لكى تبقى فلسطين فى الغد: التنازلات العربية قوة إضافية للعدو الإسرائيلى - طلال سلمان - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 1:42 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لكى تبقى فلسطين فى الغد: التنازلات العربية قوة إضافية للعدو الإسرائيلى

نشر فى : الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 - 11:15 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 ديسمبر 2018 - 11:15 م

لم يعد لفلسطين إلا دمها تواجه به عدوها، الذى كان، ذات يوم، عدو الأمة العربية وأمة الإسلام والذين لم تفسد نصرانيتهم الصهيونية، وبات اليوم صديقا لكثير من سلاطين العرب وحليفا لبعضهم ضد أهلهم الأقربين فى أرض المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ومسار البراق إلى المسجد الحرام.
صار لإسرائيل «حلفاء» و«شركاء» من قادة العرب فى المشرق والمغرب، وفتحت عواصم عديدة أبوابها التى كانت مغلقة فى وجه الصهاينة «لزوارها الكبار» بشخص نتنياهو، تستقبله على الرحب والسعة كحليف محتمل وشريك فى المصير عبر مواجهة «الإخوة الأعداء».
من حق نتنياهو، إذن، أن يقول إن العديد من وزرائه سيقومون بزيارات ودية لعواصم عربية دعتهم إلى زيارتها، «توثيقا» لعلاقة ودٍّ وصداقة بعد «عداوة غير مبررة» امتدت لأجيال عدة من دون مبرر!.

ومن حق الفلسطينيين، بالمقابل، أن يستمروا فى نضالهم من أجل تحرير أرضهم، مهما بلغت التضحيات، وأن يزيدوا من نزولهم إلى الساحات والشوارع، فى مدنهم وقراهم، التى كانت مدنهم وقراهم عبر التاريخ، وأن يواجهوا جنود الاحتلال المصفحين بما ملكت أيمانهم من الحجارة فإلى الرصاص فإلى العبوات الناسفة، ومهما بلغ الثمن شهداء وجرحى من أجل الأرض المقدسة.
«أرض السلطة» ليست لها حصانة، إنها بعض «أرض الجهاد».. وهكذا فلا ضير فى أن تشهد عمليات رصد واقتحام لقوات الاحتلال الصهيونى.
ولسوف ترد قوات العدو الإسرائيلى، فنتربص بها ونجعلها تدفع الثمن مضاعفا. لن يأخذوا أرضنا ونحن ننظر اليهم بحرقة، صامتين، بل سنواجه بما ملكت أيماننا، فنحن أصحاب الأرض.. كنا، عبر التاريخ، وسنبقى فى الحاضر والمستقبل.
***
الأرض العربية التى كانت تعج بتظاهرات الغضب وشعارات التغيير، تتبدى الآن صامتة كالقبور. قهرها النظام العربى، تماما كما يقهر العسكر الإسرائيلى تظاهرات أهل فلسطين.
اختفى اسم فلسطين من الحديث العربى، مكتوبا أو مذاعا أو متلفزا، المساحة كلها الآن للعدو الإسرائيلى، خصوصا بعد انتقال العديد من أهل النظام العربى من خانة «الأعداء» إلى خانة «الأصدقاء». إن ستا من الدول العربية تقيم الآن، أو هى على وشك أن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وثمة دول أخرى تتعامل سرا مع الدولة التى كانت «عدوا» فصارت «صديقا» بل «حليفا».
لقد جاء «الربيع العربى» قبل أوانه قد استبق موعده متعجلا ففاجأ الجمهور قبل «أهل النظام».. وكانت الفوضى التى مكنت أهل النظام من تغيير جلده لينقضَّ بعد ذلك على «أهل التغيير» يخادعهم بحمل شعاراته وتبنى مطالبهم ليطمئنوا إليه فيعيدهم إلى المربع الأول بعد تحذيرهم بل وتحميلهم المسئولية عن تدمير الوطن والأمة.. تمهيدا لأن ينقض عليهم فيفرقهم أيدى سبأ بين المعتقلات والمنافى أو صمت السلامة.. ونسيان فلسطين.
***
لفترة طويلة احتلت غزة الصدارة، باسم فلسطين ومن أجلها.. فى حين كانت الضفة الغربية المعزولة بالاحتلال الإسرائيلى تداوى جراح خيبة الانتفاضات المتتالية فيها التى لم تجد الحاضنة العربية، وتركت لمساومات «السلطة» التى ليس من أسباب الحكم إلا موقع «الشرطى الوطنى فى خدمة الاحتلال الإسرائيلى».
ها هى الضفة تستعيد دورها وموقعها على خريطة النضال الوطنى الفلسطينى، وتنطلق العمليات الفدائية من قلب «العاصمة الافتراضية» رام الله، ثم تتمدد إلى أنحاء أخرى مؤكدة استمرار الانتفاضة.. طلبا للنصر، أو إسقاطا لمشروع تمدد الاحتلال فى اتجاه القدس لتكون العاصمة العتيدة للكيان الصهيونى بديلا من تل أبيب.. معززة قرارها بقبول بعض الدول (فى أمريكا اللاتينية خاصة) أن تنقل سفاراتها إلى القدس المحتلة، لا سيما وأن أكثر من دولة عربية تصرفت وكأن الأمر لا يعنيها.. بمعنى أنها تعتبر فلسطين جميعا محتلة والسلام!.
***
فى هذا الوقت كانت دول الخليج تحاول تأكيد «استقلالها» عن سائر الدول العربية، فتبتعد أكثر فأكثر عن فلسطين، ما يعنى تقصير المسافة إلى الكيان الصهيونى.
وجاءت جريمة اغتيال الصحفى السعودى جمال خاشقجى فى القنصلية السعودية فى واشنطن لتفتح جبهة جديدة ضد المملكة السعودية، لا سيما بعدما صوّت الكونجرس بأكثريته الساحقة مع قرار إدانة المملكة وربط ولى عهدها الأمير محمد بن سلمان بجريمة اغتيال الخاشقجى.

وما يعنينا أن هذه الجريمة تحولت إلى أداة ضغط إضافية على المملكة، خاصة، ودول الخليج عامة.. بل أنها تحولت إلى مبرر إضافى لتقديم التنازلات السياسية عن طريق الاعتراف بإسرائيل، ما مكن نتنياهو من التباهى بأن العديد من الدول العربية (وفى الخليج تحديدا) هى فى الطريق إلى الاعتراف بالكيان الصهيونى، مشيرا إلى «مملكة البحرين» بأنها ستكون «الرائدة» فى هذا المجال.

***

يرى بعض المراقبين أن موعد التغيير فى «السلطة الفلسطينية» قد حان، وأن على الرئيس محمود عباس أن يخلى مكانه لآخرين أقوى شعبية وأصلب موقفا تجاه العدو الإسرائيلى بعد خيبات الأمل المتكررة فى احتمال «تنازل» إسرائيل، أو إلغاء إجراءاتها التى تستهدف إسقاط «مشروعية» الدول الفلسطينية، بحيث لا تُبقى لها من أرض فلسطين التاريخية إلا بعض القدس وبعض الضفة الغربية التى يمكن استخدامها كرهينة ضد الثورة أو أى تحرك وطنى شامل فى كامل الأرض الفلسطينية الباقية بأيدى أهلها الذين كانوا دائما أهلها.
وهكذا، فإن الشعب الفلسطينى يرى نفسه ــ مرة أخرى ــ وحيدا فى مواجهة إسرائيل المعززة بالتأييد الأمريكى المفتوح، والمعززة الآن بتحول «الصمت» العربى إلى «اعتراف بالأمر الواقع».. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى القدير.
البعض يتهم حركة حماس أنها تهيئ نفسها لخلافة «فتح» فى «السلطة»، مستفيدة من تقدم محمود عباس فى السن، والترهل الفاضح فى حركة «فتح» بعد إغراق كوادرها المميزة فى السلطة التى لا سلطة لها.

ولكى يعزز هذا البعض اتهامه فهو يركز على دور الجمهورية الإسلامية فى إيران بتشجيع «حماس» على ركوب هذا المركب الخشن، وصولا إلى اتهام قيادة «حزب الله» فى لبنان بلعب دور المساند لهذا «التنظيم الاسلامى» هو الآخر، بغض النظر عن الفروق بين «سنية» الأول و«شيعية» الثانى.

***
مع الأسف، ليس بين الدول العربية من يجد لديه القدرة (أو حتى «الرغبة») لإشغال الذات بالقضية الفلسطينية المعقدة، خصوصا إذا احتسبت الولايات المتحدة راعية الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين، أمس واليوم وغدا.
ذلك أن معظم الدول العربية معطلة عن الفعل، إما نتيجة البعد أو الانشغال بهجوم أولى بالاهتمام: فسوريا والعراق، ومعهما لبنان، مثقلة بأشجانها والتركة الثقيلة للحروب فيها وعليها. والخليج يقارب الخروج من دائرة الحرب ضد إسرائيل ليدخل خانة «السلام» معها. والمغرب لا يحتاج «صلحا» مع إسرائيل. والجزائر مشغولة باحوالها الداخلية.. وليبيا تنتظر من يعيد استيلادها من جديد.

السؤال المقلق الآن: هل دخل العرب، بمجموعهم، «العصر الإسرائيلى»، أم أنهم – بكتلتهم العظمى ما زالوا رافضين الإقرار بهذا «الأمر الواقع» كقدر لا مفر منه؟
ومن أين يأتى الأمل.. إلا من فلسطين ذاتها، ليوقظ الأمة لتنهض إلى واجبها فى تأمين غدها.. الذى يمكن أن يكون أسوأ من الحاضر، إلا إذا حضرت الإرادة لتغيير الواقع وفق الأمل المنشود.. والحق المشروع.

طلال سلمان كاتب صحفي عربي بارز، مؤسس ورئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية، كما أنه عضو في مجلس نقابة الصحافة اللبنانية - المدونة: www.talalsalman.com
التعليقات