الأطفال وخلافات أبويهم - هنا أبوالغار - بوابة الشروق
الثلاثاء 23 أبريل 2024 6:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الأطفال وخلافات أبويهم

نشر فى : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م | آخر تحديث : الثلاثاء 18 سبتمبر 2018 - 9:50 م

كل العلاقات الإنسانية تشهد فترات من التناغم والتواصل الإنسانى، ولحظات خلاف وغضب وغربة. وفى علاقة مثل علاقة الزواج، حيث يلتقى شخصان فى بيت واحد لكلٍ منهما صفات شخصية وميول وعادات أسرية وثقافة، ليعاشروا بعضهم «على الحلوة والمٌرة» فلابد أن تواجههما لحظات عدم رضا ناتجة عن اختلاف الطباع والاحتياجات، وكما أن متطلبات الحياة والالتزامات والهموم لكلٍ منهما تجاه البيت والأطفال والآخر تزيد من الضغط على حبال التواصل، فيحدث الخلاف الذى يتطلب قدرة ورغبة فى تطوير مهارات التواصل لدى كليهما لتستمر الحياة بينهما.
الأبوان مصدر الأمان لأبنائهما، هما أيضا مصدر المعرفة والتجارب، فالطفل يتعلم بالمشاهدة والتقليد، ومهم أن يحافظ الأبوان على مكانتهما لدى أطفالهما كمثل أعلى لهم. الأطفال أيضا لديهم رادار قوى، فهم يستطيعون استشعار الحزن والغضب والقلق وهم بداخل الرحم، ويستمر هذا الاستشعار بعد الولادة وطوال طفولتهم. والأمر لا يحتاج إلى حضورهم شجار، فمجرد البرود أو التباعد بين الأبوين كافٍ ليمتلئ البيت بالطاقة السلبية ويتأثر بها الأبناء.
***
لأن الخلاف فى الحياة أمر طبيعى ومحتوم فى أى علاقة، فنتائجه تعتمد على قدرة الطرفين فى إدارة هذا الخلاف بشكل يكون فيه حفاظ على حد أدنى من الاحترام والمحبة والرغبة فى عدم التجريح، حتى لا يترك الخلاف أثرا فى نفس كليهما ويفتح الباب لتصالح صحى بعد العتاب والمراجعة. وحضور الأطفال الخلاف ورؤيتهم لوالديهم وهما يختلفان ويتصالحان بشكل متحضر وإنسانى درس مهم فى طفولتهم، وهو أصح لهم كثيرا من استشعارهم البرود بين الوالدين، حيث يتشاجران خلف الأبواب ثم لا يرون كيف يتم حل هذا الخلاف فلا يزيدهم هذا إلا قلقا وحيرةً.
فى الحالات القصوى التى لا يصل فيها الطرفان إلى حل مرضٍ والتى تنتهى بالانفصال أو الطلاق، فالأمر يحتاج إلى معرفة أعمق بتأثير هذا الانفصال على الطفل، فبالرغم من أن دراسات كثيرة أثبتت أن الطلاق يعد لحظة فَقد كبيرة فى حياة الطفل، فإن نفس هذه الدراسات أثبتت أن فترات الخلاف الطويلة (سواء بالشجار أو بالتباعد والبرود) بين الوالدين أكثر قسوة وأعمق أثرا عليهم، حيث يشعر الطفل بالتوتر الدائم والإحساس بعدم الأمان فى ظل توقع انفجار شجار أو تجريح من أحد الوالدين أو كليهما. ولأن الانفصال لحظة فارقة فى حياة الطفل، ولأن حياته ستتغير كثيرا بعدها، فطريقة إخبارنا لها/ له بهذا القرار لابد أن تضع فى الاعتبار ما يدور فى ذهنه فى هذه اللحظة وما يحتاج أن يسمعه حتى إذا لم يسألنا عنه، من أهم هذه الأسئلة:
هل أنا السبب؟ هل يعنى ترك بابا البيت أنه لا يحبني؟ لو كان يحبنى ما كان تركني؟
أول ما يدور فى ذهن الطفل أو الطفلة أنهم تسببوا فى الانفصال، وقد يخيل إليهم أنهم إذا اجتهدوا أكثر فى الدراسة أو التزموا الصمت أو خفضوا صوتهم فى اللعب أن هذا سيغير من قرار الانفصال، بالتالى فإن إدخال الأطفال فى أى خلاف بين الطرفين سواء بمطالبتهم بأخذ موقف مؤازر لأحدهما، أو إهمال واجباتنا نحوهم كأم أو أب كوسيلة للضغط على الطرف الآخر، فهى أمور تؤكد لهم أن لهم دورا فى الطلاق، وتغرس فيهم بذرة الاحساس بالذنب وعدم الجدارة بمحبة الآخرين، حيث إن أبويهم لم يحبوهم بما يكفى ليبقوا معا.
هل سأنتقل من بيتي؟ من حجرتي؟ من مدرستي؟ من سيأخذنى التدريب؟
غريزة الحفاظ على النفس لدى الأطفال قوية، وهى تجعلهم قلقين على حياتهم، فهم يدركون أنهم معتمدون على والديهم فى كل شيء، وبالتالى فاهتزاز العلاقة بين الوالدين تهز استقرارهم وتولد أسئلة من هذا النوع.
من سيحتفل بعيد ميلادي؟ مع من سأقضى العيد؟
بالنسبة للطفل: قدرة الأبوين على التواصل بشكل إنسانى فيه احترام وإنسانية سواء كانوا فى مرحلة خلاف أو انفصال أو طلاق أمر هام جدا، ومن الضرورى أن يفصلا علاقتهما ببعض عن علاقة كلٍ منهما بالطفل وبالتالى فالتفاصيل العملية مثل اتفاقهما على أوقات يقضيها الأطفال مع الطرف غير الحاضن يجب أن تكون واضحة ولا تتغير حتى لا يشعر الطفل بمزيد من القلق وعدم الأمان. من الضرورى أن يشعر الطفل أن والديه متفقان على مصلحته، وأن قنوات التواصل بينهما مفتوحة حتى بعد الانفصال وألا يستخدما الأطفال كوسيلة لنقل الرسائل بينهما، وهو أمر يضع الطفل تحت ضغط كبير، خاصة إذا كانت الرسائل عدائية بين الزوجين، كما أنه يُعَلِّم الأطفال اللؤم واستغلال خلاف الوالدين لكسب مميزات كان فى الطبيعى ألا يكتسبها من البعد التربوى.
هل سيكون لدىَّ ٢ بابا و٢ ماما؟ وإخوة جدد؟ هل سيسكن الإخوة الجدد فى حجرتى ويخرجون معنا عندما نخرج كأسرة؟
دخول طرف ثالث كزوج أم أو أب وأطراف أخرى مثل أطفال من الزيجة الثانية أمر صعب على الإنسان فى سن لا يقبل فيه شقيق يشاركه فيهما، وبالتالى فوجود أطفال لم يعاشرهم أو شخص جديد يأخذ مكان الأب أو الأم أمر صعب، بالرغم من أنه أحيانا تكون حياة الأطفال أكثر استقرارا وأمانا، خاصة إذا كان دور الأم أو الأب البيولوجى محدود بسبب اختياره الخروج من حياة الطفل أو البعد على خلفية الخلافات الكثيرة. نجاح هذا الوضع الجديد مرهون بإشراك الأطفال فى القرار، وبإعطائهم فرصة لمعرفة الطرف الجديد عن قرب، وتطمينهم أنه/ أنها لن يأخذ مكان الأم أو الأب وأنه غير مفروض عليه أن تكون العلاقة لها شكل محدد وإنما يترك هذا للطفل لتحديده حسب عمق العلاقة فيما بعد.
إخبار الأطفال بقرار الطلاق أو الانفصال أمر يحتاج إلى ترتيب، فمثلا من الأفضل أن يتم فى منزل الأسرة (حتى يطمئنوا إلى أنه موجود ومحتويهم حتى إذا غاب أحد الأبوين عنه)، يفضل أن يخبرهما الطرفان الأب والأم معا، وأن يكونا متفقين على ما سيقال حتى لا تحدث تناقضات أو خلافات أمام الطفل حول أسباب الانفصال، خاصة إذا كان انفصال من طرف واحد بغير رغبة الطرف الآخر. من المهم جدا أن نطمئن الطفل أنه ليس طرف فى هذا الخلاف بل هو سبب لاستمرار التواصل والترابط، لكن بشكل مختلف، حيث إن حبه يجمع الوالدين إلى الأبد، وإنه لم يفعل أى خطأ أدى إلى ترك «الأب» أو «الأم» المنزل، وإنما هذا القرار ناتج عن أن بينهما خلافات مثلما تحدث بينه وبين إخوته أو أصدقائه وأن هذا الخلاف كبير، وأنهم حاولوا جاهدين حله؛ لأنهما يدركان قيمة الأسرة والزواج لكن كثرة الشجار والتوتر جعلتهما غير سعداء ولذلك قررا أن ينفصلا. وأنهما سيوجدان معا فى الأحداث المهمة له مثل حفلات المدرسة وعيد ميلاده، وأنه سيرى «ماما» أو «بابا» (الطرف الذى ترك المنزل) بانتظام كل أسبوع وسيسافر معه فى الصيف وإجازة نصف العام. وأنه سيكون له حجرة فى بيت «بابا» أو «ماما» الجديد.

***
هذه أمثلة من الإجابات التى يجب أن نجيب بها، حتى إذا لم يطرحها الطفل لغويا؛ لأنه بالتأكيد طرحها فى عقله، ولابد من إخبار مدرسة الفصل أو الحضانة حتى تكون أكثر تفهمًا لتصرفات الطفل فى المرحلة الأولى، فالأطفال قبل سن البلوغ كثيرا ما يحدث لديهم ردة فى التصرفات، فيكونوا أكثر تعلقا بالأبوين، وقد يتصرفون أصغر من سنهم، بينما يلجأ الأطفال بعد سن البلوغ إلى الهروب إلى الأصدقاء وقضاء أكبر وقت ممكن بعيد عن البيت.
نهاية علاقة بعمق الزواج مؤلمة على الطرفين، لكن أحيانا يكون استمرارها أكثر ألمًا وضررا عليهما وعلى الأطفال، فقدرتنا على تعليم أبنائنا المحبة والرحمة والسماحة تقل إذا ما وضعنا أنفسنا يوميا فى ظروف تختبر صبرنا وتأكل من سعادتنا ورضانا، لكن بالتأكيد ليس من العدل أن يدفع أبناؤنا ثمن اختياراتنا مرتين مرة فى اختيارنا الخاطئ ومرة أخرى عندما نختار أن ننهى العلاقة.

هنا أبوالغار أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة
التعليقات