أين تحسم القوة.. ومتى تبدأ السياسة؟ - عبد الله السناوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 6:20 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أين تحسم القوة.. ومتى تبدأ السياسة؟

نشر فى : الإثنين 17 نوفمبر 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الإثنين 17 نوفمبر 2014 - 8:35 ص

ككل حروب الإرهاب فى أى مكان آخر بالعالم يستحيل استبعاد الضربات المباغتة التى توجع بعمق من وقت لآخر وتثير دوما التساؤلات القلقة.

من طبيعة هذه الحروب استهداف المدنيين فى مناطق تجمعاتهم والوحدات العسكرية والأمنية فى مواقعها.

غير أن هناك فارقا جوهريا بين ما هو مباغت لا يمكن منعه نهائيا مثل العمليات الانتحارية وما هو مترتب على اختراقات فى المعلومات وثغرات فى التأمين.

الترويع النفسى بأثر مشاهد الدم مطلوب وإثارة الذعر العام لأوسع مدى مقصود.

لا تعنى المشاهد المفزعة سوى هذه الرسالة.. أن يفقد المجتمع ثقته فى نفسه وفى جيشه وأن يقف شبه يائس وشبه محطم ينتظر الهزيمة الأخيرة.

وهذا ما أراده بالضبط الذين بثوا على شبكة التواصل الاجتماعى «الفيديو المجمع» لعمليات إرهابية فى سيناء أخطرها «كرم القواديس» كأنها جرعة مكثفة من التقتيل الجماعى.

لا التهوين يصلح لخفض مستويات القلق العام ولا التهويل يساعد على بناء استراتيجية أكثر تماسكا فى الحرب على الإرهاب.

ما تحتاجه مصر أن يكون الرد فى الميدان وأن يكون واضحا أمام الرأى العام حقيقة ما يجرى فى سيناء وأن تكون هناك إجابات عن الأسئلة المقلقة.

بحسب شهادات من داخل سيناء فإن تمركزات الإرهاب أكبر من أية توقعات سابقة وأن الضربات التى لحقته لم تمنع مواصلته لعملياته وما يعلن أقل مما يحدث.

أين وجه الصعوبة فى الحسم العسكرى؟

هذا هو السؤال الأول.

وبحسب ما هو ظاهر فإن المستويات الاحترافية للجماعات التكفيرية تدريبا وتنظيما وتسليحا تزداد وقتا بعد آخر بدلا من أن تتقوض تحت وطأة العمليات العسكرية والأمنية الواسعة.

أين وجه الخلل الذى يسمح بدخول أسلحة أكثر تقدما ومسلحين أكثر خبرة وكفاءة إلى سيناء؟

هذا هو السؤال الثانى.

من أين أتوا وأين وجه المسئولية؟

هذا سؤال ثالث

يفتح ملفات أغلقت ونسيت. ففى الأيام الأولى لثورة يناير صدرت مجموعة من القرارات عن «المجلس العسكرى» أفرج بمقتضاها عن ضالعين فى قضايا إرهاب وعاد بموجبها أعضاء فى تنظيم القاعدة دون أن يكون هناك سبب مقنع لا لمقتضيات الإفراج أو موجبات العودة.

وعلى عهد الرئيس الأسبق «محمد مرسى» بدت الطرق كلها مفتوحة أمام تمركزات جديدة للجماعات التكفيرية فى سيناء وتواترت المعلومات عن صلات تجمع الطرفين فكلاهما يحتاج الآخر.

أحدهما يطلب تسهيلات الدولة قبل الانقضاض عليها والآخر يطلب إرهاب مناهضيه السياسيين والجيش نفسه حتى لا تجرى إزاحته من الحكم.

بين الجماعة و«داعش» فى لعبة الاحتكام للسلاح يكسب الأكثر تسليحا وتنظيما وتدريبا والأكثر تشددا فى طلب «الخلافة الإسلامية» ولو على أشلاء المسلمين وسمعة الدين الحنيف نفسه.

تراجع الوزن النسبى للجماعة فى المنطقة بصورة فادحة أمام صعود التنظيمات التكفيرية مثل «داعش» و«النصرة» وهذا ما سوف يحدث فى مصر.

فى العراق لم يعد للجماعة الوزن نفسه الذى صاحب احتلال بغداد، وقد شاركت فى حكمه تحت قيادة «بول بريمر». وكانت تلك فضيحة بذاتها.

وفى سوريا تكاد تختفى أدوارها بعد أن كانت قوة لا يستهان بها وبدأت عناصر فى الجيش الحر تنتقل لأسباب تمويلية فى الغالب إلى الجماعات التكفيرية الأكثر قدرة عسكريا والأفضل ماليا.

وفى ليبيا خسرت ثقة قطاعات غالبة فى شعبها ودخلت فى تحالف معلن مع جماعات تكفيرية، وبصورة أو أخرى سوف تخسر معركتها فى النهاية.

وفى اليمن تراجعت مستويات نفوذها بما يشبه التصدع الكبير تحت وطأة صعود «الحوثيين» وكادت معركة الحسم بالسلاح تنحصر على الجانب الآخر مع «القاعدة».

كانت تونس هى الاستثناء الوحيد فرغم هزيمة «حركة النهضة» فى الانتخابات النيابية الأخيرة إلا أن قيادتها نجحت فى أن تتجنب مصائر ما جرى فى دول أخرى، لكنها شبهت النتائج الديمقراطية بـ«صلح الحديبية» ويصعب إصدار أحكام نهائية حتى الآن.

رغم ذلك فهناك من يتصور أن بوسعه إعادة الرهانات القديمة للجماعة كأن شيئا لم يحدث فى المنطقة.

حسب ما هو متاح من معلومات فإن ثمة توجها يتبناه زعيم حركة النهضة الشيخ «راشد الغنوشي» لاستضافة دورة جديدة فى تونس لـ«المؤتمر القومى الإسلامى». وهو مؤتمر سياسى عمل قبل سنوات طويلة من مقره الرئيسى فى بيروت على المصالحة بين أكبر تيارين فى العالم العربى وتأسيس ما أطلق عليه فى أدبياته «الكتلة التاريخية».

هذا الرهان أجهضته الجماعة بقسوة بعد أن وصلت إلى السلطة بتصور أن بوسعها التمكين لتنظيمها وحده.

تحالفت مع جماعات تكفيرية ودعمتها ضمنيا وبدا أن ما كانت تطرحه فى مثل هذ المؤتمرات من انفتاح فكرى وسياسى أقرب إلى العلاقات العامة.

المعنى فى ذلك كله أن الاستقطاب الداعشى يرسم خرائط سياسية جديدة فى المنطقة، ينهى مرحلة دون أن تتضح معالم ما هو مقبل.

فى فوران المنطقة أخطار لا نهاية لها على دولها بدون استثناء، ومصر فى قلب لوحة التنشين.

تصاعد العمليات النوعية بريا وبحريا واستقدام عناصر أكثر تدريبا وتسليحا إلى سيناء ذات خلفيات قتالية فى ميادين أخرى يعنى بالضبط أن هناك ثغرات أمنية وسياسية واجتماعية تغرى بالهجوم المنهجى.

مصر دخلت حربا فعلية، وهذا يتطلب تماسكا وطنيا على أسس صلبة بالوسائل السياسية، فأمن بلا سياسة أيا كانت قوة عضلاته خسارته مكلفة.

فى توسيع المجال العام وصون الحريات الأساسية ومواجهة مؤسسة الفساد تأكيدات ضرورية لقضية الشرعية تنفى أية عودة للماضى بوجوهه وسياساته وتفسح المجال لتقدم المستقبل بثقة رغم أية ضربات إرهابية.

وفى ضبط السياسات الإقليمية مسألة أخرى تستدعى شيئا آخر من التوافق.

فى المنطقة يتحدد مصيرنا، فالنيران إذا لم تذهب لإطفائها بقدر ما تستطيع سوف تصل إليك بأسرع مما تتوقع.

الانكفاء السياسى مستحيل لكنه لا يعنى التورط فى تدخلات عسكرية مكلفة.

فى المشهد تتلاحق الأسئلة القلقة غير أن هناك بوليصتى تأمين أولاهما الجيش، فهو قوى ومتماسك وأحد أقوى ثلاثة عشر جيشا فى العالم لكنه يحتاج إلى الدعم والمساندة لتجاوز أية مصاعب مؤقتة.. وثانيتهما الشعب المصرى نفسه، فهو بتكوينه الاجتماعى والتاريخى يأبى التطرف الدينى والتوغل فى الدم، وقد كان خروجه فى (٣٠) يونيو على نحو غير مسبوق تعبيرا عن قلق بالغ من تغيير طبيعة الدولة أو دفاعا عن طابعها المدنى الحديث أو أمله فى أن تكون مدنية وحديثة معا.

التحدى الحقيقى أن تثق مصر فى نفسها وأن تتقدم إلى مستقبلها بثقة.

السؤال الجوهرى الآن: أين تحسم القوة ومتى تبدأ السياسة؟