الحسنة الوحيدة فى مأساة خاشقجى - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 8:06 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحسنة الوحيدة فى مأساة خاشقجى

نشر فى : الأربعاء 17 أكتوبر 2018 - 11:10 م | آخر تحديث : الأربعاء 17 أكتوبر 2018 - 11:10 م

الاهتمام العالمى الواسع بواقعة اختفاء أو إخفاء الصحفى السعودى جمال خاشقجى بعد دخوله القنصلية السعودية بمدينة اسطنبول التركية فى الثانى من أكتوبر الحالى، بغض النظر عن تباين دوافع هذا الاهتمام وربما تناقضها، قد يجعل تكرار مثل هذا السيناريو مع أى ناشط أو صحفى صعبا على الأقل فى المستقبل القريب.
وقد كان رد الفعل العالمى والثمن الذى دفعه نظام الرئيس السورى بشار الأسد لاغتيال رئيس وزراء لبنان الراحل رفيق الحريرى فى 14 فبراير 2005، سببا فى نجاة لبنان ورموزها السياسية والإعلامية من سيف الاغتيال الذى ظل معلقا على رقاب الجميع لعشرات السنين، حيث كان اغتيال القيادات السياسية والإعلامية «أسهل من شكة الدبوس» ليقين القتلة بأنهم لن يخضعوا للحساب. فقد مر على اغتيال الحريرى نحو 13 عاما لم تشهد فيها لبنان سوى عمليتى اغتيال كان ضحيتهما النائب جبران توينى والصحفى سمير قصير فى 2005.
ورغم أن المؤشرات تقول إنه ستتم تسوية قضية جمال خاشقجى الذى لا نعرف مصيره على وجه التحديد حتى الآن عبر الاتصالات السرية والقنوات الخلفية، ولن يتم الكشف عن حقيقة ما حدث، فقد أدرك الجميع أن العالم لم يعد يقبل أن «يتبخر إنسان» بهذا الشكل، بل إن سيناريوهات استغلال الحادث ضد الجهة المشتبه فيها سيجعل تكلفة التخلص من هذا الإنسان أعلى كثيرا من تركه فى حال سبيله.
بالطبع لا نتوقع التحقيق الشفاف العميق الذى وعدت به السعودية وتركيا، وطالبت به أمريكا وأوروبا، لكن فى الوقت نفسه لا يجب الاستسلام لفكرة تسوية القضية بسرعة دون الوصول إلى الحقيقة الكاملة حتى لو يقودنا ذلك إلى محاسبة من أمر بخطف الرجل وقتله والاكتفاء بمعاقبة المسئول المباشر عن الجريمة.
ما حدث مع جمال خاشقجى جريمة ضد الإنسانية لا يجب أن تسقط بالتقادم، ولا بالمواءمات السياسية، لكن الواقع يقول إنها ستسقط بالتوافق بين الأطراف المعنية، بعد أن يحقق كل طرف جزءا مما يصبو إليه من أهداف وما يسعى إليه من مصالح. لكن ستظل الرسالة الأهم وهى أنه لن يكون مقبولا أبدا أن تتورط دولة أو جهاز فى تصفية إنسان بهذا الشكل، وأن تفاهمات الأجهزة والحكومات لن تمنع المجتمع المدنى فى العالم من الضغط على هذه الأجهزة وإجبارها على دفع ثمن ما تقترفه من جرائم خارج أطر القوانين التى تنظم عملها.
ورغم أن بعض ردود الأفعال الرسمية، وربما الإعلامية الغاضبة مما حدث مع جمال خاشقجى ليست بريئة تماما وليست «لوجه الإنسانية»، فالحقيقة أن هناك قطاعات كبيرة من المهتمين بالقضية فى العالم، غاضبون لأنه كان يجب أن تكون الإنسانية قد تجاوزت هذه المرحلة التى يمكن فيها أن «يتبخر إنسان» فجأة وفى مدينة مزدحمة مثل اسطنبول، فلا نعرف إن كان حيا أو ميتا، وإن كان مقبوضا عليه لمخالفته القوانين والقواعد أو مختطفا بلا أى سند من قانون.
ولا يجب أن تجعلنا محاولات بعض الأطراف توظيف هذه القضية سياسيا أو إعلاميا، ننسى ولو للحظة واحدة أننا أمام مأساة كاملة، ضحيتها صحفى عربى وصاحب رأى بارز، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع ما يطرحه من رأى وما يكتبه من مواد.
أخيرا، فجريمة إخفاء أو تصفية خاشقجى لن تكون الأخيرة، لأن الجريمة باقية ما بقيت الإنسانية، لكن المؤكد أن رد الفعل العالمى على هذه الجريمة سيجعل الجميع يفكرون كثيرا قبل تكرارها على الأقل فى المستقبل القريب لتكون هذه هى الحسنة الوحيدة فى مأساة الصحفى السعودى.

التعليقات