جميل راتب - إكرام لمعي - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 9:54 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

جميل راتب

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 9:00 م | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2018 - 9:00 م

ظهر جميل راتب لجيلنا وهو رجل كامل النضوج، لم نره فى شبابه وتابعناه مثل عادل إمام وأحمد زكى ونور الشريف وغيرهم. لكنه كان يعيش فى فرنسا، وله نشاط فنى مسرحى وسينمائى، ثم انتقل ليقيم فى القاهرة، حيث كان عمره لا يقل عن الأربعين عاما وقد أحس الجميع من لكنة كلامه أنه من أصل أجنبى، وخاصة فرنسى، إلا أننا اكتشفنا أنه مصرى حتى النخاع بل صعيدى فهو ابن محمد بك راتب، ويوجد شارع فى المنيا باسم أبيه وخالته هدى شعراوى، وهو واحد من مؤسسى حزب التجمع، من أروع مميزات شخصية جميل راتب أنه لم يتحدث فى العموم عن الدين، فظن كثيرون أنه مسيحى لدرجة أنهم تساءلوا كيف يصلِّون عليه فى الأزهر.. هذا الموقف يوضح إلى أى مدى كان جميل راتب إنسانا، فالإنسان هو من يعيش إنسانيته بكل ما لها دون أن يتحدث كثيرا فى شئون الدين على أساس أنها أمر شخصى بحت.
يعرف عنه أنه بدأ التمثيل منذ طفولته وحصل على جائزة الممثل الأول وأحسن ممثل على مستوى المدارس المصرية والأجنبية، ذهب إلى فرنسا لدراسة القانون على حساب أسرته لكنه ترك دراسة القانون واتجه إلى دراسة التمثيل ما جعل الأسرة العريقة ترفض هذا التحرك تماما وتمنع عنه التمويل للدراسة فى فرنسا، من هنا بدأ الاعتماد على نفسه وبدأ من الصفر حيث عمل جرسونا وحامل حقائب ( شيال) فى سوق الخضراوات بباريس متحديا قرار عائلته، وبدأ مشواره الفنى على مدى ثلاثين عاما بالمسرح، وبدأ اسمه يلمع كممثل ناشئ، لكنه لم يحصل على دور البطولة، وأحس أنه لن يصل فى فرنسا لأدوار البطولة، فقرر أن يعود إلى مصر، ويبدأ مشواره فيها، ووصل فعلا إلى الدور الثانى فى عدة أفلام مثل البريء وطيور الظلام وأنا الشرق والبداية والكيف، ومن المسلسلات زينب والعرش ورحلة المليون وزيزينيا ويوميات ونيس وغيرها.
***
من المواقف الشخصية له أنه كان صديقا للممثل الأمريكى أنتونى كوين بعد أن شارك بدور ثانوى فى فيلم لورانس العرب. والمعروف أن عمر الشريف كان له الدور الثانى فى هذا الفيلم بعد بيتر أوتول. وقد مات رئيس الولايات المتحدة فى ذلك الوقت جون كيندى والذى تم اغتياله أثناء تصوير الفيلم، فبكى أنتونى كوين على كتف جميل راتب، وكان جميل راتب يتمنى أن يكون ممثلا عالميا مثل عمر الشريف لكن كانت نقاط ضعف جميل راتب أن المخرجين سجنوه فى دور واحد مكرر الإنسان المثقف صاحب المبادئ أو الباشا... إلخ، ولم تكن لديه المرونة على أن ينوع فى أدواره وغالبا كانت ملامحه لا تساعده كثيرا فى بعض الأدوار. وحتى عندما أعطوه دور وزير فاسد فى طيور الظلام كان بنفس الشخصية المحفوظة عنه، لم يستطع أن يدخل قلب رجل الشارع العادى لا فى التراجيديا أو الكوميديا، رغم أنه قدم مائة وخمسين عملا فى التلفزيون والسينما والمسرح.
من أشهر أعماله شفيقة ومتولى وشارك فى أفلام تونسية ومغربية، وأعتقد أن أعظم الأدوار التى قدمها كان فيلم البداية ذلك لأن قصة الفيلم رائعة ومكتوبة بعناية وهى مأخوذه عن فيلم أجنبى وتحكى عن كيفية صنع الديكتاتور أو الحاكم الديكتاتور، وأن الشعب هو الذى يصنعه والقصة تحكى عن سقوط طائرة فى مكان صحرواى مجهول وبدأ الناس الذين كانوا فى الطائرة يتعاملون مع الواقع بعد أن يأسوا من أن تأتى طائرة وتنقذهم وكان عليهم أن ينظموا أنفسهم، وبالتالى كان الأكثر ذكاء ونضجا فيهم والذى له قدرات قيادية هو نبيه (جميل راتب) الذى سيقودهم. وكان اسمه فى الفيلم نبيه بك الأربوطلى وأطلق على المنطقة نبيهاليا، وفى نهاية الفيلم جاءت طائرة أخذتهم جميعا وتردد هو فى ركوب الطائرة وترك وحيدا وهى نهاية كل ديكتاتور. أما أشهر مسلسلاته فكانت الراية البيضاء وهذا المسلسل الأخير عالج فترة الانفتاح الاقتصادى (السداح مداح) على حد تعبير الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، حيث قامت سناء جميل بدور امرأة من الطبقة الجاهلة الصاعدة والتى وصلت إلى قمة الثروة والسلطة، ووقفت فى وجه جميل راتب الرجل المثقف صاحب فيللا أثرية جميلة وحاولت بكل الطرق إغراءه أن يبيع لها الفيللا بأعلى سعر، وضغطت عليه بكل الطرق، واشترت كل الشخصيات المعنية بمثل هذه الأمور فى الحكم المحلى، وصدر الأمر بهدم الفيللا وجاء البلدوزر لكن وقف جميل راتب ومعه كل المثقفين والمتمسكين بتراث هذا البلد فى وجه البلدوزر، والإشارة واضحة جدا بأن الفيللا هى مصر وأن الطبقة الجاهلة الجديدة سواء القادمة من الخليج أو التى اغتنت بسبب التجارة فى العملة فى السوق السوداء أو شراء الذمم وأراضى الصحراء... إلخ، تريد شراء مصر وهدمها.. لقد كان هناك الأمل فى نهاية النفق المظلم.
***
من الأمور المخجلة أن فرنسا قامت بتكريم جميل راتب وأن تونس وهبت جميل راتب أعلى أوسمتها (وسام الجمهورية من الطبقة الأولى). ومازلت مصر لا تحاول أن تكون سباقة فى تكريم أبنائها الذين يرفعون اسمها فى العالم العربى والعالم الخارجى سواء كانوا من الفنانين أو الأدباء والعلماء وحتى عندما تكرم أحدا تكرمه متأخرا فيأتى التكريم اعتذارا باردا كما حدث مع د. مراد وهبة الفيلسوف المصرى المعاصر.

إكرام لمعي  أستاذ مقارنة الأديان
التعليقات