ما بعد «وثيقة الأخوة الإنسانية» - يوسف الحسن - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 8:38 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ما بعد «وثيقة الأخوة الإنسانية»

نشر فى : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:40 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 19 فبراير 2019 - 12:40 ص

تابع العالم بشغف وأمل «المبادرة الفذة الإماراتية» لتعزيز ثقافة الحوار بين أتباع الديانات والمعتقدات المعتبرة وترسيخ مفاهيم التسامح واحترام التنوع الإنسانى، والعيش المشترك بين الشعوب، واعتبار التنوع الثقافى والتعددية الدينية سنة كونية وآية من آيات الله فى خلقه. لقد فتحت «وثيقة الأخوة الإنسانية» والتى صدرت عن لقاء قداسة بابا الفاتيكان، والإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف ــ صفحة جديدة من الحوار الإسلامى / المسيحى بشكل خاص، والحوار بين أتباع كنائس مسيحية أخرى ومعتقدات معتبرة بشكل عام. وهو الحوار القائم على مبدأ (لتعارفوا) و(تعاونوا) على الخيرات والمسئولية وعمارة الأرض، وحماية كرامة الإنسان، وهى قيمة أسبق من كل انتماء، أو هوية حضارية، وهى حصانة أولية للإنسان ثابتة له بوصفه إنسانا كرمه خالقه وجعله خليفة فى أرضه.
إن احتضان الإمارات لهذا اللقاء وصدور وثيقة أبوظبى للأخوة الإنسانية هو رسالة واضحة بأننا فى الإمارات كدعاة خير وسلام ورحمة عازمون على مواصلة الجهود لنشر ثقافة التسامح فى العالم، وترجمة مضمون هذه الوثيقة بنودا وروحا إلى حقائق على الأرض ووقائع بين الناس وبخاصة بين الأجيال الشابة والتى لم يصل الحوار الإسلامى / المسيحى إليها خلال العقود الماضية، بل ظل يراوح بين النخب.
فى كلمته المميزة أمام قمة الحكومات التى عقدت فى دبى قبل أيام، كشف سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، عن عدد من المبادرات التنفيذية التى تنوى القيادة الإماراتية القيام بها؛ لترجمة الوثيقة إلى حركة فاعلة على الأرض وبين الناس، من بينها تأسيس «صندوق زايد العالمى للتعايش «لدعم وتفعيل مبادئ هذه الوثيقة ومن خلال مبادرات دولية وفى قطاعات التعليم والثقافة والمعرفة والتنمية الاجتماعية، والبحوث الأكاديمية والترجمة، وتشكيل فريق دولى لرعاية الوثيقة ونشرها فى العالم، وبرامج مبتكرة للشباب، لتعزيز ثقافة التسامح، فضلا عن بناء (بيت العائلة الإبراهيمية) فى جزيرة المتاحف ــ السعديات.
لقد فتحت هذه الوثيقة التاريخية الأبواب أمام كنائس مسيحية أخرى، أرثوذكسية وبروتستنتية، وطوائف مسيحية أخرى، لتنضم إلى هذه الوثيقة وتنشرها بين أتباعها ومجتمعاتها، وبخاصة أن لهذه الكنائس مؤسساتها ومجالسها ومؤتمراتها المعنية بالحوار بين الأديان الحية. وبالتالى فإن امتداد تأثير هذه الوثيقة والتفاعل معها فى مجتمعات هذه الكنائس غير الكاثوليكية ضرورة قصوى، وهى كنائس لها دورها المؤثر فى دوائر صناعة القرار والرأى العام كدور البروتستانتية فى أمريكا والدول الإسكندنافية وعواصم شمال أوروبا، والأرثوذكسية فى موسكو وإسطنبول وأثينا وقبرص ومالطة وغيرها، وكذلك الحال مع الكنائس الشرقية العربية، وتنعقد منذ سنوات مؤتمرات دولية دينية لوضع شرعة دولية للتفاهم بين الأديان، وعلى غرار صيغة ميثاق الأمم المتحدة وإنشاء منظمة دولية للأديان تديرها لجنة تنفيذية على غرار مجلس الأمن الدولى.
ومن الضرورى الأخذ بالاعتبار المتغيرات الديموغرافية العالمية الراهنة؛ فالمسيحية اليوم ليست هى ديانة الرجل الأبيض الغربى وحده وإنما هى ديانة الفقراء والملونين فى آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وحيث يشكلون نحو ثلثى عدد المسيحيين فى العالم، وكذلك الأمر ينطبق على المسلمين، حيث يعيش أكثر من ثلث عددهم فى مجتمعات غير مسلمة، مسيحية وهندوسية وبوذية وخلافه، فى أوروبا والهند وإفريقيا وروسيا والصين وغيرها. وهذا يعنى أن التسامح واحترام التنوع والتعدد هو ضرورة للعيش المشترك وبسلام ووئام فى هذا العصر، والبديل هو الصراع والاقتتال والكراهية الجماعية.
ومن وحى تجربتى فى الحوار الإسلامى / المسيحى خلال العقود الأربعة الماضية، فإن مبادرات الحوار كانت تأتى على الأغلب من الغرب المسيحى، وكانت تحاول القفز من فوق الكنائس المسيحية العربية، باعتبار أنها تابعة لكنائس الغرب، ولمفاهيمه وقيمه وموروثاته، وكان هذا الاستبعاد يسبب خللا فى الندية الحوارية، ومن ناحية أخرى، فإن إقدام المحاور المسلم إلى الحوار كان فى جله يميل إلى السياسة اليومية واسترجاع ذاكرة الحروب والصراعات فى التاريخ، وفى مراحل متأخرة يركز الحوار على الدفاع عن النفس، وتهم عدم احترام حقوق الإنسان والمرأة، وعن ظاهرة الخوف من الإسلام. إن العيش المشترك للمسلمين مع الآخر المغاير، سواء فى الوطن العربى أو مع الآخر المغاير فى مجتمعات غير مسلمة، ليس مجرد ضرورة حياتية بل هو أيضا ممارسة إيمانية فيها اكتشاف للذات وفهم موضوعى للآخر وإدراك واع للقواسم والتحديات المشتركة ومن ثم الاحترام المتبادل والعيش الواحد المشترك.
إن الاحترام المتبادل نتيجة ضرورية من نتائج الاعتراف بالاختلاف، فلكل أهل دين ومعتقد خصوصياتهم الدينية والثقافية، والأصل أن يكون تصرف أهل الأديان جميعا مراعيا هذه الخصوصيات حريصا على حفظ حرمة أصحابها، كافلا لهم حقهم فى العبادة والتعبير المشروع عنها. ولا شك أن معيار النزاهة الفكرية هو فى مقدمة المعايير التى تؤسس لصدقية الحوار، فضلا عن أن الحوار يستدعى اطلاعا جيدا على تراث الآخر من مصادره وتعريفاته لذاته.
نحتاج إلى تأسيس «مؤسسات ومنابر حوارية مشتركة» نشطة وفاعلة، ومبادرات حوارية للشباب، تتيح للمشاركين التعرف إلى الآخر، بعيدا عن الشكوك والهواجس المتبادلة، والتزام مبدأ الانصاف، وإتاحة الفرصة لمراجعة الصور النمطية المشوهة عن الآخر، ولبناء الثقة وإقامة علاقات صداقة ومودة، والبناء على مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية.
إن الحوار النافع والمستدام هو حوار «الحياة» لا حوار «اللاهوت» ولا حوار «الدعوة أو التبشير».

يوسف الحسن  مفكر عربي من الإمارات
التعليقات