الديمقراطية.. الفريضة الغائبة عن الانتخابات - محمد عصمت - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:58 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الديمقراطية.. الفريضة الغائبة عن الانتخابات

نشر فى : الإثنين 19 فبراير 2018 - 10:20 م | آخر تحديث : الإثنين 19 فبراير 2018 - 10:20 م

كل تجارب التاريخ تؤكد أن أى نظام للحكم يحاول إجراء تنمية اقتصادية واستقرار سياسى بدون ديمقراطية سيصبح مثل البطة العرجاء، يسهل اصطياده والإيقاع به بسهولة، حدث ذلك مع ألمانيا النازية ومع دول المعسكر الشرقى ثم مع الاتحاد السوفييتى نفسه.

عبدالناصر نفسه بكل الكاريزما التى كان يمتلكها اكتشف بعد فوات الأوان أن غياب الديمقراطية كان وراء انهيار كل القيم التى تبناها نظامه كقصر من الرمال مع هزيمة يونيو67، وحتى السادات الذى انقلب على كل توجهات عبدالناصر بدون مقاومة شعبية تذكر وصاحب انتصارات أكتوبر 73، دفع حياته نفسها ثمنا لمصادرته الحريات العامة ولأوهامه حول كونه فرعون مصر الأخير، أما مبارك الذى أدخل البلاد مرحلة بيات شتوى سياسى استمرت 30 عاما، فقد داهمته ثورة شعبية لم يتوقع أحد نشوبها، كشفت زيف الاستقرار الذى كان يعتقد انه حققه لمصر، بل وأسقطت نظامه وأدخلته هو شخصيا السجن بتهم جلبت له العار.
أما ما يحدث الآن فى مصر فهو تنويعة على هذا اللحن السياسى غير الديمقراطى، كلام كبير عن الإصلاح الاقتصادى، ونكوص مستمر عن الإصلاح السياسى. وعود بتغيير أوضاع المصريين إلى الأفضل، مع تجاهل تام لكل حرياتهم السياسية وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية التى كفلها لهم الدستور، مع مطالبتهم بالصبر والتحمل إلى أجل لا أحد يعرف متى ينتهى؟!

حتى الانتخابات الرئاسية التى كان يحلم كل المصريين أن تصاحبها انفراجة ديمقراطية، تحولت إلى ما يشبه الاستفتاء المعروف نتائجه سلفا، لا أحد يمكنه أن يسأل المرشح عبدالفتاح السيسى عن سبب منع التظاهر كحق كفله الدستور رغم أن نظامه هو شخصيا جاء على أكتاف ملايين المتظاهرين؟! ولا عن أسباب سعى السلطة لاستمرار الركود السياسى فى الشارع رغم اننا على أعتاب أهم موسم سياسى تشهده البلاد كل 4 سنوات؟! ولا عن الوقت الذى سيجنى فيه المصريون ثمار خطط «الإصلاح الاقتصادى»؟ وإلى متى سوف تستمر معاناتهم من الفقر وارتفاع الأسعار؟ وكيف سنسدد فاتورة القروض الباهظة التكاليف؟
نفس هذه الانتخابات صاحبها انسحاب غامض للفريق أحمد شفيق، ثم انسحاب خالد على احتجاجا لعدم توافر ضمانات للانتخابات كما قال هو بنفسه، ثم استبعاد مفاجئ للفريق سامى عنان ، إلى أن جاء القبض على د.عبدالمنعم أبوالفتوح ليثير تساؤلات صعبة حول المستقبل الديمقراطى المظلم الذى يتهددنا فيما بعد إجراء هذه الانتخابات نفسها، والاستمرار فى غلق المجال العام بصورة أشد خشونة، لا تسامح فيها مع أى صوت معارض، مع شائعات لا أحد يعلم مدى صدقها حول وجود نية لتعديل الدستور بحيث لا تزيد مدة الرئاسة إلى 6 سنوت بدلا من 4 سنوات، وألا تقتصر مدد حكم الرئيس على مدتين فقط، وتركها مفتوحة بدون حد أقصى.

قد تكون الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى كابدها المصريون طوال السنوات السبع الماضية، والانهاك السياسى الذى عانوا منه خلال سنوات الثلاث الأولى من ثورة يناير، وإحباطهم من عدم قدرتهم على تحقيق أهدافها، هو السبب فى حالة الكمون السياسى أو الثورى السائدة حاليا، لكن الأمور لا يمكن أن تسير على هذا النحو، فغلق أبواب التغيير السلمى، يشعل براكين من الغضب العفوى التى تغلى تحت سطح حياتنا السياسية الراكدة، قد لا يراها البعض ولكنهم سيشعرون بنيرانها تحرق أصابعهم، وهم يتصورون أنهم يحكمون قبضتهم على كل الأوضاع فى البلاد!

الرهان على موت السياسة فى مصر أمر محال، فأهداف ثورة يناير والأجواء التى صاحبت سقوط مبارك والآمال الكبيرة التى سكنت قلوب المصريين فى بناء مستقبل واعد، لا تزال حية فى الصدور، ولا تزال ذكريات ميدان التحرير تلهمهم بآمال كبيرة، عندما شعروا أن البلد فعلا بلدهم، وأنهم يتنفسون الحرية فى كل ميادين مصر وشوارعها.

محمد عصمت كاتب صحفي