السمنة والجوع المستتر لدى الأطفال متلازمة العصر - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 12:14 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

السمنة والجوع المستتر لدى الأطفال متلازمة العصر

نشر فى : الثلاثاء 21 أغسطس 2018 - 8:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 أغسطس 2018 - 8:50 م

تطور مفهوم سوء التغذية فى العالم فى الألفية الثالثة من مصطلح مرتبط بضحايا المجاعات حيث يعانى ضحاياه من الهزال والضعف نتيجة لنقص «كم» الأكل خصوصا مصادر الطاقة التى توفر السعرات الحرارية الكافية للحركة والوظائف الحيوية والحفاظ على أوزاننا إلى تصنيف أوسع يشمل أمراضا ناتجة عن ضعف جودة الغذاء. فمع المجهودات العالمية لتحسين وضع الدول التى تعانى من الجفاف والحروب قلت نسب الهزال أى إن العالم استطاع أن يحل بدرجة كبيرة مشكلة نقص كم الغذاء ومصادر الطاقة، لكنه لم يستطع توفير جودة غذاء واستبدل الهزال بأمراض ناتجة عن أنواع أخرى لا تقل أهمية عن سوء التغذية.
ورد فى تقرير «برنامج الغذاء العالمى» التابع للأمم المتحدة فى ٢٠١٧ أن ثلث سكان العالم يعانون من نوع أو آخر من أنواع «سوء التغذية» وأنها مشكلة لم تنجُ منها أى دولة فى العالم، وأن «الجوع» (Hunger) الناتج عن نقص الغذاء فى المطلق والذى ينتج عنه الهزال ما زال مشكلة فى الدول الأكثر فقرا ففى مصر يعانى منه ٨٪ من الأطفال، أضف إلى «الجوع» مصطلحا جديدا هو «الجوع المستتر» أو (Hidden Hunger) حيث استطاعت مجتمعات كثيرة سد الجوع بمواد غذائية عالية الطاقة قليلة الجودة الغذائية معظمها نشويات ودهون رخيصة وكثير منها مر بمراحل تصنيع تجعل مذاقه أفضل بالرغم من قلة فائدته. حدث هذا حتى فى المجتمعات الغنية بعد الثورة الصناعية وتطور صناعة الغذاء، واستبدلت المجتمعات أكلاتها الشعبية بالوجبات المصنعة، فأصبح إفطار كثير من أطفال مصر «كيك» وعصيرا مصنعا ومغلفا رخيص السعر قليل الفائدة بدلا من ساندويتش الفول أو البيض. هذه النقلة فى العادات الغذائية تؤدى إلى نقص فى مواد هامة للجسم مثل الحديد والزنك والفيتامينات والبروتينات الأساسية لنمو الجسم وأعضائه ووظائفه، بالتالى على المدى الطويل تؤدى إلى قصر القامة أو التقزم عند الأطفال فلا تؤثر على وزن الطفل ولا حركته لكنها تؤثر على طوله ومهاراته الذهنية وهى ظاهرة يعانى منها ٢٣٪ من أطفال مصر.
***
أما السمنة فمن الأمراض التى تزداد انتشارا ليس فقط بين ساكنى المجتمعات الأغنى وإنما انضم إليهم البلدان الأفقر بسبب التركيز على الغذاء عالى الطاقة لسد الجوع، ومع انتشار الأكل المصنع أصبح ثنائى «السمنة» و «الجوع المستتر» منتشرا فى كل المجتمعات. واحتلت السمنة مرتبة متقدمة للأمراض المزمنة حتى فى البلدان الفقيرة، وهو مرض خطير يزيد من فرص الإصابة بأمراض القلب والسكر وارتفاع ضغط الدم ليس فقط فى الكبر وإنما أيضا فى الطفولة. وهو مرض يصيب أكثر من ثلث أطفال مصر بنات وبنين وبعد البلوغ تزيد النسبة عن الثلث فى الفتيات.
المحزن هو أن معظم أسباب السمنة يمكن تجنبها:
«الرضاعة الطبيعية» تحمى الطفل من السمنة، لأن مكون لبن الأم يتغير مع كل يوم مع عمر الطفل بحيث يتناسب مع احتياجاته فى كل مرحلة، والطفل هو المتحكم الأوحد فى الكم الذى يأخذه يوميا، فالأم لا ترى أو تتابع كم اللبن الذى يأخذه الطفل وبالتالى يأكل حتى يشبع ويبذل جهدا فى الرضاعة أكثر من الجهد المبذول فى الرضاعة الصناعى والتى يتدفق فيها اللبن بشكل أسرع، كما أن كمية البروتين وهو مصدر عالى للطاقة نسبته أقل من الموجودة فى اللبن الصناعى ومتناسبة مع احتياجات الطفل.
«التغذية التفاعلية» (Responsive feeding) تعنى أننا أثناء تغذية الطفل ننتبه إلى طلباته، فنتابع رغباته واحتياجاته، نشجعه على تنويع الأكل والاستمتاع به ونتوقف عن إطعامه عندما يبدى علامات الشبع، حيث أن إجبار الطفل على كم معين من الأكل قررناه نحن هو تعليمه تجاهل إشارات الشبع من المخ والتى هى حماية الجسم الطبيعية من السمنة.
«الوجبة الاسرية» هامة فى الحماية من السمنة، فاجتماع الأسرة مرة فى اليوم على الأقل حول المائدة يحول متعة الأكل من الاحساس بالامتلاء والشبع إلى متعة التواصل الاجتماعى، وعدم إغفال وجبتى «الإفطار» و «العشاء» يشجع التمثيل الغذائى وحرق الطاقة الأمثل هو ٣ وجبات أساسية ووجبتان خفيفتان بمعدل وجبة كل ٣ ساعات.
«منع الأكل أمام أى شاشة» مفتاح من مفاتيح الوقاية من السمنة لدى الكبار والصغار، حيث إن الشاشة تمنعنا من الاستماع إلى رغبات جسمنا سواء فى كم الأكل أو فى تذوقه والتمتع به وهو عامل مهم لضمان تغذية سليمة. والأبحاث تثبت أن استخدام الشاشة لثلاث ساعات يوميا أو أكثر لدى الأطفال يزيد من فرص معاناتهم من السمنة بنسبة ٥٠٪ و كلما قلت مدة استخدام الشاشة كلما قلت نسب السمنة لدى الأطفال.
«العصائر سواء المصنعة أو الطبيعية» تقدم نسبة سكر عالية بين الوجبات لا حاجة للطفل لها، حيث أن كثيرا من فوائد الفاكهة نرميها بعد عصر الفاكهة وتصفيتها مع الاحتفاظ بمكون السكر فيها وغالبا ما نستهلك ضعف الثمرات فى العصير بالمقارنة بما نستهلكه عندما نأكل الفاكهة بكل خيراتها، تعود الطفل على الارتواء بالماء أمر مهم.
تنوع الأكل مهم وعدد الوجبات وتدريب الساعة البيولوجية على الجوع والاستماع إلى إشارات الجسم بالشبع والالتزام بمكان للأكل والاستمتاع بلحظات الأكل كلها أمور يكتسبها الطفل منا كآباء وأمهات، فالوجبات كما ذكرنا يجب أن تنقسم إلى خمس يوميا بينها ٣ ساعات لا يتخللها سوى شرب الماء، الوجبة يجب ألا تزيد فى الحجم عن أربع أضعاف كف يد الطفل وبالتالى فحجم الوجبة يتغير من سن إلى آخر، النشويات والبروتينات يجب ألا تزيد عن ربع الوجبة لكل منهما، وباقى الوجبة يتكون من الخضار والفاكهة مع تشجيع سد الجوع بالخضار خاصة فى الأطفال الذين يعانون من زيادة فى الوزن أو نهم فى الأكل. كلما كانت مصادر الأكل طبيعية كلما كانت أعلى قيمة فالقمح والذرة والأرز والحبوب عموما كلما كانت أغمق فى اللون يدل هذا على أنها أقل تعرضا لمراحل التصنيع وبالتالى تحتفظ بخيراتها الطبيعية، تنوع مصادر البروتين بحيث لا تكون كلها حيوانية مع الالتزام بوجبتى أسماك فى الأسبوع يضمن احتياجات الطفل من الدهون المفيدة لنمو المخ والحواس خاصة النظر. أن يحصل الطفل على ٣٠٠ ــ ٤٠٠ مل من اللبن أو مشتقاته يوميا هام كمصدر للكالسيوم ويجب أن يكون كامل الدسم حيث يحتاج الطفل إلى هذه الدهون للنمو الطبيعى لجهازه العصبى إلا فى بعض حالات السمنة المرضية.
فى النهاية العودة إلى عادتنا الغذائية من مائة عام قد يكون هو الحل، فى وقت ما قبل الشاشة، عندما كانت الوجبات متعة من متع الحياة، وكان الطبخ كله فى المنزل، والخيرات كلها تأتى من الأرض أو الحظيرة مباشرة دون المرور على المصنع، عندما كنا نفطر الفول والطعمية بدلا من الكروسون وكانت الأطفال تأكل بيضة مسلوقة كوجبة خفيفة بدلا من شراء كيس من البطاطس الشيبس أو كيكة مصنعة مليئة بالسكر ومكسبات الطعم واللون الصناعية، وكانت الأسرة عندما تطلب أكلا من خارج المنزل يكون «كشرى» أو سمكا أو شاورمة بدلا من الهامبرجر والبطاطس المحمرة.
صحيح أن السمنة لها أسباب وراثية ومرضية، لكن تبقى السمنة النابعة من المجتمع الذى نتربى فيه هى أهم أسباب سمنة أبنائنا.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات