الإسراء والمعراج - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسراء والمعراج

نشر فى : الخميس 21 فبراير 2019 - 9:55 م | آخر تحديث : الخميس 21 فبراير 2019 - 9:55 م

يشدو تاريخنا بأنوار «العبرة والفهم». فإذا كان المسلم يؤمن إيمانا جازما أن كل شىء بقضاء وقدر، فلا شك أن جميع المواقف الفاصلة فى حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم هى أقدار صنعها القدير المقتدر فأحسن صنعها. فالقدير المقتدر جل جلاله هو أحكم الحاكمين فصنعته حكمة محكمة، وهو «الخبير» فصنعته خبرة، وهو العليم فصنعته تعليم وتوجيه وإعلام واعتبار. وتعودت الأمة أن تتذاكر «الإسراء والمعراج» كلما اقترب «شهر رجب»، حتى وإن تعددت الأقوال فى تاريخ «الإسراء»، فإن التوافق على يوم للتذكر والاعتبار ولفت النظر وإعمال الفكر لا يحتاج إلى ضبط التاريخ، فالمطلوب أبرز تفاصيل الحدث، وملابساته، وما يتعلمه المسلم من ذلك الحدث.
ــ1ــ
لفظ «الإسراء» عموما يعنى السير ليلا. فالمشى والانتقال نهارا يسمى «سيرا»، أما المشى والانتقال ليلا يسمى «إسراء»، فتقول لمن مشى نهارا أنه «سار» أو لمن مشى ليلا أنه «سرى»، وتلك من عظمة اللغة العربية، فالفعل الواحد «فعل المشى» له وصف نهارى وآخر ليلى لتكون اللغة مبينة. فالمشى حركة من مكان لآخر، ومن بين قوم إلى آخرين، فإذا أراد غير العرب الوصف يقولون مشى فلان بالنهار، لكن العربى يقول «سار فلان»، فيفهم العربى أنه سار نهارا دون حاجة إلى ذكر الوقت (نهارا). وإذا قال العربى «سرى فلان»، فالمفهوم أنه مشى ليلا. وهذا الفرق البليغ (سار / سرى) هو من خصائص اللغة العربية دون غيرها من لغات البشر.
ــ2ــ
فحينما تقرأ القرآن الكريم وتجد قوله تعالى: ((سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..))، يتعجب العربى من وجود اللفظ ليلا ــ فالإسراء هو السير بالليل.. فلماذا ذكر القرآن كلمة «ليلا»؟ وسرعان ما يفهم القارئ السبب حينما يتمم الآية: ((ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى..)) من مكة بالجزيرة العربية إلى القدس بالشام ــ هذه مسافة طويلة ــ فى عرف ذلك الزمن ــ تحتاج شهرا فى الذهاب والعودة!!!! فجاءت كلمة ليلا دليلا على المعجزة التى تفوق طاقة البشر، فالكل كل البشر يستطيع أن يسرى (يمشى ليلا) لكن أحدا من الناس لا يستطيع السير ليلا من مكة إلى القدس ويعود فى نفس الليلة إلا إذا كان مدعوما بقوة وقدرة غير محدودة وهى قدرة الله جل جلاله.
ــ3ــ
وحينما يدقق القارئ والسامع فى كلمات الآية يجد علامة أخرى وهى لفظ «أسرى» وليس «سرى»، فلفظ «سرى بعبده» بيان واضح أن الحادثة ليست جهدا من محمد، ولا فكرة فكر فيها بل إن الله الأكبر هو الذى أسرى به.. فهل يشك عاقل فى قدرة الله؟ لا يشك فى ذلك إلا عقل لا يعرف حقيقة الله وقدرته، كما قال أبو جهل وغيره: قالوا إن محمدا يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس وعاد من ليلته!!!!!! والنبى محمد صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، بل قال إن الله أسرى به، فالقدرة قدرة الله والضيف المحمول هو محمد صلى الله عليه وسلم.
ــ4ــ
وفى الوقت الذى استنكر فيه «غير المؤمنين» الذين لا يقدرون الله حق قدره، كان للمؤمنين قرار آخر، فهذا أبو بكر الصديق لا يتعجب ولا يستنكر، ولا يفكر بل سرعان ما أعلن التصديق وصدق الخبر. وسرعة تصديق أبى بكر ليست مجاملة وليست مجابهة، بل عملية عقلية محضة حيث سألوه: كيف تصدق هذا؟ فأجاب على الفور: أنى ــ كما تعلمون ــ أصدق أن جبريل ــ «سفير الوحى» يأتيه دائما من السماء إلى الأرض، فليس هناك ما يمنع أن يفعل محمد صلى الله عليه وسلم ما يفعله السفير، ثم قال: لو قال محمد إنه ذهب إلى السماء (أبعد من القدس) لصدقته.
ــ5ــ
هذا مدخل «الإسراء والمعراج»، أما معالم الحدث: لماذا الإسراء؟ وكيف كان؟ وهل كانت رحلة أرضية فقط أم رحلتين أرضية وسماوية؟ وماذا دون التاريخ من أصداء هذه الحادثة؟ ثم بماذا يعتبر (يتعلم ويتغير) المسلم؟ فذلك ما نسأل الله جل جلاله العون والمساعدة عليه.

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات