معاناة الطبقة الدنيا فى مصر - جورج إسحق - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 3:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

معاناة الطبقة الدنيا فى مصر

نشر فى : الثلاثاء 17 يوليه 2018 - 9:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 17 يوليه 2018 - 9:20 م

على سبيل المثال لا الحصر، مواطن مصرى يعمل بمهنة بسيطة راتبه 3000 جنيه زوجته مرضت وكانت لابد أن تقوم بإجراء عملية جراحية رغم كل الوسائط من المعارف والأصدقاء مكث فى المستشفى فى الانتظار عشر ساعات دون أن تدخل زوجته المستشفى، وأثناء وجوده فى انتظار المستشفى حضرت سيدة فى اللحظات الأخيرة قبل الولادة ونظرا لأنها لم تدخل المستشفى بشكل طارئ وعاجل ولدت مولودها فى الانتظار ونزل المولود على رأسه واقعا على الأرض، لأن دورها لم يحن بعد وهذا نموذج لمعاناة الناس فى أثناء المرض. أعتقد لا نحتاج إلى كلمات أكثر لتصف معاناة نماذج أعتقد يوجد منها الملايين فى مصر وأنا هنا أتحدث عن شخص راتبه 3000 جنيه وليس 800 أو 1000 وهم كثيرون بالملايين أيضا. فما الحال إذن؟!
ورغم معرفتنا بما يعانيه الأطباء ورغم أن أحد أهم الأسباب لذلك هو أن المستشفى مكتظة بالمرضى وأعداد الأطباء قليلة. وقبل أن نتكلم عن أحوال الصحة فى مصر يجب أن نتكلم عن إصلاح المنظومة نفسها لأن المنظومة فاشلة ومتفسخة ويتطلب الأمر كما طالبت نقابة الأطباء عدم التسرع فى تطبيق قانون التامين الصحي واتخاذ إجراءات مهمة قبل التطبيق وإعادة الهيكلة لهذه المنظومة، على أن تنقسم هذه الإجراءات إلى ثلاث نقاط تنظيمية مهمة: إدارة للتمويل، وإدارة للمستشفيات، وإدارة لرقابة الجودة، هل تكونت هذه اللجان قبل التطبيق؟ فمثلا فى بورسعيد التأمين الصحى يحتاج إلى 40 وحدة صحية والمتاح 20 وحدة فقط ويمكن تدبير الأمر بالمشاورة بين الأطراف جميعا والمشاركة.
الجانب الآخر لهذه الأزمة هو الاستحقاق الدستورى الذى خصص 3 % من الدخل القومى للصحة ولم يوافق فى ميزانية هذا العام إلا على 1.7 %. ويجب أيضا إعادة النظر فى الاشتراك فى مشروع التأمين الصحى بأن يدفع المشترك 5 % من تكاليف الأشعة و 10 % للتحاليل و 20 % للدواء، إلى جانب وجود حد أقصى للصرف.
كل هذا وأكثر كان يجب إعادة النظر فيه بدلا من قرار عزف السلام الجمهورى بالمستشفيات!
وحدث ولا حرج عن التعليم وتغيير أنظمته بشكل دائما مفاجئ كل وزير له نظامه دون أى عمل مؤسسى، وعندما يبدأ المواطنين فى استيعاب النظام نجد إقالة الوزير واعتماد نظام جديد دون أى دراسة حقيقية دون أى عمل مؤسسى لا يعتمد على تغيير الفرد ولا يعتمد على المؤسسة وخطة عاملها الطويلة الأمد التى من المفروض أن تطبق بعد دراسة كافية سواء استمر الوزير أو أقيل.
بالإضافة إلى أهمية وجود حوار مجتمعى مع أى تعديل فى أنظمة التعليم والنقاش الجدى الفعال مع أطراف مختلفة معنية بالتعليم حتى يتم التأكد من أن النظام مناسب للجميع أو مناسب للأغلبية العظمى. ولذلك نطالب قبل التطبيق بالنظر فى معوقات التطبيق مثل ما يحدث فى فساد الأبنية التعليمية إلى جانب تشكيل مفوضية دائمة للتعليم تضع استراتيجية للتعليم لمدة خمس أو عشر سنوات ولا تكون هذه المفوضية تابعة لوزارة التعليم وإنما تكون مستقلة حتى لا يأتى كل وزير جديد بإلغاء ما فعله الوزير السابق.
***
الطبقة الدنيا فى مصر والذى انضم إليها العديد من الطبقة المتوسطة تعانى معاناة شديدة فى أهم مجالات المعيشة فى مصر الصحة والتعليم والسكن. وتآكل الطبقة الوسطى فى مصر هو فى حد ذاته ناقوس خطر. تعتبر الطبقة الوسطى «تاريخيا»، بمثابة صمام الأمان لأى مجتمع بشرى، وكلما زاد عدد هذه الطبقة وحجمها، كلما شكلت مصدرا مهما للاعتدال والأمن والأمان المجتمعى. الطبقة الوسطى مرتكز رئيسى فى الحراك المجتمعى لارتفاعها عن حالة الاحتياج، ومعاناة الطبقة الفقيرة وهو ما يمنحها الاستقلالية وثبات المواقف، والشراكة فى مسئولية بناء الدولة ومحاسبة الحكومات.. هناك ضرورة «ملحة» فى ظل الغلاء العالمى الفاحش وتزايد الحاجات، إلى وجوب الحفاظ على الطبقة المتوسطة، التى بدأت الدراسات أخيرا تشير إلى تآكلها فى بعض البلدان العربية وأولها مصر، نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة وغلاء المعيشة والسكن والدواء وتدنى الرواتب.
أجمع خبراء الاقتصاد على تراجع الطبقة المتوسطة فى مصر بعد سلسلة الزيادة فى رفع الأسعار، وأكدوا أن نسبة كبيرة من أبناء الطبقة المتوسطة التى كانت تمثل 60% من الشعب المصرى انزلقوا إلى طبقة الفقراء، وبالرغم من أن بعض الخبراء يرون أن القرارات الاقتصادية الأخيرة ورفع دعم الوقود كانت أمرا حتميا، لكنهم لا يبررون أن يؤدى ذلك إلى تآكل الطبقة المتوسطة التى تعد العمود الفقرى لأى مجتمع سوى.
ويشير آخر بحث قام به الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء عن «الدخل والإنفاق فى الأسرة المصرية» صدر فى يوليو 2016 إلى أن معدلات الفقر وصلت فى 2015 إلى 27.8 % أى نحو 25 مليون مصرى تحت خط الفقر ويقل دخل الفرد فى هذه الشريحة عن 482 جنيها شهريا.
وفى مصر يعيش نحو 5.3% من السكان تحت خط الفقر المدقع أى 4.7 مليون مواطن ويبلغ متوسط دخل الفرد فى هذه الفئة 322 جنيها شهريا. ومن المؤكد أن هذه الأرقام اختلفت تماما بعد تعويم الجنيه فى نوفمبر 2016 وارتفاع معدلات التضخم.
***
فأين الخطط الحكومية للدولة لإصلاح ذلك سواء كانت قصيرة المدى أو طويلة المدى فكلاهما لابد أن يتوازى العمل بينهما. وهنا أذكر تصريح الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، خلال كلمته أمام البرلمان أن الحكومة رسالتها واضحة، وهى ألا تترك فقيرا على أرض مصر، معقبا: «الدولة أولى بتوفير مستوى معيشة جيد للمواطنين». وأشار إلى أن الحكومة تلتزم بالبرامج التنموية وعلى رأسها برنامج سكن كريم، لافتا إلى أنه سيتم إطلاق برنامج تشغيل يستهدف المرأة والشباب، مع توفير السلع التموينية من خلال منافذ متوفرة على مستوى الجمهورية".
وقد صرح بأن برنامج الحكومة في الأربع سنوات المقبلة يعتمد على تحسين مستوى المعيشة وبناء الإنسان المصرى وهذا كلام أكثر من جيد ولكن من الضرورى أن ينشر جدول زمنى لذلك بعد حصر دقيق للفقراء فى مصر، عددهم ومناطق سكنهم ووضع معيار تعريفى لمن هو «الفقير المصرى» وكيف يصنف المواطن المصرى فقيرا؟ وهذا سؤال مهم لأن من كان متوسطا بالأمس أصبح فقيرا اليوم فما هو الحد الأدنى للدخل حتى نطلق كلمة فقير عليه؟!.
ولابد أن تكون هناك جهة متابعة ومحاسبة على ما تم الإعلان عنه. أعلم أنها وظيفة البرلمان ولكن للأسف هذا لا يحدث بجدية وننسى بيانات الحكومة وبرامجها وتصبح مجرد حدث يتم إلقاء كلمة فيه تتحول لمانشيت صحفى ودمتم!.
ولابد أن نتطرق إلى مسألة غاية فى الأهمية وهى اختيار الوزراء والمساعدين.. كيف يتم؟ وما هى المعايير؟ ومن يتحمل أخطائهم ومن يحاسب عليها؟ فعلى سبيل المثال أيضا فى مستشفى بورسعيد تم الاتفاق على تطويرها وتحديثها وتوقف المشروع دون أى أسباب واضحة معلنة لمدة تزيد عن العام؟ من المسئول عن ذلك؟ ومن يتحمل هذا الإهدار فى المال العام؟
مصر نفذت الكثير من برامج الإصلاح الاقتصادى بتاريخها الحديث وبعض هذه البرامج حقق نجاحا وبعضها فشل، ورغم ذلك يظل حال الفقراء كما هو دون تغيير بل ويزداد سوءا حيث تزيد معدلات الفقر، فهل يعقل أن نصلح لنفقر!

جورج إسحق  مسئول الاعلام بالامانة العامة للمدراس الكاثوليكية
التعليقات