ماذا بعد المصادقة على القانون المتعلق بالقضاء على العنف المسلط على النساء؟ - صحافة عربية - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 11:36 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ماذا بعد المصادقة على القانون المتعلق بالقضاء على العنف المسلط على النساء؟

نشر فى : السبت 19 أغسطس 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 19 أغسطس 2017 - 8:40 م
نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة آمال قرامي ذكرت فيه: من المفارقــات العجيبة أن تعكس جلسات مناقشة القانـــون الأسـاسي 60 /2016 المتعلق بالعنف ضدّ النساء أشكالا متعددة من ممارسة العنف: اللفظي والرمزي الناعم " violence symbolique"، وهو أمر معبّر عن اختلاف فهوم الجماعة لظاهرة العنف وعسر اعتراف بعض النواب / النائبات، وغيرهم بالممارسات والسلوك والخطابات التي تندرج وفق دراسات العنف والمواثيق الدولية في إطار العنف. ولعلّ أخطر ما في الأمر أن يتعود الأفراد على العنف ويقبلوا به معتبرين أنّ هذه الممارسات مرتبطة بالأعراف والسنن الثقافية ولا مجال لرفضها أو مقاومتها. فالعنف المعنوي والرمزي من منظور أغلبهم، ليس إلاّ فعلا «عاديا» بالرغم من آثاره الخطيرة نفسيا واجتماعيا وثقافيا وسياسيا واقتصاديا. وعلى هذا الأساس ترى فئة من الناس أنّ توصيف الحقوقيات لأشكال العنف الممارس على أغلب النساء مبالغ فيه وأنّ سقف مطالب المناضلات مرتفع.
ونحن إذ نشير إلى هذه المسألة فلارتباطها بمسألة جوهرية وهي كيفية الانتقال من مرحلة تحرير المواد وصياغة التشريعات والتوافق حولها إلى مرحلة تأويل النصوص فالتنفيذ، وهنا «مربط الفرس » ومكمن الداء. فالمطلع على روايات النساء حول طريقة التعامل معهن في بعض المراكز الأمنية وأثناء تحرير المحاضر، والمتابع لما يدور في جلسات التصريح بالحكم في عدد من المحاكم، والمتفحص في خطاب عدد من القضاة والمحامين من الرجال والنساء لا يسعه إلاّ الإقرار بوجود فجوة بين النصّ والتأويل إذ ثمّة مسافة جليّة بين روح القانون والخلفية النظرية والتراكم المعرفي الكامن وراء صياغة تشريعات تناهض العنف ضد النساء وكلّ أشكال التمييز، و«الاجتهاد» الذي يمارسه القاضي/ة وفق فهمه وتقديره وهو إدراك له وشائج بالتنشئة الاجتماعية والخبرات الحياتية ونمط العلاقات والأيديولوجيا والمستوى الثقافي عموما ، ومدى الإلمام بتاريخ الحركات النسوية بصفة خاصة. وفي حالات عديدة ينقلب القاضي أو المحامي إلى ممارس للعنف: عنف التأويل.
لم تكشف النقاشات داخل مجلس الشعب وخارجه، وخاصة في مختلف وسائل الإعلام عن استمرارية خضوع المسألة النسائية والمجتمعية للنقاش ذي الطابع الجدلي في بلد عاش على وقع تحولات كبرى، فحسب بل إنّها عبّرت أيضا عن الفجوة المعرفية بين مختلف الفاعلين والتي تخضع لتصنيفات وفق الجندر، والسنّ، والطبقة، والأيديولوجيا،...وهو أمر يقودنا إلى الإقرار بأنّ مناهجنا التعليمية قصرت، في الغالب، عن تمكين الناشئة من آليات للفهم والتحليل والإدراك والوعي، وأنّ مؤسساتنا الثقافية والإعلامية وغيرها عاجزة إلى حدّ الآن عن تغيير البنى الذهنية بالرغم من كلّ الجهود المبذولة.
أمّا الفجوة الثالثة فتكمن في غياب التجانس بين مختلف النصوص التشريعية فما يؤسس له قانون مناهضة العنف من ركائز لإقرار المساواة والعدالة الجندرية ولمقاومة التمييز تنسفه مواد أخرى (رئاسة العائلة، المساواة في الإرث، زواج المسلمة بغير المسلم، ...) تأبى الاعتراف بالمواطنية الكاملة للنساء وتفضح في ذات الوقت ،الانفصام في الشخصية التونسية ورسوخ التمثلات الخاصة بالنساء والصور النمطية في المجتمع. ويشير هذا التوجه إلى تفكّك في مستوى تمثل القوانين والمنطق الذي يستند إليه.
ولا تعاين الفجوات في هذه المستويات فقط بل ثمّة فجوة بين النص التشريعي وآليات التنفيذ. فقد سكت المشرّع عن آليات حماية النساء المعنفات المتمثلة في توفير الموارد المالية التي تضمن لهن الكرامة وتمكنهن من مقاومة الضغوط العائلية والخضوع للمقايضة أو المساومة، وهو أمر ملفت للانتباه باعتبار أنّ الدولة تعرّف في عدة مواد دستورية بأنّها الراعية والضامنة والحامية...فهل تتنصل الدولة من مسؤولياتها بتعلّة الظروف الاقتصادية ؟ وهل تتحمّل النساء وحدهن انعكاسات الأزمة الاقتصادية ؟
لاشكّ أنّ المصادقة على هذا القانون تعدّ لحظة تاريخية في تاريخ النضال النسائي وفي تاريخ تونس وفي ممارسة التوافق من أجل نحت مستقبل أفضل ولكنّ مشاعر الفرح والفخر و...لا يمكن أن تحجب عن الساعين إلى أنسنة المجتمعات الحديثة التحديات والرهانات الكبرى التي تواجهها الفتيات والنساء، يكفي أن نصغي إلى حكايات المعنّفات وشهاداتهن لندرك أنّ الهمّ واحد وأنّ الوجع هو نفسه لا فرق بين الغنية والفقيرة، المتعلمة والأميّة ،الكبيرة والصغيرة، العلمانية والليبرالية و...والنهضاوية والمتأسلفة ، وصاحبة الموقع القيادي والمكانة العلمية والمرأة العادية... إنّ حيوات النساء مادّة للاعتبار وأرضية لتعديل التصورات ومنطلق لتغيير الواقع فلنعمل معا من أجل منحها ما تستحق في كلّ مؤسساتنا ومنابرنا.

من الصحافة العربية
المغرب- تونس
التعليقات