دليل الشاب المجتهد الذكي - حسام السكرى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:53 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

دليل الشاب المجتهد الذكي

نشر فى : السبت 19 مايو 2018 - 9:10 م | آخر تحديث : السبت 19 مايو 2018 - 9:10 م

تصلني استفسارات متقطعة من شباب يرغبون في العمل في مؤسسات مثل بي بي سي وياهو اللتين ترأست القسم العربي فيهما وبالتتابع على مدى سنوات. أحيانا يلمح بعض من التقي معهم إلى أن مثل هذه الأماكن، بداهة، لا يصل إليها إلا من "كان له ظهر" أو من يتمتع بعلاقات خاصة مع جهات وقانا الله وإياكم تبعات الحديث عنها. يقولون بتورية أو بصراحة إن العمل هناك وربما في كل مكان لا علاقة له في النهاية بالكفاءة أو الاجتهاد.

بداية لابد من الإقرار بأن المحسوبية والرشوة والارتباط بعلاقات قبلية، أو عشائرية، أو أسرية، أو عاطفية، أو حتى "التمتع" بعلاقة مع أصحاب النفوذ قد تكون سبيلا للترقي والوصول. هذا واقع حال يصعب إنكاره. لكن الحقيقة الأكبر هي أن الفرص المتاحة في سوق العمل وفي مجالات الريادة أكبر بمراحل من تلك التي تتآكل بفعل المحسوبية والرشوة. والأهم من ذلك أن أكثر ما يعوق الشباب عن تحقيق أحلامهم هو تلك الحواجز الذهنية والنفسية التي تجعلهم يحجمون عن تبني الطرق المستقيمة والسهلة للوصول إلى أهدافهم بحجة وجود طرق أخرى ملتوية، وبافتراض عدم جدوى المحاولة طالما أننا نعيش في عالم يموج بالفساد. أصحاب هذا الرأي يسقطون في بئر اليأس ويعرضون عن محاولة فهم ما ينقصهم، ويستسهلون الشعور بالتعالي الأخلاقي على واقع يرونه دنيئا، ليصبح هذا سبيلهم في تعويض الشعور بالعجز. فيتخلفون أكثر وأكثر عن اللحاق بالركب، أو استغلال ما هو موجود من فرص.

على مدى سنوات من العمل في مؤسستين كبيرتين هما بي بي سي وياهو التقيت مع آلاف الشباب وعملت مع من نجح منهم في المرور باختبارات التوظيف ولقاءاتها، وأدركت أن أكثر من ينقص العملية التعليمية في بلادنا هو تأهيل الطلاب لمقتضيات الحياة العملية أغلبها لا علاقة له بما حصلوه من علم.

أغلب من كانت لديهم عوائق للنجاح لم تكن مشكلتهم المعرفة المهنية بقدر ما ما هي عجزهم عن الاندماج مع فريق العمل، أو فهم سبل التواصل مع أقرانهم أو رؤسائهم، أو إدراك ما ينقصهم من خبرات ومهارات لاستكماله.

في إحدى المرات ألقيت محاضرة على مجموعة من شباب الصحفيين لشرح الطريقة التي تقوم بها مؤسسات مثل بي بي سي أو ياهو بتوظيف العاملين فيها، وشرحت كافة خطوات التعامل مع طلبات التقديم، وحتى اللقاء النهائي مع لجان الاختيار. وكان من بين ما ركزت عليه ضرورة معرفة باللغة الإنجليزية بما يكفي لفهمها والترجمة منها إلى العربية، واستخدامها في التخاطب داخل المؤسستين. بعد المحاضرة انتحى بي أحدهم جانبا وأسر لي بأن لديه مشكلة "بسيطة" يرجوني أن أساعده في حلها. كانت مشكلته أنه لا يعرف الإنجليزية، وكان لديه من السذاجة أو سوء التقدير ما يجعله يعتقد بأن لدي من النفوذ ما يمكنني من استثنائه من هذا الشرط "البسيط".

اقترحت عليه بدوري حلا "بسيطا" من بين حلين اثنين: أولهما أن يجتهد في دراسة الإنجليزية بما يؤهله للتقدم، وثانيهما أن يحدد ما يمتلكه من مزايا مؤهلات ثم يبحث عن مكان يلائم مهاراته. فالعمل في بي بي سي أو ياهو أو مثيلهما ليس نهاية المطاف، وسعادة الإنسان، من واقع خبرتي، هي في انخراطه في عمل يحبه، وليس بالضرورة الارتباط بمكان مشهور ومعروف.

في الأسابيع المقبلة سأكتب في هذه الزاوية بعض التوجيهات التي ربما لا تجدها في كورس أو ورشة عمل تخصصت في مثل هذه النصائح. يقيني أنها ستوفر كثيرا من الجهد على كثيرين وستقدم لهم إجابة على تساؤلات ربما شغلتهم لفترة طويلة عن كيفية الالتحاق بالمؤسسات الدولية.

ختاما وقبل أن أنسى، لا يوجد لدي الكثير مما أضيفه لمن يرغبون في الترقي بالارتباط بأصحاب الحظوة والنفوذ أو بالجهات "اللي بالي بالك". كثيرون يسلكون هذا الطريق، لكنني أجزم بأنهم أقل سعادة من غيرهم. بل وربما يبذلون من أنفسهم أكثر بكثير مما كسبوه في محاولة للاحتفاظ بدفء القرب من أولياء النعم. هذه السلسلة أكتبها لمن يرغبون في النجاح بمجهودهم والذين أعتقد أن لهم في سوق العمل العالمي باتساعه، مكانا ومكانة.

التعليقات