تدخل جراحى فى كامب ديفيد - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 10:49 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

تدخل جراحى فى كامب ديفيد

نشر فى : الأربعاء 21 يونيو 2017 - 11:00 م | آخر تحديث : الأربعاء 21 يونيو 2017 - 11:00 م
إذا ما أنزل العلم المصرى من على جزيرتى «تيران» و«صنافير» فإننا أمام أول وأخطر تعديل استراتيجى فى اتفاقية «كامب ديفيد».
على مدى نحو أربعين سنة من توقيع الاتفاقية لم يعدل نص فى وثيقتها، ولا فى ملاحقها الأمنية والعسكرية، ولا فى «معاهدة السلام» التى صيغت على أساسها.
لم يكن ذلك دليلا على استقرار «السلام» بقدر ما كان تكريسا للقيود التى انطوت عليها ونالت على نحو فادح من السيادة المصرية فى سيناء.
بأثر القيود على مستويات تسليح وأعداد القوات المصرية فى المنطقة «ج» لم تتمكن الدولة من فرض سيطرتها الكاملة فى مواجهة التمركزات الإرهابية.
رغم ما تدعيه إسرائيل من التزام بموجبات الحرب على الإرهاب فإنها رفضت إدخال أى تعديلات على الترتيبات الأمنية تخفف من القيود المفروضة.
وفق تفاهمات لها أثمانها غضت الطرف عن تجاوز ما هو موقع عليه من ترتيبات وقيود دون أن تبدى فى أى وقت أدنى استعداد لإضفاء طابع «قانونى دولى» على زيادة أعداد القوات ومستويات تسليحها حتى يكون لها حق الاعتراض والمنع وفق وثائق «كامب ديفيد» المودعة بالأمم المتحدة.
بمعنى أن يكون من حقها أن توافق أو تعترض وفق ما يتراءى لها من مصالح وحسابات، وأن تظل سيناء رهينة للقيود التى فرضت عليها.
فى حالة «تيران» و«صنافير» الوضع مختلف جذريا، فالتعديل الجراحى مرحب به والوثائق جاهزة للتوقيع حتى تنتقل الالتزامات الواردة بشأن الجزيرتين فى «كامب ديفيد» من مصر إلى السعودية وتودع سكرتارية الأمم المتحدة.
هذه أول مرة تبدى إسرائيل ترحيبا بأى تعديل فى نصوص الاتفاقية وملحقاتها.
لماذا؟
ببساطة لأنها المستفيد الأول فى اللعبة كلها.
نقل تبعية الجزيرتين يعنى بالضبط توسيع «كامب ديفيد» والتطبيع الأمنى والاستخباراتى والعسكرى مع السعودية دون أى انسحابات من الأراضى المحتلة منذ عام (١٩٦٧) وفق مبادرة السلام العربية التى أطلقتها السعودية نفسها.
وقد تتالت إشارات عن استعداد للمضى فى ذلك التطبيع إلى حدود يصعب تخيلها.
بصيغة أخرى فإننا أمام «تعريب متأخر لكامب ديفيد».
بدت الفكرة الرئيسية، التى انطوت عليها «كامب ديفيد»، عزل مصر الدولة العربية الأكبر والأهم والطرف الرئيسى فى احتكامات السلاح مع إسرائيل أعوام (١٩٤٨) و(١٩٥٦) و(١٩٦٧) و(١٩٧٣) عن عالمها العربى وخروجها من ميادين الصراع حتى يمكن الانفراد بالدول العربية واحدة إثر أخرى.
تحت سيل من الدعايات جرى تسويغ التسوية المنفردة، فـ«لن نحارب حتى آخر جندى مصرى بالنيابة عن الفلسطينيين»، كأن مصر لم تكن تحارب معارك أمنها القومى دفاعا عن وجودها نفسه، و«أكتوبر آخر الحروب»، كأن الدول تعطى التزاما مفتوحا بأنها لن تحارب أيا ما كان التحديات والأخطار.
جرى التشكيك فى عروبة مصر، وكانت النتائج وخيمة على صورة البلد فى محيطه العربى.
وقد كان مثيرا أن تلك الدعايات التى سادت المجال الإعلامى المصرى رادفت دعايات أخرى عن وثيقة ثانية من «كامب ديفيد» لحل القضية الفلسطينية دون أن يكون الفلسطينيون طرفا فيها بالمشاركة والقبول.
بدا ذلك كقنبلة دخان لإخفاء حقيقة «كامب ديفيد» كتسوية منفردة، التى كان من تبعاتها تهميش الدور المصرى، فالدور التزامات واستحقاقات لا ادعاءات بغير أساس.
بالخروج المصرى انكشف العالم العربى وعجز كل من تقدم لملء الفراغ.
لا مصر أبقت على مكانتها ولا أحد آخر كان بوسعه أن يلعب دورها الذى كان.
فى الانكشاف توالت الكوارث من الحرب الأهلية اللبنانية منتصف سبعينيات القرن الماضى إلى قصف المفاعل النووى العراقى ثم احتلال بيروت (١٩٨٢) حتى وصلنا إلى احتلال بغداد (٢٠٠٣) بعد سلسلة من الانهيارات فى بنية النظام العربى أفضت به إلى ما يشبه الموت السريرى تحت عنوان «صفقة القرن».
وفى الانكشاف وقعت معاهدتى «وادى عربة» و«أوسلو» دون أن تبدو فى الأفق حتى الآن أى احتمالات لسلام وفق أى مرجعية دولية.
بعد «تيران» و«صنافير» فإن «سلام الأوهام» سوف يتحول إلى «سلام بلا أوهام» عن أية حقوق عربية وفلسطينية ــ كأنه إقرار نهائى بالهزيمة الجماعية.
رغم الانتقادات الجوهرية لـ«كامب ديفيد» إلا أنها فى النهاية استعادت سيناء بلا تنازل فى أرض.
الانتقاد كله لنقص السيادة ومدى خطورته على الأمن القومى ــ وهذا تأكد على مدى العقود.
بصورة أو أخرى لم يغب الأمل فى التصحيح والتصويب والتحلل من قيود «كامب ديفيد».
فى حالة «تيران» و«صنافير» التخلى نهائى ولا فرصة فى تصحيح وتصويب واستعادة ما افتقد.
إسرائيل طرف رئيسى فى نقل تبعيتهما وفق وثائق دولية، وسوف تقاتل بالمعنى الحرفى حتى لا تعود لمصر مرة أخرى.
المثير ــ هنا ــ أن اتفاقية «كامب ديفيد» أقرت بمصرية الجزيرتين وأخضعتهما لبنود المنطقة «ج»، وأن السعودية لم تطالب بهما فى أى من مراحل الحرب والتفاوض.
لا قالت إنهما سعوديتان أثناء حرب (١٩٥٦) التى أسرت خلالها القوة المصرية فوقهما.
ولا ادعت الأمر نفسه فى حرب (١٩٦٧) بما وقع فيها من شهداء ومصابين وأسرى.
ولا تكفلت بأى مسئولية عن أرض تقول اليوم أنها أرضها.
لم تطرح الأمر على أى مستوى أثناء مفاوضات «كامب ديفيد» ثم عندما بدا أن مصر مطلع التسعينيات تطمح إلى تمويلات مالية كبيرة ضغطت لكى تحصل على اعتراف ما دون أن تقدم مستندا واحدا يثبت ملكيتها.
مع ذلك كله فإن احترام القانون الداخلى والقانون الدولى والحقائق لا إدارة الدول بالأهواء واجب أصيل فى أى حوار وقبل اتخاذ أى موقف ــ كما دعا الرئيس.
هناك خمسة أسئلة تبحث عن إجابة فى حديث القوانين والحقائق.
الأول، هل جرى احترام الحكم القضائى البات من المحكمة الإدارية العليا بمصرية الجزيرتين وانعدام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية؟
والثانى، لماذا لم تنتظر الحكومة ما قد تتوصل إليه المحكمة الدستورية العليا فى المنازعات التى تقدمت بها قبل أن تحيل الاتفاقية المحكوم ببطلانها إلى البرلمان؟
والثالث، إذا كنا فى دولة القانون ومؤسسات تعمل وفق الأسس الدستورية فما معنى تصريح رئيس مجلس النواب من أن الحكم القضائى بمصرية الجزيرتين هو والعدم سواء؟
إذا لم يكن نظر الاتفاقية إخلالا جسيما بالقانون الداخلى ونصوص الدستور الملزمة فما هو توصيف ما جرى تحت قبة البرلمان؟
والرابع، إذا ما سلمت الجزيرتان ثم قضت المنازعات القضائية أمام المحكمة الدستورية بمصريتهما، فما هو التوصيف القانونى والدستورى لهذا الوضع الخطير وغير المسبوق؟
والخامس، إذا ما طعن ــ بعد التسليم وقبل تصديق المنظمة الدولية ــ محامون مصريون فى شرعية وصحة الإجراءات التى اتبعت، فما هو التوصيف الصحيح بمقتضى القانون الدولى لما جرى كله؟
لا يمكن لأحد فى العالم يستوحى روح العدالة وقواعدها أن يقتنع أن احتراما جرى لأبسط مفاهيم دولة القانون، أو أن الإجراءات التى اتبعت فى البرلمان على أى شىء من الجدية والنزاهة.
بالقانون الدولى، كما الداخلى، فإننا داخلون إلى أوضاع مكلفة تسحب من فرص البلد فى دحر الإرهاب، أو تجاوز الأزمة الاقتصادية، أو تثبيت الدولة نفسها.