل المعرفى والعلمى ما جعلها تكشف وتجلّى تاريخ الحياة العقلية والأدبية (الفكرية والعلمية) فى عصور الأدب العربى فى مصر، منذ الفتح الإسلامى، وعصر الولاة، مرورا بدولة الطولونيين والإخشيديين ودولة الفاطميين ثم عصر بنى أيوب وعصر المماليك، وأخيرا تحت الحكم العثمانى..