مصر فى الشرق الأوسط المضطرب - إبراهيم عوض - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:11 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مصر فى الشرق الأوسط المضطرب

نشر فى : السبت 20 أكتوبر 2018 - 10:05 م | آخر تحديث : السبت 20 أكتوبر 2018 - 10:05 م

الشرق الأوسط المقصود ليس المنطقة العربية برمتها، من المحيط إلى الخليج ونزولا حتى القرن الإفريقى، وإنما هو يتشكل من المشرق العربى، بما فى ذلك مصر ومعها ليبيا، والجزيرة العربية، بالإضافة إلى تركيا وإيران، ثم إسرائيل. لحسن الحظ أن المغرب العربى ليس فى اضطراب الشرق الأوسط.
فى كل أيام القرن العشرين والعقدين الأولين من القرن الحالى الواحد والعشرين، كان الشرق الأوسط مضطربا. غير أن الاضطراب الحالى غير مسبوق، يصعب العثور على مثيل له فى أى إقليم آخر فى العالم. انظر فى المشكلات المزمنة فى الشرق الأوسط وفى الأزمات التى تستعر فيه.
الصراع العربى الإسرائيلى أعيدت صياغته ليصبح نزاعا فلسطينيا إسرائيليا. لا بأس فى ذلك إذا سلطت الصياغة الجديدة الضوء على القضية الفلسطينية، أولى مشكلات المنطقة التى ترتبت عليها مشكلات عديدة أخرى لأكثر من مائة عام. فى أكثر من مقال سابق تناولت هذه المساحة من «الشروق» الخطط الفاشلة الرامية إلى تصفية القضية ومساومة الشعب الفلسطينى لكى يقايض هويته الوطنية الجمعية ببقائه حيا، مجرد أن يشارك فى النشاط الاقتصادى، مستهلكا وربما منتجا. لذلك فليست بنا حاجة لتناول القضية من جديد الآن وعلى أى حال ليس الغرض من هذا المقال تفحص المشكلات وإنما هو مجرد استعراضها.
***
من المشكلات والأزمات الحرب الأهلية فى سوريا التى حقق الغلبة فيها أهل الحكم فى دمشق، ومع ذلك لا تبدو لها فى الأفق تسوية تُمَكِّنُ من إعادة البناء المادى والمؤسسى على أسس متينة. فى العراق خفت حدة العنف الطائفى ودمويته وانحسر وجود «داعش»، ومع ذلك فهو لا يقوى على التقدم على طريق ثابت مستقيم نحو استعادة وحدته ومكانته. التمزق فى ليبيا لا يتبدى له رتق والدولة ما زالت منهارة. اليمن يئنُ تحت الغارات منذ ثلاث سنوات ونصف السنة واليمنيون يعيشون مأساة إنسانية مروِّعة والقليل الذى كان لديهم من بنية أساسية جرى تدميره. فى الجزيرة العربية والخليج، الأزمة مستعرة بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، من جانب، وإيران، من جانب آخر، واشتدت حدة الخصومة بعد إلغاء رئيس الولايات المتحدة لخطة العمل بشأن النشاط النووى الإيرانى. والقطيعة ما بين السعودية والإمارات والبحرين، ومعها مصر، من جانب، وقطر، من جانب آخر، مستمرة. والنزاع مكتوم بشأن آبار الغاز فى شرق المتوسط.
فيما يعيشه الشرق الأوسط أيضا مسألة اللاجئين، السوريين خصوصا، الذين يريد لبنان مثلا، والأردن بدرجة أقل، أن يعودوا إلى وطنهم، وهو ما يبدو صعبا فى غيبة تسوية متفق عليها. ولم يبرأ الإقليم من الإرهاب وجماعاته. ما زال للإرهاب قدم فى سيناء، وفى سوريا لم تختف الجماعات المتطرفة بل هى تجمعت فى الشمال الغربى، وتفرق إرهابيو «داعش» ولكنهم موجودون. فى ليبيا تعيث أكثر من جماعة إرهابية فسادا وهى عقبة من العقبات أمام إعادة بناء الدولة، كما أنها مصدر تهديد لجوار ليبيا كمصر تحديدا.
وكأنما كل ذلك ليس كافيا، فإنك تجد الأزمات الاقتصادية والمعيشية فى كل مكان. فى البصرة، وهى المنطقة النفطية الأكبر فى العراق ومصدر الجانب الأعظم من موارده، السكان نزلوا الشوارع لفترة ممتدة منذ أسابيع للمطالبة بتحسين الخدمات. وفى الأردن احتجاجات على السياسة الاقتصادية منذ شهور أدت إلى تغيير الحكومة وإعادة النظر فى أسعار الضريبة على القيمة المضافة المقترحة. وفى لبنان دار حديث منذ أسابيع عن أزمة مالية وشيكة وعن تخفيض سعر صرف الليرة الثابت منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى. الأزمة الاقتصادية فى سوريا مفروغ منها ولا حاجة لمجرد الحديث عنها. فى السعودية، الإنفاق على الحرب فى اليمن أثر على المالية العامة فارتفعت الرسوم وتردد أن ثمة تأخرا حدث فى تسديد الأجور فى بعض المؤسسات. فى مصر تخفيض سعر صرف الجنيه والتضخم وتخفيض الدعم الممنوح للطاقة وللسلع الغذائية، أدوا جميعا إلى ارتفاع حاد فى الأسعار. وفى الجوار غير العربى، أزمة مالية نتج عنها انخفاض شديد فى سعر صرف الليرة التركية وإلى تضخم. فى إيران، إلغاء خطة العمل بشأن النشاط النووى الإيرانى وتهديد الرئيس الأمريكى لكل من يتعامل معها بوقف تعاملاته مع الولايات المتحدة أدى إلى خروج شركات عديدة من السوق الإيرانية وإلى اهتزاز ثقة الإيرانيين فى اقتصاد بلدهم فسحبوا ودائعهم من المصارف مما أدى تعميق الأزمة الاقتصادية.
***
والأزمات فى السياسة أيضا، قد تكون متواترة أو جديدة ومفاجئة. فى الأسابيع القليلة الماضية، انتشر أن إسرائيل تحضر لشن غارات شديدة الوطأة على غزة وهو ما يتكرر كل بضع سنوات وكأنما لكى لا ينسى سكان القطاع أنفسَهم وليعرفوا من المتحكم فى أمورهم. التساؤل هو عما إن كانت الحرب الجديدة على غزة مسألة وقت ليس إلا. أما الأزمة غير المتوقعة فكانت اختفاء الصحفى السعودى حمال خاشقجى فى إسطنبول منذ أسبوعين إذ دخل القنصلية السعودية فيها ولم يخرج. ما بين مؤيد للسلطات السعودية ومناوئ لها، الغالبية العظمى من أصابع الاتهام أشارت إلى هذه السلطات كمسئولة عن اختفاء خاشقجى.
***
فى ظل كل ما تقدم من مشكلات وأزمات، أطراف فى الإقليم لا تكلم بعضها البعض وتتفاوت الخصومة بينها إلى حد يقرب من العداء، وأطراف أخرى منهكة بفضل نزاعات داخلية أو خارجية خاضتها لسنوات، والنتيجة عجز عن التصدى للمشكلات والأزمات واستدعاء أطراف خارجية للعمل على فضها. باستثناء ليبيا التى تجتهد مصر بشأن الصراع الداخلى فيها مع تونس والجزائر من المغرب العربى وإيطاليا وفرنسا من أوروبا، فإنك تجد غيابا للأطراف العربية فى الإقليم عن أى جهود لفض المشكلات والأزمات. هذا واضح تماما فى حالات سوريا اليمن والمواجهة السعودية ــ الإيرانية واللاجئين.
البعض من بيننا يعبر عن أسفه لذلك ــ والحق معهم ــ ولكنهم يتعجبون كيف تجتمع الأطراف الخارجية للتباحث بشأن مشكلة عربية فى غياب أى طرف عربى ويستنكرون على المجتمعين ذلك. ليس ثمة وجه للتعجب ولا للاستنكار. عمل الأطراف الخارجية على فض النزاعات هو امتدادٌ لأدوارها فى تطور هذه النزاعات فى السنوات الأخيرة وحتى ما يقرب من انطفائها فى حالة سوريا بالذات. بعض الأطراف العربية اشتركت فى عسكرة النزاع السورى ثم ملته وتابعته عن بعد فقط تاركة وكلاءها يخسرونه فى مراحله الأخيرة. أما إن كنت لم تشارك فى إشعال النزاع ولا فى تأجيجه فهذا يحسب لك، ولكنه لا يؤهلك لانتظار دعوة للمشاركة فى مباحثات بشأن المستقبل. ما يؤهلك هو أن تكون نشطا فى المراحل الأخيرة.
النشاط ليس مجرد حركة. هدف النشاط ينبغى أن يكون توليد الأفكار. هذه الأفكار ستكون الزاد الذى يؤهل صاحبها لتلقى الدعوات للمشاركة فى تسوية المنازعات وفى رسم مستقبل الإقليم. الأفكار يجب ألا تكون سابقة على النشاط بل لاحقة ونتيجة له. ما يسبق النشاط هو رسم إطار له تحدده المصلحة الكلية للشرق الأوسط والمصلحة المحددة للطرف العازم على النشاط.
هذا الطرف لا يمكن أن يكون غير مصر ودوره هو دور طبيعى لها. بعد أن تحدد المصلحة الكلية للشرق الأوسط ومصلحتها الخاصة، سيستدعى هذا الدور النشط أن تتصل مصر بكل الأطراف الدولية والإقليمية المعنية، حتى من لا يروقون لها. الولايات المتحدة وروسيا، ودول الاتحاد الأوروبى والصين، وكذلك إيران وتركيا. للدبلوماسية تقنيات عديدة للاتصال بمن لا يروقون لك حتى لا تبدو وكأن مواقفك السياسية تنقلب تماما بين عشية وضحاها. للأطراف العربية، بما فى ذلك السعودية والإمارات، مصلحة فى أن يلعب الطرف العربى الأكبر، مصر، دورا توفيقيا فى النزاعات التى تخوضها. الاتصال والإنصات إلى الآخرين والتلاقح بين ما يقوله هذا وذاك وذلك هو ما سينبت لديك الأفكار التى تشكل قوتك فى السياسة الإقليمية.
فى غيبة اقتصاد متنوع ومتقدم أو ريع متولد عن تخمة فى الموارد الطبيعية كالنفط، تبقى الأفكار المنبثقة عن واقع العلاقات والنزاعات، فضلا عن القيم، موارد معتبرة للقوة.
فى الاقتصاد لم تصبح المزايا النسبية طبيعية فقط. هى تكتسب بالسياسات.
وهى كذلك فى السياسة أيضا.

إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة
التعليقات